مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر: تعديلات دستورية أم ترميمات سياسية؟
الرئيس بوتفليقة يشهر ورقة التعديلات الدستورية من جديد
نشر في المساء يوم 22 - 12 - 2015

عندما استدعى الرئيس الجزائري مقربيه في لقاء مغلق ليلة الاثنين 14 دجنبر من أجل بعث الروح في المشروع القديم_الجديد الخاص بالتعديلات الدستورية المرتقبة، كانت ردة فعل الشارع الجزائري نخبة وأطرا ومعارضة وحتى من هم قريبون من بيت السلطة، الكل كان لسان حاله بأن ما جرى ويجري يمكن وصفه بأنه اللا حدث! فالأشياء لن تتغير على الإطلاق، في خارطة سياسية جزائرية سمتها الأساسية الركود والجمود وغياب الفعل والمبادرة، والانقطاع التام عن الشارع ونبضه وهمومه الاجتماعية والمعيشية بالأساس، لأن الشعب الجزائري وعقب العشرية السوداء وسنوات الإرهاب الأعمى، قد طلق طلاقا بائنا بينونة كبرى لا رجعة فيها فعل ساس يسوس ومشتقاته، وعلى رأسها منتوج «الديمقراطية»؛ التي تحولت إلى كابوس أحمر.
لذا، فالتعديل الدستوري وجوده كعدمه! وربما لو حدث التعديل الدستوري كما وعد الرئيس بوتفليقة عام 2011 حين كان لهيب الربيع العربي يترنح على بوابات الجزائر شرقا وحتى غربا، ويوم كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يقوى على الكلام وبعض الحركة، كان من الممكن تعليق بعض الآمال المحدودة، وكان من الممكن محاولة جر انتباه المواطن الجزائري للساحة السياسية. أما وقد انتهى موسم الربيع بنتائجه المتباينة شرقا وغربا، بل وبعد تحوله إلى نكسة ارتدادية، ومولود هجين لا هو بالربيع ولا هو بالخريف! فإن كل هذه العوامل وغيرها تدفع بالعزلة الشعبية لقادة قصر المرادية عن الشارع. سواء كان ترميم سياسي أو تعديل دستوري، طالما دار لقمان الجزائري بقيت على حالها، إن لم تتدهور نحو الأسوأ! صحيح أن التوقيت ليس بالبريء، لأن كل المؤشرات تدل على انطلاقة عمليات إعادة ترتيب بيت الحكم وآل بوتفليقة الداخلي تحديدا، عبر عدد من الإجراءات والإقالات لا سيما التي شنت ضد مؤسسة الجنرالات، خاصة على مستوى أعلى هرم الاستخبارات العسكرية DRS، والذي كان على مدار السنين الذراع الأيمن لأي مغامر تواق لتسلق الحكم واعتلاء كرسي قصر المرادية.
لتعديلات الدستورية تدخل عامها الخامس من الترقب والانتظار!
لم ينتظر سكان قصر المرادية كثيرا ليعلنوا ودون سابق إنذار عن نيتهم في إجراء إصلاحات دستورية. كان هذا إبان تهاوي العروش العربية المجاورة للجزائر، بدءا بالجيران في البوابة الشرقية، تونس بنعلي «افهمتكم»، وليبيا العقيد القذافي، الذي اختار لغة القوة والسحق والإبادة لكل من سولت له نفسه معارضة الزعيم الملهم.
ويبدو أن الفكرة كانت مجرد رفع «بطاقة» الإصلاحات الدستورية، بغية تهدئة الأوضاع ومحاصرة أي قوة سياسية قد تنزل إلى الشارع للاحتجاج.
بيد أن تدهور الحالة الصحية للرئيس من جهة بشكل غير مسبوق، وغموض الرؤية السياسية المستقبلية، وغياب أدنى مؤشر عن طبيعة مرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة، علاوة على انخفاض صوت الربيع العربي وانقلابه إلى خريف كما هو الشأن في مصر عقب الانقلاب العسكري في 3 يونيو2013…كلها عوامل أدخلت مشروع التعديلات الدستورية رفوف النسيان وثلاجة قصر المرادية إلى حين ميسرة.
