تربى في بيت وطني واحتضنه الوطنيون الكبار من أمثال المهدي بنبركة، الفقيه البصري، عبد الرحيم بوعبيد. بيته ظل مفتوحا لشخصيات عالمية، استقبله الخميني وصدام حسين وظل قريبا إلى ياسر عرفات، ساهم -كعدد من المغاربة- في دعم القضية الفلسطينية واجه البوليساريو ودافع عن الوحدة الوطنية، مثَّل الحزب الشيوعي الإيطالي في الشرق الأوسط والعالم العربي عاد إلى المغرب، حمل كل رأسماله وجعل من واد زم ضمن قائمة المدن الشهيدة وجلب لها مشروعا استثماريا ضخما للنهوض ببيئتها واقتصادها، فقط لأنه يحب وطنه للرجل تاريخ حافل وتجربة غنية، مشهور في الخارج أكثر من الداخل عودة الحلبة إلى بلده جاءت بعد أن اقتنع بالأمر وبتدخلات من شخصيات يكن لها احتراما كبيرا، العودة ليست دائما بلا ثمن، فبعد سنوات من استقراره، يتعرض المناضل والوطني أحمد الحلبة لإهانة كبيرة، فجأة يساق الرجل أمام المحاكم والتهمة الاتجار في المخدرات الصلبة: 8 أشهر رهن الاعتقال الاحتياطي، مرت عليه كأنها الدهر .حين يتذكر الأمر يجهش بالبكاء ويعتصره الألم إنه «الظلم والحكرة». برأته محكمة الاستئناف ولكن بعد ما بلغ السيل الزبى لا يعرف أحمد الحلبة بالضبط لمن يوجه الاتهام في ما جرى له ولا من هي الجهة التي حاولت الإساءة إليه. أكيد أن الأمر يحتاج إلى أكثر من تحقيق لمعرفة من هي الجهة أو الجهات التي حاولت المس برجل أعطى لوطنه عائدا ومنفيا يكفي أن الحلبة حرم من رؤية أمه وأبيه وأحد إخوته الذي مات بأحد مستشفيات الأمراض العقلية؛ وذلك للانتقام منه حين كان بالخارج. الآن يطالب الحلبة، بعد هذه المؤامرة التي حيكت ضده، كما اعترف بذلك الشخص الذي جند لهذا الغرض داخل السجن، وزارة العدل بفتح تحقيق في الموضوع لمعرفة الجهات التي كانت وراء هذه المؤامرة وإعادة الاعتبار له ولتاريخه النضالي. «هاجم حوالي 18 فرداً من القوات المساعدة على رأسهم قائد منطقة الشكران وخليفته وكذا بعض عناصر الدرك الملكي الخميس الماضي، منزل الأخ الحلبة، مخلفين بذلك أضراراً جسيمة بالمكان. وقد أدى هذا الهجوم إلى إتلاف 80% من مشروع الأخ أحمد حلبة التجاري والسياحي الذي يوجد عند مدخل مدينة أبي الجعد، كما خلف هذا الهجوم رعباً كبيراً وأسى عميقاً في نفوس العائلة... يتوفر صاحب المشروع الذي كلفه عشرات الملايين على رخصة سلمت له من طرف جماعة تاشرافت، تخول له ممارسة مهنة التجارة.. السلطات تقول إن هذا المشروع يشكل خطراً على الطريق الجهوية رقم 312 عند النقطة الكلمترية 48، الشيء الذي كذبته المديرية الاقليمية للأشغال العمومية بخريبكة...» كانت هذه إحدى الشكايات التي تقدم بها أحمد الحلبة ونشرت بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» بالإضافة إلى شكايات أخرى بجريدة «العلم» و «المنظمة» حول عدد من المشاريع التي كان الحلبة يعتزم القيام بها في دائرة وادي زم العزيزة على قلبه، لكن جهات مجهولة كانت تقف في وجه هذه المشاريع تحت مبررات واهية، فرفض إقامة مشروع سياحي سبقه رفض رئيس دائرة أبي الجعد في سنة 1998 الترخيص بإقامة تعاونية تحمل اسم الكرامة، وهو منع، كما كتبت جريدة «المنظمة» في