عبد الكبير الميناوي: يبدو أن الشهر الجاري سيكون مختلفاً عن كل الشهور التي ظلت تحمل الرقم 9، على مدار السنوات السابقة، في المغرب: شهرٌ يجمع تبعات «حْريرة» الانتخابات ورائحة «حْريرة» رمضان في «وجبة» زمنية واحدة، كما يجمع، في «قفة» تسَوُّق واحدة، دفاتر الأولاد وكتبهم المدرسية بالقطاني والطماطم والتمور التونسية، ثاقباً الجيوب ومغيراً في كثير من العادات، على مستوى الأكل والشرب. شتنبر 2007، هو، أولاً، شهرُ الانتخابات التشريعية، التي أسقطت رؤوساً «كبيرة» لتمنح أخرى، على امتداد السنوات الخمس القادمة، حظ التجول في شارع محمد الخامس و«الاستمتاع» برطوبة الرباط، وربما، التغيير في المظهر والصداقات، وحتى القناعات والمبادئ، في انتظار أن يتذكروا أن الواجب يكمن، أولاً، في التغيير من أوضاع المغاربة وواقعهم المعيشي. شتنبر 2007، هو، أيضاً، شهر الدخول المدرسي والجامعي، حيث سيكون على الآباء تدبر واقتراض المزيد من المال، والصغار حمل أثقال من الكتب والواجبات المدرسية، والطلبة تجديد العهد مع الصداقات والحلقات والمدرجات، وقبل ذلك، بالنسبة للقادمين من الهوامش والقرى والمدن الصغيرة، ركوب حافلات مُهترئة تنقل ركابها في رحلات عذاب، يشعر المرء، خلالها، بانعدام الوزن وكثير من «الحكَرة»، التي قد تدفع به إلى التفكير في ترك الجمل بما حمل، و»الحريك» إلى أرض الله الواسعة. شتنبر 2007، يُرتقب أن يُصادف منتصفُه أول أيام شهر رمضان، الذي يُنتظر أن يُشكل، بالنسبة لبعض المغاربة، فرصة للتخلي، مؤقتاً، عن «رغوة» المياه الرومية وحمرة «سائل العنب»، ومناسبةً لتذكر أن هناك رُكناً إسلامياً اسمه الصلاة. هكذا، ستتكفل «الحريرة الحامْضة» بتعويض «البيرّة الحْلُوّة»، و«آيات» التراويح بتعويض «شعبي» المراقص والعلب الليلية! من جهتها، وبمناسبة شهر رمضان، ستتذكر التلفزة المغربية، بقناتيها، أن شهر الصيام، هو، أيضاً، شهر الفكاهة والإشهار. وقد جرت العادة، خلال شهور الصوم، أن يتحلق المغاربة، بعد آذان المغرب والصلاة، حول موائد الطعام، فيما أبصارهم مشدودة إلى التلفزة، أمامهم. ورغم أن موعد الإفطار ظل يمثل، بالنسبة للمغاربة، فرصة لحمد الله وشكره على نعمه، فإن «تلفزتهم»، بقناتيها، اختارت، للأسف، وطوال السنوات الماضية، أن تعكر صفو الجلسة الرمضانية، بإصرارها على أن تدفع بوصلات إشهارية، تجمع مسحوق الغسيل ببطائق الهاتف وأنواع الشاي الأخضر والزيوت وألوان السيارات والشقق السكنية والمشروبات الغازية، فاصلاً بين مشهد وآخر، من كل «عمل» فكاهي، لدرجة أن المشاهد لا يعرف، في بعض الأحيان، متى ينتهي الإشهار ومتى تتواصل الفكاهة! ولأنهم ملُّوا أن يتم «الضحك عليهم» واستغفالهم بفكاهة متواضعة حدَّ التفاهة، فقد صار المغاربة يحجزون لهم أمكنة في الفضاء الواسع، تأكيداً لمواعيد وبرامج ومسابقات تقيهم «مرارة» مايقدم لهم على «الأرض»، وهم، في كل ذلك، يعرفون أن «فاقد الشيء لا يعطيه»، وأن «ريحْة الطْياب الزين (أو الخايب) كتْشمْ منْ شعْبان». والواقع أن حكاية الفكاهة المغربية الرمضانية قد انطلقت، منذ سنوات، بضعف واضح، وهو ضعف لم يمنعها من أن تصير موعداً سنوياً، رغم تبرم الكثيرين وحديثهم عن أنها فكاهة تحتاج، أولاً، إلى فكاهة تتفكّه عليها. وقد سبق لأحد المهتمين بواقع الفن ببلادنا أن قال، في ما يشبه الاقتناع، إن «توالي شهور القحط الفني، خلال شهر رمضان، يعني أحد شيئين: إما الرغبة في تعذيب المُشاهد المغلوب على أمره، أو شغله بشتم هذه الأعمال، بدل التفكير في شتم أشياء أخرى». ويبدو أن من أطرف، بل، وربما، من أغرب ما صاحب المستوى الهزيل للفكاهة، التي ظلت «تُمرر علينا»، أن المنتقدين، سواءٌ كانوا مشاهدين عاديين أو إعلاميين أو نقاداً متخصصين، لم يكن أمامهم، مع حلول شهر رمضان، سوى العودة إلى تعليقاتهم وآرائهم ومقالاتهم السابقة مُغيرين اسم «العمل» الفني السابق باسم «العمل» اللاحق، ومستبدلين اسم «نجم» شهر رمضان السابق باسم «نجم» الشهر اللاحق، مع إضافة بعض الشِدّة في النقد، مادامت الأعمال الفنية، على هزالتها وتواضعها، ظلت تزداد هزالة وتواضعاً، ومادام أن الانتقادات والآراء السابقة، التي أبدوها وسودوها، خلال الشهر السابق، لم تتغير في أحكامها أو تُغير من الأمر شيئاً، سوى أنها وجدت الواقع المنتقد يزداد سوءً وضعفاً.