وانتهت العهدة الرئاسية الثالثة، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا يقوى على المشي، وتناسلت الأسئلة حول حالته الصحية لخوض عهدة رابعة؟ وهل يقبل الشارع الجزائري برئيس مقعد؟ وبعد أخذ ورد وطول انتظار قررت العائلة الحاكمة وحاشيتها المقربة من أصحاب البزات الخضراء التضحية بصورة الجزائر، والتمديد للرئيس المريض لولاية رابعة. ولكنها فوق كرسي متحرك! وفاز الرئيس المقعد من جديد ليراكم عهدة رابعة متتالية. ولم تمض غير بضعة أسابيع حتى بُعث الحديث من جديد عن التعديلات الدستورية. ليُكلف رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي أحد مهندسي المشهد السياسي الجزائري طيلة العقدين المنصرمين، والرجل الذي ينعت: بصاحب المهمات القذرة، للقيام باتصالات ومشاورات لجس نبض الطبقة السياسية، بناء على رسالة موجهة من رئاسة الجمهورية في 15 ماي 2014 لزهاء 150 جهة، من شركاء سياسيين وفاعلين جمعويين وشخصيات.. القرار الذي اتخذه الرئيس خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 7 ماي 2014.
وهكذا أسفرت المشاورات، التي قادها ديوان الرئاسة بقيادة أحمد أويحيى، عن إجراء عشرات اللقاءات والاتصالات مع عدد من الشخصيات والأحزاب السياسية والمنظمات، وكذا الكفاءات العلمية والأكاديمية. فضلا عن ذلك، تلقى ديوان رئاسة الجمهورية حوالي ثلاثين إسهاما كتابيا وردا عن مسؤولين سابقين وعن جامعيين وجمعيات مختلفة، ثم عم الصمت والغموض، ليعاود الرئيس فتح الحديث من جديد في رسالته بمناسبة إحياء الذكرى ال 61 لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، حيث قال: «لقد تحققت بعد إنجازات كثيرة وما زال منها ما ينتظر التعزيز أو الاستكمال، وذلك هو الشأن في المجال السياسي والحوكمة (الحكامة)، ذلكم هو النهج الذي يسير عليه مشروع مراجعة الدستور الذي سيتم الإعلان عنه عما قريب.»
لتدخل الساحة السياسية مرحلة انتظار «عما قريب» التي بشرت بها الرسالة الرئاسية في مطلع نوفمبر. ومن الواضح أن اللقاء المصغر الذي شهده قصر المرادية ليلة الاثنين 14 دجنبر الماضي، خطوة عملية تندرج في «الإعلان عنه عما قريب» من أجل تهيئة الأجواء وتمهيدها قبل الإعلان عن مسودة مشروع التعديلات الدستورية المرتقبة، والتي من شأنها أن تحدد معالم جزائر ما بعد بوتفليقة! خاصة على مستوى استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، لتتم بعدها الدعوة إلى استفتاء شعبي لن يخيب آمال ساكني قصر المرادية، لأن كل الاستفتاءات الشعبية والانتخابية بعد انقلاب يناير 1992 أضحت تحت السيطرة، بحيث لم يعد هناك عنصر مفاجأة.
ليلة الاجتماع المصغر الذي قد يحدد مصير الدستور المعدل!
من دون سابق إعلان، بث التلفزيون الجزائري يوم الثلاثاء 15 دجنبر ومعه وكالة الأنباء الجزائرية بيان رئاسة الجمهورية، لصور اجتماع وزاري مغلق ليلة الاثنين 13دجنبر الماضي، برئاسة عبد العزيز بوتفليقة بوصفه رئيس الجمهورية ووزيرا للدفاع. وطبعا حرص الإخراج التلفزيوني على التركيز على الرئيس، وهو يقلب بين الأوراق ويحدث المجتمعين معه، في رسالة مفادها: أيها الجزائريون لا داعي للقلق والسؤال! فصحة الرئيس جيدة، والكريم إذا وعد أكمل!