عددها ل 3 فبراير 1998 «لا يستند على أي أساس قانونى»، هذا المنع المنهجي لمشاريع الحلبة لم يشكل له عائقاً في حياته، بل ظل الحلبة يساهم في عدد من اللقاءات الثقافية واستضافة ضيوفه من كل بقاع العالم، وخاصة المثقفين والشعراء من طينة محمود درويش، أدونيس، جمال الغيطاني، قباني وغيرهم، وكذلك ضيوف من المغرب، وخاصة اتحاد كتاب المغرب الذين يكن له احتراما كبيراً ولمثقفيه... بالإضافة إلى العمل على عقد عدد من اللقاءات الاقتصادية الكبرى من قبل لقاء مراكش وغيره. وفي حدود سنة 2009 تقدم الحلبة لإنجاز مشروع سكني يضم 220 وحدة سكنية رفض من طرف ولاية سطات، وهو ما جعل صاحب المشروع في حالة غضب، حينها أحس وكأنه غير مرغوب فيه كمستثمر يحمل رزمة من المشاريع الإنمائية لفائدة ساكنة المنطقة التي لم يفكر أبداً في مغادرتها إلى منطقة أخرى ولو داخل المغرب، نظراً لما لهذه المنطقة من أثر في نفسه، حيث ولد هناك وترعرع وذاق المعاناة مناضلا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. يحكي الحلبة أن عددا من أصدقائه المقاولين في عدد من الدول العربية عرضوا عليه الاستثمار ببلدانهم مع عدد من التسهيلات المهمة، وهو الأمر الذي ظل يرفضه بقوة حيث اختار المساهمة في جهود التنمية ببلاده. إلى حدود هذه المضايقات، كان الأمر شبه عاد إلى أن أتى يوم سيعيد عقارب ساعة أحمد الحلبة إلى سنوات الرصاص وأيام التعذيب، كانت مفاجأة وصدمة للحلبة وأصدقائه في الداخل والخارج. إذ طرق رجال الدرك منزله البعيد عن المدينة صباحاً وطلبوه للمثول أمام وكيل الملك. حاول الحلبة أن يقنع زواره بأنه ربما هناك خطأ في العنوان أو الإسم، لكن رجال الدرك كانوا متيقنين، فأحمد الحلبة مطلوب في قضية ما، ويجب أن يمثل أمام العدالة. طلب المتهم مهلة لارتداء ملابسه، طمأن عائلته بأن الأمر عاد، وأنه سيعود بعد ساعات. حمل رجال الدرك الملكي الحلبة أمام المحققين، فاتضحت جسامة التهمة والمتمثلة في الاتجار في المخدرات الصلبة «الكوكايين». وتحولت ساعات التحقيق إلى أيام والأيام إلى شهور بلغت ثمانية سجنا. سجن الحلبة في هذه السن وبعد هذا النضال المفتوح في كل بقاع الدنيا يدخله ظلماً مرة أخرى. أمر قاضي التحقيق بحبس الحلبة ولم يقبل بكل الضمانات الشخصية والمالية للرجل، ولأن التهمة الموجهة لأحمد لم تكن سوى بسبب أحد الأشخاص الذي أتى بذكر اسمه أثناء التحقيق معه، ولم يعثر على أي دليل مادي ولو بسيط لإدانة الحلبة. ظل أحمد داخل السجن ثمانية أشهر في انتظار المحاكمة، ويروي كيف أنه شكل مجموعة علاقات خاصة مع بعض المسجونين الذين كانوا يرقون لحاله، خاصة بعدما كان يحدثهم عن ماضيه. ويقول أحمد رغم كل شيء كانت تجربة إنسانية نبيلة، فالسجن ليس دائما سيئا، ففيه يوجد الأبرياء والمدانون، وتختلط المشاعر الإنسانية وتبادل الذكريات. رغم ألم السجن، ظل أحمد يذكر أبناءه وزوجته ومشاريعه المعطلة، يقول «سرت بي عدة كوابيس، كنت أخمن من له مصلحة في المس بكرامتي، هل هي تصفية حسابات قديمة، أم أن الأمر مجرد اعتداء معزول لأهداف رخيصة ومنحطة من قبل أن بعضهم يريد ابتزازي في أموال حصلت