الطرُق في المغرب تحولت إلى حلبات سباق لمن يطحن الركاب أكثر ويعجنهم أحسن "" يبدو أن شهر شتنبر الحالي، في المغرب، في طريقه لأن يكون استثنائياً، بكل المقاييس.فخلاله تدرج المغاربة بين الاهتمام بأخبار انتخاباتهم التشريعية، واسم رئيس وزرائهم، وكواليس تشكيل حكومتهم للسنوات الخمس القادمة، والخوض في "حديث ذو شجون" همَّ أزمة الدقيق والخبز والتهاب أسعار الخضر والفواكه وتواضع فكاهة رمضان ومتطلبات دراسة الأبناء وضحايا حوادث السير. وهكذا، فقد استطاع شهرٌ واحد أن يجمع تبعات "حْريرة" الانتخابات برائحة "حْريرة" رمضان في "وجبة" زمنية واحدة، كما جَمَعَ، في "قفة" تسَوُّق واحدة، دفاتر الأولاد وكتبهم المدرسية بالقطاني والطماطم والتمور التونسية، ثاقباً الجيوب ومغيراً في كثير من العادات، على مستوى الأكل والشرب. وتميز شتنبر، كما هي عادة كل شهور السنة في المغرب، بحوادث سير قاتلة، وهي حوادث اعتادت الحافلات والشاحنات أن تكون بطلتها، بامتياز، حتى اعتاد المغاربة أن يطلقوا عليها وصف "حرب الطرق". وفي المغرب، يبدو أن الحافلات لا تفضل أن تمر "مصائبها" في صمت، وهي تصر على معاندة بعضها، حتى أنها تحصد الأرواح بالجملة، مما أعطى الانطباع بأن الطرق في المغرب قد تحولت إلى ما يشبه حلبات سباق دامية، مقياس المنافسة فيها من يطحن الركاب أكثر ويعجنهم أحسن. وربما لهذا السبب، يقصد المغاربة المحطات الطرقية فيغادرونها بمزاج خاسر ونفسيات مهزوزة وأجساد مهدودة، هذا إذا كتب الله لهم بقية من العمر، الشيء الذي يجعلهم يعطون الانطباع، وهم يقصدون هذه المحطات، بأنهم ذاهبون إلى حربٍ خاسرة، على أمل الفوز بمقعدٍ تافهٍ في حافلةٍ أكثرَ تفاهة. وفي حافلات المغرب، التي تنطلق متأخرة لتصل بك متأخراً عن مواعيدك وأهلك، سيكون عليك، عادة، أن تقتل الوقت، الذي تستغرقه الرحلة، في قراءة الجرائد وتذكّر الأصدقاء ومهاتفتهم أو في فتح أحاديث جانبية مع الجالسين بقربك، في مايشبه التواطؤ على قتل الوقت. وتكاد تكون حافلات المغرب من الحافلات القليلة في العالم التي تخرج عن خط سيرها لكي تعانق السيارات والشاحنات القادمة من الاتجاه المعاكس، أو تخرج عن وقارها، فقط، لكي تطير بركابها في كل الاتجاهات. أحد الظرفاء، علق على توالي المآسي التي تخلفها الحافلات المغربية تحت عجلاتها بدعوة الحكومة المقبلة لأن تمنع الحافلات نهائياً. وهو يرى أنه سيكون من الأفيد والأرحم للمغاربة أن يفكروا جدياً في العودة مجدداً إلى وسائل النقل، التي كانوا يستعملونها في بداية القرن الماضي، قبل ظهور الحافلات ووسائل النقل العصرية. "أليس التأخر في الوصول خير من عدم الوصول، كما تنصح بذلك اللافتات المغروسة على جوانب الطرقات المغربية ؟"، يختم صاحبنا، متسائلاً. وقبل أيام، بدا عادل، الطالب الباحث بكلية العلوم بمراكش، أكثر تأثراً وهو يتحدث عن فداحة مقتل أحد زملائه في حادثة سير أودت بحياة نحو عشرين راكباً، على مقربة من مدينة الراشيدية. وقال، مغالباً حزنه : "لقد كان، رحمه الله، يتهيأ لمناقشة أطروحة الدكتوراه في الرياضيات، وإنه لشيء مؤسف وخسارة كبيرة أن يضيع منا شاب، في مقتبل العمر، بهذه الطريقة المأساوية". ورغم أن موعد الإفطار الرمضاني ظلَّ يمثل، بالنسبة للمغاربة، فرصة لحمد الله وشكره على نعمه، فإن "تلفزتهم"، بقناتيها، اختارت، هذه السنة، ربما وفاءً لتواضعها، أن تواصل مسلسل تعكير صفو جلسات إفطارهم الرمضاني. وقد سبق لأحدهم أن قال إن توالي شهور "القحط" الفني، خلال شهور رمضان، وحتى في باقي شهور السنة، يعني أحد شيئين : إما الرغبة في تعذيب المُشاهد المغلوب على أمره، أو شغله بشتم هذه الأعمال، بدل التفكير في شتم أشياء أخرى، مضيفاً، في مايشبه التفكه على المستوى الهزيل للأعمال الفكاهية التي تقدم في رمضان، أن على المغاربة أن يعزفوا عن التلفزة المغربية، تماماً كما عزفوا عن انتخابات السابع من شتنبر! ولأن شتنبر بدا مُصراً على أن يلون لاستثنائيته بكل التوابل الممكنة، فقد أعطى المغاربة فرصة مشاهدة منتخبهم الوطني لكرة القدم وهو ينهزم، تحت قيادة المدرب الفرنسي هنري ميشال، أمام نظيره الغاني بهدفين دون رد، في مباراة بدا فيها رفاق الشماخ باهتين حدَّ التعب. ويمكن لاستثنائية شهر شتنبر أن تتواصل مع الباقي من أيام رمضان، ولذلك يتمنى جزء كبير من المغاربة أن يتدارك الشهر الكريم الوضع، فيمنحنهم إشارات مُطمئنة في مستقبل مفتوح على الارتقاء بالعمل السياسي والحزبي نحو الأفضل، وتألقٍ رياضي يقترن بالانتصارات، وأعمال فنية جادة وممتعة، وخبز يومي لا يثقب الجيوب، وحافلات لاتعجن الركاب.