عبارة الاجتماع المصغر تطرح أكثر من علامة استفهام! لا سميا أن ملف التعديلات من أكبر الأوراش السياسية في العهدة الرئاسية الرابعة، ولكن جزءا من الجواب يتجسد في طبيعة من حضر اللقاء، وهم كل من وزيره الأول عبد المالك سلال، ووزير الدولة ومدير الديوان لدى رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى. ووزير الدولة المستشار الخاص لدى رئيس الجمهورية الطيب بلعيز، ونائب وزير الدفاع الوطني وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، ووزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح، وبوعلام بسايح مستشار لدى رئيس الجمهورية. وبعيدا عن توقيت الاجتماع المصغر والأسباب الحقيقية لإعادة إحياء الملف القديم_ الجديد الخاص بالإصلاحات الدستورية، فرض سؤال حضور رئيس الأركان الفريق قايد صالح، وهو يرتدي بزته العسكرية أكثر من سؤال، حول طبيعة حضوره، وما علاقته بالتعديلات الدستورية؟
صحيح أن الفريق قايد صالح هو رئيس للأركان، ولكنه أيضا يحمل لقبا وزاريا داخل حكومة عبد المالك سلال، فهو نائب وزير الدفاع الوطني. الحقيبة الوزارية التي احتكرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ وطئت قدمه قصر المرادية، حتى يضمن له ولاء سياسيا داخل المؤسسة العسكرية، باعتباره وزير الدفاع، والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ومن جهة يمكن تفسير حضور الفريق قايد صالح بأنها رسالة مباشرة لطمأنة المؤسسة العسكرية، مفادها بأنه لا يمكن عقد أو حل أمر ما، مهما صغر أو كبر من دون موافقتكم! وقبل ذلك استشارتكم والأخذ برأيكم.
أكيد أن مؤسسة الجنرالات قد أصابها الوهن والضعف والانكماش، بعد وفاة عدد من صقورها، وإحالة البعض الآخر على المعاش، كان آخرهم الفريق الأسطورة محمد مدين؛ المعروف بالجنرال توفيق في 13 سبتمبر الماضي، بيد أن هذا لن يضعف من قبضة المؤسسة العسكرية باعتبارها أقوى مؤسسة بالبلد، وذات أكبر ميزانية ونفوذ. ولا يمكن تجاوزها مهما كانت الحيثيات، على الأقل على الأمد القريب والمتوسط. لا سيما ومؤسسة الرئاسة بقيادة الرئيس المريض بوتفليقة ليست على ما يرام.
ويبقى الأهم من كل هذا وبيت القصيد، ماذا سيحمل التعديل المرتقب من مستجدات جديرة بانتظار أزيد من أربعة أعوام ونيف؟ وهل من شأن هذه التعديلات الإجابة عن مستقبل قصر المرادية بعد مغادرة بوتفليقة؟ والتي عادة ما ستكون مغادرة غير طوعية وإلى دار البقاء، على شاكلة من سبقوه. خاصة على مستوى استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية أو بتعبير أكثر دقة، الشخص المكلف وبتفويض من الرئيس الحالي لقيادة المرحلة الراهنة. وحتى المرحلة القادمة باعتباره وارث سر الرئيس والشخص الأكثر دربة وتهيئا، ثم هل سيتم تقليص العُهد الرئاسية من عُهد مفتوحة إلى عهدتين اثنتين لا ثالث لهما، كما كان الشأن في دستور الرئيس السابق ليمين زروال لعام 1996؟
تقلبات الحياة الدستورية بالجزائر دساتير مدنية لخدمة العسكر وحكم العائلة
دساتير في بلدان غير دستورية! بهذه العبارة أجمل الباحث الأمريكي ن. براون دساتير العالم العربي، مضيفا بأنه إذا كان من الضروري تقييد السلطة السياسية، فلن يتم هذا بقصاصة من الورق، نافيا الصلة بين وجود دستور وتوخي غايات ليبرالية سياسية، وبالأحرى ديمقراطية، ففكرة وجود حكومة قابلة للمحاسبة فكرة غريبة.
