أصدرت آنا كابانا الصحافية في أسبوعية لوبوان، عن منشورات فلاماريون، دراسة عن دو فيلبان بعنوان «VILLEPIN la verticale du fou». وهي من نوعية الدراسات المكتوبة تحت الطلب، والتي يتزاوج فيها التحليل السيكولوجي والمعطى البيوغرافي. «تطلبين مني أن أحدثك عن نفسي، لكن ذلك غير ممكن...». اقتطفت الكاتبة هذا المقطع لتشير إلى أن دومينيك دو فيلبان يتقمص دور رئيس الخلية، الذي يجب أن يحافظ على السر أو الأسرار، مخافة أن يعتقل ويعتقل معه باقي أفراد الخلية. الحرب بين ساركوزي ودومينيك دوفيلبان ليست وليدة اليوم. فمنذ 13 عاما والرجلان، اللذان ينتميان إلى نفس العائلة السياسية الديغولية، يتطاحنان بلا هوادة حول السلطة، وازعهما الحقد المشترك الصريح. من تصريحات نابية، إلى تسريبات سامة إلى فخاخ سرية... كل واحد يرغب في الإجهاز بصدق على الآخر. وعليه فإن قضية كليرستريم ما هي إلا إحدى الحلقات السيزيفية لملحمة طويلة وقودها الضغينة. كانت رغبة الرئيس نيكولا ساركوزي، في يوم عيد ميلاده الخامس والخمسين، المصادف لنطق محكمة باريس للجنايات، أن «يعلق دومينيك دو فيلبان على خطاف جزار»، وهي العبارة التي استعملها في أحد الأيام بحضرة جاك شيراك. غير أن المحكمة برأت ساحته بعد خمسة أسابيع من المداولات والمفاجآت، وأغاظت طبعا نيكولا ساركوزي، الشيء الذي دفع به، من خلال المدعي العام، جان-لوي ماران، إلى المطالبة بالاستئناف، ليحاكم فيلبان من جديد ! في نفس اليوم الذي أعلنت فيه المحكمة عن براءة دومينيك دو فيلبان، أصدرت آنا كابانا الصحافية في أسبوعية لوبوان، عن منشورات فلاماريون، دراسة عن دو فيلبان بعنوان « مجنون العمودية». وهي من نوعية الدراسات المكتوبة تحت الطلب، والتي يتزاوج فيها التحليل السيكولوجي والمعطى البيوغرافي. رجل الأسرار «تطلبين مني أن أحدثك عن نفسي، لكن ذلك غير ممكن...». اقتطفت الكاتبة هذا المقطع لتشير إلى أن دومينيك دو فيلبان يتقمص دور رئيس الخلية، الذي يجب أن يحافظ على السر أو الأسرار، مخافة أن يعتقل ويعتقل معه باقي أفراد الخلية. وبما أنه إنسان غير قادر على السخرية من ذاته ومن الأشياء فإنه ينظر إلى العالم نظرة تراجيدية لأنه نفسه رجل تراجيدي، رجل مسكون بالعظمة والفروسية، بالملحمة النابوليونية وفكر المقاومة. إنسان يزاوج بين الحياة، الأدب، الفن، وينظر لحياته كتحفة فنية. ويخلف هذا التزاوج نوعا من الحيرة لدى الأشخاص الذين يرغبون في التقرب منه. ويعتقد دومينيك دو فيلبان أنه عاش حياة بصيغة الجمع لكونه ولد بالمغرب، وكبر في أمريكا اللاتينية ثم أمريكا الشمالية قبل أن يقضي ثلاث سنوات في الهند. إنه شخص لا يتعب من تأمل هذه التجارب المتعددة التي قادته إلى تكوين فكرة مفادها أن الحياة، كيفما كانت، قبل أن تعاش يجب أولا أن تكون حلما. هنا مكمن قوته المربكة تقول آنا كابانا، وأيضا موطن ضعفه. ما السر إذن في رغبة دو فيلبان في الخلود إلى الصمت؟ هذا لا يعني أنه يكره الكلام أو افتقد غواية الحديث. فالرجل أصدر ما بين 2001 و2009 قرابة 13 كتابا. كتب تغطي ميادين كثيرة: التاريخ، الرواية، الشعر، الدراسات التاريخية والسياسية الخ...