عليها بجهدي،يضيف الحلبة ،جميع المبالغ المالية التي بحوزتي أدخلتها بطريقة قانونية عبر أبناك أوربية وبنك المغرب، وبالتالي، فالكل يعرف الأموال التي حصلتها من جهدي الخاص عبر عمل شاق ومتعب. مرت أيام وشهور بالسجن ككوابيس مكررة إلى أن أتى موعد المحاكمة بمحكمة الاستئناف بخريبكة التي أعلنت براءته من المنسوب إليه، ليعانق الحرية من جديد ويلتحق بمسكنه بوادي زم، ليكتشف ما كان لا يعرفه من داخل السجن، فقد اعترف أحد السجناء علناً بأنه طلب منه ذكر اسم الحلبة للإيقاع به، وتحت التهديد، قبل بذلك ووجه التهمة لرجل لا يعرفه في حقيقة الواقع. والحقيقة الثانية هي أن أشخاصا التقوا بزوجته تحت التهديد والوعيد سلبوها مبلغاً مالياً مهماً بواسطة النصب والاحتيال، وهو الأمر الذي لم يستسغه الحلبة، فراسل وسائل الاعلام ومنها جريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي كانت سباقة لفضح هذه المؤامرة ،كما راسل الجهات القضائية المختصة، مطالباً بفتح تحقيق نزيه حول الجهة أو الجهات التي تحاربه وتحاول الإيقاع به، وسط تضامن جمعيات مدنية وحقوقية وعدة شخصيات مرموقة استنكرت ما يجري للرجل دون وجه حق وفي تحد سافر لكل القيم الوطنية والكونية. هذا الاعتداء على الحلبة وصلت أصداؤه الى أصدقائه في الحزب الشيوعي الإيطالي وعدد من البرلمانيين بالاتحاد الأوربي الذين أعلنوا عن تضامنهم معه ومنهم أخ برودي، وأعلنوا للحلبة أنهم مستعدون لرفع دعوى قضائية أمام المحاكم الأوربية وطرح القضية على أنظار الاتحاد الأوربي لما فيها من خرق لحريته وكرامته. لكن الحلبة كان له رأي آخر، إذ يقول «شكرت كل المتضامنين معي من برلمانيين وغيرهم، ولكني ومع ما تعرضت له، لن أعرض بلدي لأية مشاكل، وأن مشاكلنا في المغرب،نحن قادرون على حلها بطرقنا الخاصة وعبر القنوات القانونية والمسطرية، ويضيف الحلبة، أن المغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، اليوم هناك محاكمات عادلة وهناك أجهزة قانونية تعمل على ردع المخالفات، والمهم أنه لم يعد بالمغرب اليوم أشخاص خارج القانون. تمكن الحلبة من إقناع أصدقائه بترك الأمور تحل محلياً وشكرهم بعدما سافر إلى الديار الايطالية، حيث يملك بيتاً فخماً ليقضي فترة نقاهة اعتبرها استراحة محارب، ليعود من جديد إلى المغرب، ويواصل حياته العادية بوادي زم في انتظار الإفراج عن مشاريعه والكشف عن الذين تسببوا في معاناته. والجريدة تنشر مذكرات أحمد الحلبة الذي تحدث لأول مرة عن ماضيه، حلت لجنة تفتيش مركزية من وزارة العدل بخريبكة ومثل أمامها الحلبة الذي استمعت إليه في محضر قانوني، وينتظر أن تستمع لعدد من الأطراف منها على الخصوص الذين أمروا بإيذاعه السجن دون سند قانوني. على هامش تلفيق قضية الاتجار في المخدرات التي سبق وقال فيها القضاء المغربي كلمته، والتي أتت ببراءة قانونية. لكن الضرر النفسي الذي لحق المناضل أحمد الحلبة وأسرته الصغيرة والكبيرة وعموم أصدقائه ربما يحتاج وحده جهداً خاصاً لرد الاعتبار لرجل يشكل جزءاً من الذاكرة الجماعية المغربية ومفخرة لكل الوطنيين والقوميين في المغرب والعالم العربي.