والحال أن نشأة النزعة الدستورية في العالم الثالث تبدأ في الأول من أجل تحديد هوية الدولة السياسية، ثم لتقليص حجم السلطة المطلقة للحاكم والحكومة، ولكنها في الغالب تنحرف إلى صف المزايدات السياسوية ليس إلا، فتغدو مجرد مظهر لمتطلبات التوازنات المؤسسية، ومساومات المعارضة والنخبة أكثر من انبثاقها عن رغبة وإرادة للتغير، وترسيخ شكل أصيل من السيادة الشعبية. فقد يكون الدستور مجرد مظهر من مظاهر التعبير عن المشاعر الوطنية مثله مثل العلم، والنشيد الوطني….لذا، نادرا ما تقيدت به الحكومات في السلطة. لأن وظيفتها أي الدساتير الأساسية في الدول العالمثالثية هي فرض الأمر الواقع، وجعل السلطة أكثر فعالية، وتأكيد سيادة «النظام» وليس الدولة، والتأسيس لتوجهات أيديولوجية وسياسية عامة.
والجزائر مجرد عينة ونموذج من نماذج الدساتير لدول غير دستورية، حيث عرفت منذ استقلالها عام 1962 أربعة دساتير، أعوام 1963؛ و1976؛ 1989؛ و1996. واكبتها ثلاثة تعديلات دستورية لترميم المشهد السياسي أعوام 1988؛ و2002؛ و2008.
-1 دستور 1963 : دستور الثورة والحزب الواحد
دستور 1963 والذي يعد أول دستور للجمهورية الجزائرية المستقلة، مترجما لحالة الزخم الثوري على حساب الرؤية السياسية المتزنة، إذ غلب عليه الطابع الإيديولوجي الثوري إلى النخاع.
فعقب شهرين من الاستقلال، وفي 20 سبتمبر 1962، تم انتخاب المجلس الوطني التأسيسي، والذي انتقلت إليه كل السلطات، والتي كانت في السابق تحت إشراف الهيئة التنفيذية المؤقتة ومؤسسات الثورة. وكان من مهام المجلس المكون من 196 نائبا، تعيين الحكومة، وقد تم تنصيبها في 26 سبتمبر 1962، ومن خلالها تم تعيين أحمد بن بلة رئيسا لها. وقد قام المجلس بمحاولات لإعداد مشروع الدستور، لكن تبين للمكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني ولرئيس الحكومة أن النقاش الدائر في المجلس، لا يعبر عن مبادئ الثورة ومضمون برنامج ميثاق طرابلس حول إرساء ديمقراطية شعبية، وبذلك تم أول انقلاب «تأسيسي ناعم»،حيث سحب مشروع وضع الدستور من يد المجلس التأسيسي، وكلفت لجنة خاصة بإعداد مشروع الدستور، والذي تم إقراره من قبل المجلس الوطني التأسيسي في 28 غشت 1963. مكرسا للتوجه الاشتراكي، في إجابة لا تقل ثورية عن الهوية الإيديولوجية للدولة الحديثة. والأهم من ذلك أنه أقر نظام الحزب الواحد، ليتربع حزب جبهة التحرير الوطني على المشهد السياسي لثلاثة عقود كاملة بلا منازع أو رقيب.
وقد تم تمريره عبر استفتاء شعبي حصد الأغلبية المطلقة في 8 سبتمبر 1993، لكنه سرعان ما تم التخلي عنه عقب الانقلاب العسكري في 19 يونيو 1965، والذي أطاح بالرئيس أحمد بن بلا وبدستوره الثوري.
خصص أول دستور جزائري ل 1963 فقرة خاصة من أربع مواد لحزب جبهة التحرير
المادة 23: جبهة التحرير الوطني هي حزب الطليعة الواحد في الجزائر.
المادة 24: جبهة التحرير الوطني تحدد سياسة الأمة، وتوحي بعمل الدولة وتراقب عمل المجلس الوطني والحكومة.
المادة 25: جبهة التحرير الوطني تشخص المطامح العميقة للجماهير وتهذبها وتنظمها وهي رائدها في تحقيق مطامحها.
المادة 26: جبهة التحرير الوطني تنجز أهداف الثورة الديمقراطية الشعبية، وتشيد الاشتراكية في الجزائر.