،لكن في كل مرة يكتب دو فيلبان وكأنه يريد أن ينصب حيطانا بينه وبين الآخرين. هل يريد أن يخلف الانطباع بأن عالمه الداخلي مثله مثل عالم الشاعر البرتغالي، فيرناندو بيسوا ( وهو شاعره المفضل)، عالم تبقى فيه كلمة الفصل لسيادة الجنون؟ تتساءل الكاتبة. دومينيك دو فيلبان في حاجة إلى الاعتقاد بأن لا أحد قادر على فهمه، وليست له أي رغبة في التخلص من هذه الصورة التي ترافقه منذ سنوات. هل يتعلق الأمر بنوع من «الدلع الثقافي» على حد التعبير بريجيت جيراردان، رئيسة «نادي دومينيك دوفيلبان»؟ ثم هناك الروافد البلاغية المتفخمة التي يستعملها مثل العبارة التي صرح بها عند مدخل المحكمة: «لا زلت حيا». دومينيك دو فيلبان من عينة الأشخاص الذين يعتقدون أن الواقع يجب أن يبقى طي الغموض والضبابية. الحياة في نظره حركة، سيلان وكل اختلاط يكون مناقضا للطبيعة. وقد شعر بالإهانة لا لشيء إلا لمجرد كونه اختلط وجلس إلى جانب عماد لحود وجان لوي جيرغوران في محاكمة كليرستريم. «ثمة أشياء لا يمكن لها أن تتعايش فيما بينها، كما أن هناك مجالات وأشخاصا يجب التفرقة بينهم». وخلال المحاكمة لم يتوجه بالكلمة للمدعين ولو مرة واحدة. الشيء الذي يجعل منه شخصا مميزا ومتميزا عن الآخرين. يخاف دوفيبلان أن يجمع الآخرون شذرات حياته المتفرقة. لذلك لا يتعب من نثرها أو القذف بها بعيدا حتى لا يمسك بها الآخرون. يخاف أن يكون عنه الآخرون فكرة بأنه «وحش». لهذا يركن إلى الغموض، إلى الصمت. دومينيك دو فيلبان هو على شاكلة النرجس، يدعي الحقد على النرجسية والمرايا، لأن هذه الأخيرة هي رديف للبشاعة، لكنه لا يكف عن تأمل نفسه. وعليه يستعد منذ 13 عاما لمنازلة ساركوزي. عرف أن ساركوزي سيكون خصمه اللدود. وخلال هذه السنوات عبد له جاك شيراك و آلان جوبيه، الطريق لخوض هذا الصراع. تعلم من والدته حكمة الصمت. لكن تشير الكاتبة إلى أن دومينيك دو فيلبان إنسان غير صامت، لا يكف عن الكلام. غير أن كلامه لا يعدو كونه غشاء أو غطاء لصيانة صمته، مع العلم أن الصمت في مجال الممارسة السياسية يمكن أن يرتد على صاحبه. دومينيك دو فيلبان الذي له شغف بالتاريخ وبكتبه يتقمص، بل يستنجد ببعض أبطاله لإعطاء شرعية لمعاركه. في هذا الإطار يرى أن فرنسا تحت حكم ساركوزي هي مثل بلد يرزح تحت الاحتلال وأنه وجب تحريرها من هذه الهيمنة. ولتحريرها يجب إذكاء روح المقاومة، التي يتموقع رئيسا لها. ساركوزي والمجانين الآخرون إن كان ساركوزي في نظر دو فيلبان يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل المؤسسات وعلى فرنسا عموما، وبأنه بنى نظاما عشائريا يتنافى والمبادئ الديمقراطية، وبأنه شخص يقدم مصلحته على مصلحة الأمة الخ...فإن ساركوزي له تصور خاص عن دومينيك دو فيلبان، إذ يقول، وهو قدح بغاية التشويه «إنه شخص مجنون، إنسان فصامي، وبأن جزأه الأول لا يعرف ما يفعله جزؤه الثاني». يتلذذ ساركوزي في عرض هذه الفكرة أمام محاوريه وحوارييه. وينتظر منهم إما مشاطرته هذه الفكرة وإما الصمت. وتتساءل آنا كابانا: أليس هذا توصيفا تبسيطيا؟ على أي، تضيف الكاتبة، فإن أي شخص يشتم فيه ساركوزي رائحة المقاومة وليس الاتفاق مع آرائه يتهمه بالجنون. يرد دو فيلبان بأن الشغل الشاغل لساركوزي هو قياس درجة حرارة الرأي العام عبر استفتاءات جوفاء، وليس من خلال الاحتكاك المباشر بالشعب. على هدي ساركوزي كررت العديد من الشخصيات السياسية نفس الفكرة القائلة ب«جنون» دوفيلبان. فرئيس البرلمان، بيرنار آكواييه، المقرب من ساركوزي، أشار إلى أن دو فيلبان «إنسان مختل عقليا». أما دومينيك بيربان، الذي تقلد مهام وزير الداخلية في رئاسة فاليري جيسكار ديستان فنعته بأنه «شخص مزاجي». رجل العزلة والأعالي بعد أن تسلق السلالم، وجد دومينيك دو فيلبان نفسه، ولوحده في الأعالي. وهو يفضل هذه العزلة. لكنه يتقاسم مع عائلته السياسية الديغولية الشغف بالشخصيات العظمى. و هو أحد السياسيين القلائل الذين يحملون هذا الشغف محمل الجد. وفي الكلمة التي ألقاها يوم افتتاح محاكمة كليرستريم نعثر على النبرة الملحمية التي ينهلها دو فيلبان من نماذج التاريخ وأبطاله: « أنا هنا بإرادة رجل. أنا هنا بسبب العناد الحاقد لرجل، نيكولا ساركوزي، الذي هو أيضا رئيس الجمهورية». هكذا يتألق دومينيك دوفيلبان في أزمنة الأزمة. إنه رجل ذكي. لكنه يتيه ما أن يخوض في الملاحم الكبرى للتاريخ. وعليه يملك ضريحا تنتصب فيه قامات شخصيات تاريخية وأبطال مثل الجنرال فوش، جان دارك، الجنرال تورين، وطبعا نابليون، دون الحديث عن أبطال الأدب والشعر، رونيه شار، فيرناندو بيسوا، راينر ماريا ريلكه الخ...ولهذا فدومينيك دو فيلبان ليس برجل سياسة مثل الآخرين. لكن هل هو رجل سياسة وحسب؟ الجواب يقدمه دو فيلبان نفسه: « لم أعتبر نفسي يوما رجل سياسة. أنا خادم للدولة من نوع خاص. كنت وزيرا قبل أن أصبح وزيرا أول...». بقدر ما هو شغوف بالسلطة، يظل مبتعدا عن السياسة. وقد عبر عن ذلك بقوله: « لا أظن أن السياسة بقادرة على إنقاذنا من أنفسنا». يبقى السؤال: هل سيرشح دوفيلبان نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة؟ تختلف الأجوبة من فريق إلى آخر. الاشتراكي مالك بوطيح يرى أن دومينيك دو فيلبان انتهى سياسيا يوم تخلى عن ترشيحه للرئاسة سنة 2006. أما برينو لومير المقرب منه فيعتقد أن «السياسة تبقى همه الأخير لأنه متعلق وبشكل جذري بحريته». وتتساءل الكاتبة: ماذا لو ترسخت لديه القناعة بأن السياسة تبقى السبيل الوحيد لتحقيق مصيره؟ منذ سنوات وهو يقوم بخطوة إلى الأمام وبخطوتين إلى الوراء. منذ سنوات وهو ضائع في دروب الفن، الآداب، التاريخ، الديبلوماسية والكلام. لكنه يرغب اليوم في العودة، بل الخوض في أمور السياسة. بعد محاكمة كليرستريم أصبح على قناعة بأن مصيره يوجد في قلب السياسة. وقد كان بحاجة إلى مثل هذه الإشارة. كما أن «تكالب» نيكولا ساركوزي أزال جميع الشكوك في هذا الاتجاه. «فتح لي ساركوزي الطريق، مد لي يده، ويكفي أن أتبع الطريق التي رسمها». يتحدث