قال عبد الكبير الخطيبي لعزرائيل لمّا أقبل عليه فجرا : - من أنت ؟ ماذا تريد ؟ أجابه : - أنا ملاك الموت. ها قد وجدتك أخيراً. لطالما راوغتني. الآن دقّت ساعتك ... - كيف يمكن لك أن تدّعي أنك وجدتني و أنا لم أجد بعد نفسي ؟ - ...! - لستُ واحداً ... أنا متعدد : فيّ الروائي و الشاعر و المسرحي و عالم الاجتماع و المحلل السياسي و الباحث السيميولوجي ... كما فيّ المذكر و المؤنث، و فيّ العربيّ والبربريّ، و فيّ الطاويّ و المعتزليّ و السهرورديّ و البوذيّ و الحلاّج و أورفيوس و فاوست و الشرقيّ و الغربيّ و سواهم ممّن أفترض أنك تعرفهم. فأنا أجهر بعقيدة «عكرة» لا مركز لها. هي نسيج من الآثار مختلفة الآفاق. فأيّ واحد من أناي المتعددة هذه تريد أن تقبض روحه ؟ - ... ! - ما زالت لديّ على الأرض بعض المعادلات الشخصية التي تستحثني على أن أفكّها، بل و بعض المعضلات العالقة التي يهمني كثيراً أن أجيل فيها فكري بعمق أكثر، من قبيل اليتم و الخواء والشطح والعشق والصحراء والأصل و الفرع و المعنى و النسيان والتلاسن و السديم و استحالة الترجمة والخنثوية والخِلاسية والمرآة والسيمولاكر... لتمهلني إذن قليلاً... - ها أنت الآن تعطيني أوامر ! - اسمعني ... كما أنّ لك مهمّة، فإنّني أيضاً محمّل برسالة خاصة في الدنيا، وأظن أنك تعرف هذا جيداً. فأنّى لك أن تقول إن ساعتي قد دقّت، خاصة وأنني لم أبلّغ بعد رسالتي كاملة؟ - بالله عليك، قل لي : أيّ سرّ فيك ؟ هنا هَمَّ الخطيبي بابتسامةِ سخريةٍ، ثم صمت قائلا ًفي نفسه : :« عجباً ! كيف يسألني عن سرّي وهو ملاك من السماء ؟ المفروض أن يكون عارفاً بنفسه، لا بسواه، من أنا !». ثم أسبل عينيه الصغيرتين الكابيتين، مقتنعاً بلا جدوى مواصلة المحاجّة، و غرق في غَشية ثقيلة عميقة هجمت فجأة على قلبه الهشيش الرهيف، معطلة كافة حواسّه. * * * هذا ما لم يتكلم به الخطيبي وهو مشرف على الموت. أو لِنَقُلْ إنه قاله في لا مقوله. أما ما قاله فعلاً، سواء أكان بلسانه أم بألسنة سرّاده في نصوصه، فهو من الغنى و الغزارة بحيث يتعذر علىّ استنفاده في هذه النبذة التي أردتها تعريفية مكثفة، تقرّب القارئ المعرّب من بعض جوانب الفكر الخطيبي. و تضمّ شذرات دالّة اخترتُها و ترجمتُها من بعض كتبه. و هي مذيّلة برقمين، أحدهما يمينا يحيل على المصدر، و الآخر يسارا يشير إلى الصفحة . و الكتب هي : 1. «La Mémoire tatouée» («الذاكرة الموشومة»)، رواية سير ذاتية، باريس، منشورات دونويل، 1971. 2. «Le Livre du sang» (« كتاب الدم»)، رواية، باريس، منشورات جاليمار، 1979. 3. «Amour bilingue» («عشق ذولسانين»)، رواية، باريس، منشورات فاطا مورجانا، 1983. 4. «Un Eté à stockholm» («صيف في ستوكهولم»)، رواية، باريس، منشورات فلاماريون، 1990. 5. « Le Lutteur de classe à la manière tao?ste» («المصارع الطبقي على الطريقة الطاوية»)، شعر، باريس، منشورت سندباد، 1976. و تسليطا لمزيد من الضوء على هذا الفكر الأصيل ، أحببت أن أترجم كذلك ما قاله Roland Barthes عن الخطيبي (و قد كانت بينهما صداقة و مراسلات) في نص لا يعرفه عموم القرّاء ، بعنوان معبّر هو :» Ce que je dois à khatibi» و هو منشور في مجلة «Pro ?culture» (عدد خاص بالخطيبي)، الرباط، العدد 12، 1978.