«جاء المقدم وعنفه وضربه قبل أن يطرده قبل يومين من هذا المكان»، هكذا أجابنا جيران الشجرة التي كانت تؤوي فوق أغصانها زايد أوميمون، الرجل الذي يبلغ من العمر 67 سنة، «بدل أن يفكروا في إيجاد مأوى يقيه من القرّ قاموا بطرده من هذا المأوى الطبيعي». هكذا انتهت قصة مسكن مؤقت لزايد أوميمون، الرجل الذي تعودّ سكان حي كاسطور بمدينة بني ملال على رؤيته مساء كل يوم يصعد جذع شجرة بشكل أفقي يرتفع أزيد من أربعة أمتار بملتقى شارعي العيون وبغداد، قبل أن يغط في نوم عميق بعد يوم مضنٍ من البحث عن لقمة يسد بها رمقه. يحكي زايد أوميمون، وهو شيخ ينحدر من قبيلة آيت حنيني بإقليم خنيفرة، حكايته المؤلمة ل«المساء» قائلا: «قدمت إلى بني ملال بعدما طردني أبنائي وزوجتي، وكانت أغصان الشجرة أرحم من أبنائي وزوجتي التي تنكرت لعلاقتنا التي امتدت لعقود طويلة». ويؤكد جيران زايد أوميمون، الذي لا يتكلم إلا الأمازيغية، أنه يرفض أن يتلقى منهم أي مساعدة، من قبيل منحه أغطية أو أفرشة، لأنه يرى أن «تنكر أبنائي وزوجتي لي يجعلني لا أقبل المساعدة من أحد، ولا أريد أن أكون محط شفقة أو عطف». زايد أوميمون، الذي قضى فوق غصن الشجرة أزيد من سنة قبل أن يطرده مقدم الحي بعدما ذكرت قصّتَه عدةُ جرائد محلية، يكتفي بجلباب يلتحفه ويغطي به رأسه قبل أن يستسلم لنوم عميق بعدما يكون قضى يومه في التجوال بين شوارع بني ملال، «أقضي اليوم بكامله في المشي ولا أعود إلى الشجرة إلا مساء حين أكون تعبت من التجوال لكي أستغرق في النوم بمجرد الإيواء إلى مضجعي ولا أبيت مشغول البال بمصيري وما لقيته من عقوق الأبناء وهجران الزوجة وطردهم لي من بيتي الذي بنيته بعرق جبيني»، يقول زايد أوميمون الذي يرفض الإفضاء بتفاصيل أكثر عن حياته. «لقد التجأت إلى أغصان الشجرة لأني وجدت فيها الأمان من الشارع، فقد كان الصبيان يرمونني بالحجارة وأنا أفترش الأرض، لكن مع هذا الارتفاع أنا في مأمن منهم وأيضا من السيول في الشتاء، ومن الحشرات السامة والكلاب الضالة في الصيف». زايد يفترش قطعا من الورق المقوى «الكارطون» بشكل غريب يفاجئ كل من مر بجانبه، وما ظل يبعث على المفاجأة أكثر هو قدرته على التأقلم والمبيت فوق علو يبلغ أكثر من أربعة أمتار دون أن يسقط بعد أن يستسلم للنوم.