إذن عن هذه المحاكمة وكأنها نداء قدري. كل العلامات تقوده وترشده إلى متابعة الطريق. حقد ساركوزي أصبح بمثابة مهماز أطلق عزيمة دو فيلبان. بفضل محاكمة كليرستريم، بسبب الأسابيع الخمسة التي قضاها جالسا على كرسي أسود من البلاستيك، وينظر إليه القضاة من فوق، هو الذي كان وزيرا أول، تأكدت لديه القناعة بأن ساعته حانت لإلحاق الهزيمة بنيكولا ساركوزي، أي ممارسة السياسة هذه المرة تبعا لقواعد احترافية وبمستوى رفيع. ولكي يصبح رئيسا ويهزم ساركوزي، يجب أن يكون هذه المرة على درجة «معقولة من الجنون». وتستشهد الكاتبة بما قاله آلان جوبيه مرة عن نفسه: «لم أكن مجنونا بما فيه الكفاية لكي أتقدم إلى الانتخابات الرئاسية». على المرء أن يكون مصابا بالعمى الشخصي ودومينيك دو فيلبان يمتلك هذه النفحة من الجنون. وبعد أول اجتماع له بأعضاء النادي الذي يحمل اسمه تأكد له ذلك. وتبقى هناك مجموعة أسئلة هي: هل دومينيك دو فيلبان قادر على إقناع الفرنسيين وإقناع الذين وضعوا ثقتهم فيه؟ هل يملك الاستعداد الكافي للمغامرة السياسية؟ أمامه الكثير من العقبات ومن الجهد، فخوض غمار السياسة يتطلب أسلحة من عيارات جديدة. لا تقف من وراء دومينيك دو فيلبان منظمة قوية، علاوة على أنه يفتقر إلى البنية التنظيمية والتوجيهية القادرة على تشكيل «الآلة الحربية» لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، ثم هناك مشكل الدعم المادي (أبناك، مؤسسات، الخ..)، الذي يفتقر إليه دو فيلبان. يعرف دو فيلبان ذلك جيدا. «علي أن أتعلم الكثير.لا أملك خبرة فرانسوا بايرو أو سيغولين رويال، لكنني على استعداد لتخطي مثل هذه المشاكل والعقبات». سبق الحديث عن المنحى التراجيدي الذي يدمغ شخصية دو فيلبان. وأحد الأسباب الرئيسية هي وفاة أخيه الأكبر إيريك. لا يزال دومينيك يحمل في دواخله ذكرى هذا الأخ. إذ كان هو في السابعة وإيريك في التاسعة، وذات يوم سقط هذا الأخير مباشرة بعد الصلاة في كنيسة كاراكاس في فينزويلا، على إثر نوبة داء النقطة. كان دومينيك يستيقظ ليلا للاستماع إلى أنفاس أخيه. و قد أناطت به العائلة مسؤولية التكلف بالأخ. ولتحمل هذه المسؤولية كان عليه محاربة خجله، وقد كان يصارع المرض نيابة عن أخيه. لامس دومينيك وهو في سن السابعة «العقاب من دون مجرم». هل أحس دومينيك بالذنب تجاه أخيه الأكبر؟ هل أحس أن الأخ الأكبر سرق منه مكانه؟ لما توفي إيريك، وهو في سن الثامنة عشرة، كتب دومينيك دو فيلبان مرثية مثيرة بعنوان : «حق البكرية». وتتساءل الكاتبة: هل الأخ الأكبر هو الصنو الذي لا يزال يسكنه؟ لا خوف من ساركوزي إن كان ساركوزي يخيف البعض، بل الكثير من السياسيين، فإن دومينيك دو فيلبان يبقى أحد المقاومين لبطشه المخيف. وقد سبق لآلان جوبيه أن صرح أن « ساركوزي شخص مخيف. إنه قاتل، و لن أترشح إذا ما قدم ساركوزي نفسه للانتخابات». دومينيك دو فيلبان يقف على النقيض من هذا الموقف، لا يهاب سلوكه العنيف لأنه يعارض هذا السلوك بسلوك آخر. يتحدث دو فيلبان إلى الناس، وعليه لا ينتابه بالمرة أي شعور بالخوف. إن كان ساركوزي رجلا غرائزيا، فإن دومينيك دوفيلبان يتحرك على قاعدة تتجاوز جميع القواعد: «على المرء ألا يشعر بالخوف». أصل الخلاف بين الرجلين نشب أول صراع بين الرجلين لما كان ساركوزي وزيرا للمالية في حكومة بالادور، ودومينيك دو فيلبان مدير ديوان آلان جوبيه، وزير الخارجية آنذاك. اتهم دومينيك دو فيلبان ساركوزي بممارسة رقابة مالية على والده، غزافييه دو فيلبان. وجاء رد ساركوزي عنيفا على هذا الاتهام. وهكذا استمرت العلاقة بينهما بين الشد والجذب إلى أن اكتشف ساركوزي في الرابع من فبراير 2003 خصما بوزن حقيقي، غداة الخطاب الذي ألقاه دومينيك دو فيلبان في الأممالمتحدة، والذي شدد فيه على استقلالية فرنسا تجاه السياسة الأمريكية في حربها العشواء والعمياء في العراق. قربه هذا الخطاب من الرئيس شيراك، كما وفر له مناسبة انتقاد النزعة الأطلسية لساركوزي الذي سبق أن قال عنه إنه «مستهلك لكوكاكولا، ومحافظ جديد على الطريقة الأمريكية...». وتواصلت المناوشات المكشوفة والسرية. وهكذا أحكم الحقد عقدته على نفسية الرجلين إلى أن انفضحت قضية كليرستريم التي تهم لائحة شخصيات وازنة في عالم السياسة والأعمال تخبئ حسابات بنكية سرية في بعض الأبناك الأوروبية على إثر صفقات أسلحة. في القائمة ورد اسم ساركوزي، الذي سارع في مرحلة أولى إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الرئيس شيراك بتسريب اللوائح ، قبل أن يوجه شكوكه في اتجاه دومينيك دو فيلبان. أقسم ساركوزي أمام شيراك أنه سيعلق «المذنب» على خطاف جزار. وتمكنت البارانويا، وقود الإشاعة والإعلام، من الرجلين. في مرحلة أولى نجح ساركوزي في تقمص دور الضحية، و ركب على هذه القضية التي ساعدته على الوصول إلى الإيليزيه. سمح له هذا الوضع بالانتقام من عدوه الحميمي. تأتي الكاتبة على ذكر الفخ الذي نصبه ساركوزي لدومينيك دو فيلبان غداة موت الشاعر محمود درويش. إذ طلب منه أن يمثله في حفل التأبين، وما أن قبل دو فيلبان بالاقتراح، لأنه كتب عن درويش وكان يكن له التقدير، حتى أرخى ساركوزي العنان أمام حاشيته للملاحظة التالية: «إن قبوله اقتراحي هو الدليل على أن دوفيلبان يقبل المهانة وبأنه لم ينتبه إلى المصيدة. إنه رجل متعطش إلى السلطة.» لا يكترث دوفيلبان بهذا النوع من التصابي، ومعارضته لساركوزي تهم أسلوب الحكم، وتوجه فرنسا السياسي. وهذا ما يفسر خوضه غمار الصراع، ولربما غمار الانتخابات الرئاسية القادمة. إن كان منسجما مع نفسه، تقول آنا كابانا، فعليه الترشح لخوض هذه الانتخابات، عليه رفض اقتراحات المصالحة التي قد يعرضها ساركوزي، بتعيينه مثلا وزيرا أول. المهم، اتخذ دومينيك دو فيلبان قرارا بخوض غمار السياسة. هل ذلك يعني تخليه عن كتابة الشعر، تخليه عن التوفيق بين الشعر والسياسة لممارسة سياسة تقوم على قواعد جديدة ومغايرة، في الوقت الذي ضاعف فيها النادي الذي يحمل اسمه عدد المنخرطين وفي الوقت الذي ينتظر فيه العديد من الفرنسيين «دخوله» الرسمي رحاب السياسة؟ ذاك هو السؤال.