ودعنا قبل أيام سنة أخرى بإنجازاتها وإخفاقاتها، وبأفراحها وأتراحها، سنة كانت مفصلية بكل المقاييس، لأنها، من جهة، شكلت العام الثاني من عمر حكومة أنتجتها «منهجية ديمقراطية» ناقصة يتجرع المغاربة مرارتها ويدفعون ضريبتها رغم أنهم لم يشاركوا فيها ولم يتفاعلوا مع مقتضياتها. ومن جهة ثانية، تزامنت هذه السنة مع مرور عقد على حكم محمد السادس، وهي المناسبة التي أسالت مدادا كثيرا حول حصيلتها وآفاقها وإكراهاتها... ومن جهة ثالثة، شكلت هذه السنة إنذارا أخيرا للمشرفين على مجموعة من البرامج الذين قدموا وعودا وربطوها بسنة 2010 (10 ملايين سائح، القضاء على مدن الصفيح،...)، ولذلك فهذه السنة بمثابة جرس إنذار بدنو ساعة تقديم الحساب. وهكذا، فانتهاء هذه السنة مناسبة لمساءلة ما أنجز وما لم ينجز، وأسباب ذلك، وانعكاساته على ما يليه. وحتى لا نتيه وسط ركام من الأحداث والوقائع، اخترنا التوقف عند خلاصات أساسية يمكن أن تشكل منطلقات ومقدمات لما نستقبله من تحديات وإكراهات، ولنفتح إشراقة أمل على المستقبل وبصيصا من النور يخرجنا من هذا النفق المظلم، ولنختم سلسلة مقالات هذه السنة، التي استفرغنا فيها الجهد لرصد واستقراء أحداث السنة، بأمنية تراود كل المغاربة الذين يتمنون العيش في مغرب أفضل. ولا شك أنهم يستحقون ذلك. في ما يخص التقييم العام، نجزم بأن المغرب ختم هذه السنة بحصيلة سلبية يؤكدها ترتيبه السيئ في مجالات حيوية واستراتيجية نتيجة سياسات عمومية عجزت عن التأقلم مع تحولات المحيط ومواكبة حاجيات المجتمع والإجابة عن تساؤلاته وإشباع حاجياته، ونتيجة تدبير سيئ لبعض من هذه السياسات التي لا يمكن الجدال في نجاعتها. على هذا المستوى، كانت خلاصة هذه السنة أن مشكلة المغرب تكمن في نظام التدبير المفتقر إلى الحكامة الرشيدة، وفي الأشخاص الذين لا تراعى في اختيارهم الكفاءة والقوة والأمانة. وعن هذا ترتبت اختلالات كثيرة، منها أن المسؤولين يحلون مشكلا بمشكل أكثر تعقيدا، أو بعبارة أدق أنهم قد يحسنون وصف المشكل ولكنهم يسيئون تشخيصه ووصف الحل المناسب له. وخير مثال على ذلك وصفة حزب الأصالة والمعاصرة، الذي سطع نجمه هذه السنة، وكأنها العلاج الشافي للمشهد الحزبي المريض. وقد اكتشفنا في هذه السنة أن هذا الحزب لم يقدم إضافة نوعية، وأنه استنسخ تجارب فاشلة سبقته، وبطريقة مشوهة وتقليدية أحيانا. هذا مثال فقط. كما بينت هذه السنة عدم قدرة المسؤولين على تدبير الأزمات والمخاطر، أو، بعبارة أدق، عدم توفر العديد من دوائر القرار على ما يعرف ب«المطبخ السياسي» الذي تقلب فيه كل السيناريوهات بعد دراسات معمقة، وتعالج فيه كل قضية من زوايا مختلفة ومتكاملة دون نسيان تكلفة كل سيناريو ونتائجه. وقضية أميناتو حيدر مثال على ذلك، فقد أثبتت هذه الواقعة أن مسؤولينا يتخذون القرار ثم يبحثون عن كيفية تسويقه والإقناع به. يعملون المعادلةَ بالمقلوب !!! من جهة أخرى، كشفت هذه السنة نقصا كبيرا في الشفافية وسوء تواصل مع الرأي العام وفشلا في تسويق بعض المنجزات وسوء تفاعل مع بعض المستجدات، والأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على