كنت أمني النفس أن تنتهي مباراة الأحد الماضي بين الغريمين الوداد والرجاء بنتيجة التعادل، لأني كنت أعتقد خاطئة أن التعادل يجنب الدارالبيضاء مآسي ما يقع عادة بعد الديربي بسبب ما يقترفه مشجعو الفريق الخاسر من جرائم في حق المواطنين وممتلكاتهم. لكن ما حدث يوم الأحد كشف لي أني كنت ساذجة، وأن حساباتي كانت خاطئة. إذ بمجرد ما أعلن الحكم نهاية المباراة حتى بدأت حفلة الشغب و«التهراس» في مدرجات ملعب محمد الخامس، وكأن تلك الجماهير لم تأت لمشاهدة مباراة في كرة القدم، وإنما كان همهما الرئيس هو إحداث الفوضى والضرر بمنشآت الملعب، والاعتداء على المواطنين ورجال الشرطة. لماذا كل هذا العنف السلبي؟ ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي من صور وفيديوهات حول ما حدث بعد الديربي من عنف وفوضى، يكشف أن هناك اختلالا كبيرا في علاقة المواطن بالمواطن، وعلاقة المواطن بالفضاء العمومي، وبرجل الأمن أيضا. ما وقع في الدارالبيضاء عقب الديربي الأخير وما صار يحدث من عنف في حياتنا اليومية ومن تدمير لممتلكات الفضاء العمومي بشكل مجاني وعدواني أيضا لا يمكن السكوت عنه لأنه ينذر بالكارثة مستقبلا، إذا لم يتم التفكير بشكل جدي وعميق في مسببات هذه العدوانية وهذا العنف السلبي، اللذين صارا متفشيين في المجتمع المغربي، وخصوصا في المدن الكبرى مثل الدارالبيضاء. وأخطر ما يثير في هذا العنف أنه صار موجها أيضا إلى رجل الأمن، الذي من المفترض فيه أن يكون هو المسؤول عن استباب الأمن، فيكون هو أحد ضحايا غياب هذا الأمن. إذ ماذا يعني مهاجمة سيارة للأمن ومطاردتها بالحجارة والاعتداء على شرطي حتى كاد يلفظ أنفاسه؟ هذا يعكس بشكل واضح أننا صرنا نعيش حالة تردي أمني، لم يعد المواطن البسيط وحده ضحيته، وإنما صار رجل الأمن هو الآخر ضحيته. وهنا لا يمكن أن تكون المقاربة الأمنية وحدها المدخل الوحيد لمعالجة هذا العنف السلبي الذي صرنا نعيشه في المجتمع المغربي لأن الإشكال عميق ومركب ويتجاوز أي طرح أمني، كيفما كان نوعه. حين زرت دبي لم أر ولو شرطيا واحدا يتجول في شوارع المدينة، ومع ذلك لم أسمع صوتا لامرأة تستغيث من لص سرقها أو رجل تحرش بها، ولم أر أي فوضى سببها رجل «مفرعن». أذكر أني رأيت شرطي واحدا أو اثنين فقط في المطار بزيهما الرسمي، وماعداهما لم ألاحظ أي شرطي يرابض عند إشارة مرور أو يتجول في الشوارع، ومع ذلك لا سرقة ولا اعتداءات. بالعكس كانت المدينة تسير بانتظام وبهدوء تام. في تلك اللحظات التي كنت أتجول فيها بين شوارع دبي كنت أتمنى أن تكون «كازا» وبقية المدن المغربية مثل هذه المدينة، على الأقل في الجانب الأمني. أورد هذه المقارنة فقط لأبين أن المجتمع المغربي صار يعيش أزمة حقيقية ليس في أمنه فقط، وإنما في تصوره لمفهوم المواطنة، وفي علاقة المواطن بغيره وبفضائه العمومي. وإذا استمرت الأمور بهذا الشكل قد نتحول نحن أيضا في القريب العاجل إلى صورة مطابقة لبلدان أمريكا اللاتينية لأنه «ماصْعيبة غير البدْية».