المغرب خير مثال، فقد حصل ارتباك في التعاطي معها بدءا بتصريحات تنفي أي تأثر بتداعياتها وانتهاء بالاعتراف بالضرر الذي لحق العديد من القطاعات الحيوية. وبينت سنة 2009 سوء تقدير المسؤولين لتبعات بعض القرارات التي يتخذونها بطريقة غضبية وانفعالية وبدون النظر في مآلاتها، وخير مثال على ذلك محاكمات الصحافيين والمدونين وسياسة القبضة الحديدية في التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية ومع الحركة الإسلامية وخاصة العدل والإحسان. لقد أبرزت هذه السنة أن العديد من صناع القرار ما زالوا في حاجة إلى نضج كبير لاتخاذ قرارات مصيرية يمكن أن ترهن تداعياتها مستقبل بلد بأكملها. وبينت هذه السنة ضعف التفاعل مع العديد من الأوراش الأساسية، حيث تفصل آجال زمنية متباعدة بين التفكير في قضية والشروع في العمل بها، وهناك أمثلة كثيرة عن أوراش ما زالت معطلة لأسباب يصعب تفهمها، ومنها إصلاح القضاء والجهوية الموسعة واللامركزية وميثاق اللاتمركز وتخليق الحياة العامة. على هذا المستوى، كشفت هذه السنة هوة سحيقة بين الخطاب والفعل. ولم نسمع عن فتح تحقيق لمعرفة سبب ذلك!!! وبينت هذه السنة فشل المسؤولين في استثمار بعض الملفات التي من شأنها أن تقوي موقع المغرب التفاوضي مع محيطه، وخير مثال على ذلك عدم استثمار مبادرة الحكم الذاتي، سواء في تسويقها أو إقناع الصحراويين بجدواها أو تقديم ضمانات بحسن تطبيقها. ولا شك أن الدبلوماسية تتحمل مسؤولية كبيرة على هذا المستوى، وربما كانت سنة 2009 سنة فاضحة للأداء الضعيف والمخجل لهذه الدبلوماسية. ولأنها كانت سنة انتخابات جماعية ومهنية، فقد كشفت حقيقة المعضلة الانتخابية ببلادنا وفشلنا الدائم في تنظيم انتخابات نزيهة وتنافسية وبمشاركة واسعة، كما كشفت سنة 2009 أن الانتخابات تعطل كل شيء، ونظرة بسيطة على حصيلة الإنتاج التشريعي خلال هذه السنة خير مثال. والسبب انشغال النواب والوزراء بالانتخابات وعدم استعدادهم للمخاطرة. ومرة أخرى، فضحت هذه السنة غياب ثقافة المحاسبة رغم كثرة مظاهر التقصير والاختلال التي لا يرافقها فتح تحقيق وتقديم المقصرين إلى المحاكمة لنيل العقاب الذي يستحقونه حتى يكونوا عبرة لغيرهم. وبينت سنة 2009 أن المغرب الاجتماعي على فوهة بركان بسبب تداعيات أحداث سيدي إيفني وتغجيجت وتدهور الخدمات العمومية وارتفاع الأسعار وجمود الأجور وتزايد الهوة بين مختلف فئات المجتمع. وفضحت هذه السنة، بالمقابل، ظاهرةَ الامتيازات والمحسوبية وتحكم عائلات محدودة في خيرات البلاد وثرواتها والمناصب الحساسة فيها، كما كشفت هذه السنة أن نظام الدعم يستفيد منه غير المعنيين به، ولا يساهم إلا في إغناء الغني وإفقار الفقير. لا شك أن هذه الحصيلة قادت المغاربة إلى حالة قلق وعدم رضى، وجعلت البلاد في حالة مخاض لا يمكن التكهن بنتيجتها ووجهتها، مما يجعلنا ندخل سنة 2010 بدون تسوية حساب 2009، وسندخلها بإحباط وإرث ثقيل. ولن نربح رهان السنة الجديدة إلا بمراجعات جذرية وسياسات مغايرة وتدبير مختلف وجرعات أمل زائدة. فهل بإمكاننا ذلك؟ نعم.. يمكن.. ولكن..