-2 دستور 1976: دستور تكريس النهج الاشتراكي للدولة
كان انقلاب 19 يونيو1965 بمثابة إعلان وفاة لدستور 1963 ومعه الحياة الدستورية عن الشرعية «الدستورية»، أصدر الرئيس الجديد الهواري بومدين في 7 يوليوز 1965 عددا من القرارات من أجل تحديد ممارسة السلطة الجديدة، حيث احتكر مجلس الثورة الذي ضم 26 عضوا كل الصلاحيات السياسية، على أمل إصدار دستور جديد، وبذلك أضحت الحكومة مجرد أداة تنفيذية لمقررات مجلس الثورة. كما صاحب ذلك تأسيس عدد من الهيئات الاستشارية كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وقد تم الانتهاء من هذه المرحلة اللادستورية والانتقالية، والتي فاقت 11 عاما، إذ في 5 يوليوز 1976 أعلن الرئيس الهواري بومدين عن الميثاق الوطني والذي كان بمثابة مرجع أعلى للدولة، ليليه إعداد دستور جديد حافظ في كليته على توجهات النظام، ليعرض على استفتاء في 19 نوفمبر 1976، حيث نال الأغلبية المطلقة.
-3 التعديلات الدستورية ل 1988: التخلص من قبضة حزب جبهة التحرير
بعد انتفاضة 7 أكتوبر 1988الدامية، كانت الحاجة ماسة لإجراء إصلاح شامل يضع حدا لهيمنة الحزب الوحيد (حزب جبهة التحرير الوطني) المهمين على مفاصل الحياة السياسية، وقد هم التعديل ثلاثة محاور رئيسية:
-1 منصب رئاسة الجمهورية وتحديد وظائفه ومهامه وكيفية انتخابه.
-2 استحداث منصب رئاسة الحكومة، وآلية اشتغاله وصلاحيته..
-3 استحداث مجلس للمحاسبة من أجل مراقبة جميع النفقات العمومية للدولة، وكذا الحزب وللمجموعات المحلية والجهوية والمؤسسات الاشتراكية …..
التعديل الدستوري تمت الموافقة عليه في الاستفتاء الشعبي يوم 3 نوفمبر 1988.
-4 دستور فبراير 1989: الطريق نحو المسار الديمقراطي
إعمالا لمقررات التعديلات الدستورية لنوفمبر 1988، تم إنشاء لجنة انكبت على تزويد الجزائر بدستور جديد، يواكب التحولات السياسية، مما شكل قطيعة عمودية وأفقية سواء مع الدساتير القديمة، أو حتى على مستوى بنية النظام، كانت أهم معالمه:
-1 التخلص من اشتراكية الدولة والانتقال إلى تبني مقومات النظام الليبرالي واقتصاد السوق.
-2 القطع مع الأحادية الحزبية، ومعها هيمنة حزب جبهة التحرير، وفتح الباب أمام التعددية الحزبية بالسماح بإنشاء جمعيات وأحزاب سياسية.
-3 الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية، التنفيذية والقضائية.
-5دستور 1996: التعايش مع الأزمة
لم يعمر دستور نوفمبر 1989، أو دستور النقلة الديمقراطية طويلا إذ سرعان ما تم تعليقه في يناير 1992، على إثر استقالة أو إقالة رئيس الجمهورية الراحل الشاذلي بن جديد في 11 يناير 1992، والذي حل المجلس الوطني الشعبي قبلها فقط بأيام (في 4 يناير 1992) وهو ما ترك البلاد في حالة فراغ دستوري غير مسبوقة! ولتدارك حالة الفراغ عملت جنرالات الجيش الماسكة بزمام السلطة والرافضة لعودة الحياة الدستورية والنيابية عبر إتمام الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، والتي كرست في جولتها الأولى في 26 دجنبر 1991 الاكتساح الكبير لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، على إنشاء مجالس انتقالية كان على رأسها المجلس الأعلى للدولة، والذي أوكلت له صلاحيات رئاسة الجمهورية. غير أن اغتيال الرئيس الانتقالي محمد بوضياف المستقدم من منفاه بالمغرب، وفشل الجنرالات في إحداث استقرار سياسي وأمني … عجلت بإعادة عقارب الساعة الدستورية للدوران من أجل تهيئة أجواء استقدام رئيس جديد.
ولأجل تدارك ثغرات الدساتير القديمة 1963؛ 1976؛ و1989، أنشئت غرفتان للبرلمان عوض غرفة واحدة، المجلس الوطني الشعبي علاوة على مجلس الأمة. ومن جهة ثانية، حتى يصعب على أي حزب مهما بلغت قوته أن يعيد سيناريو اكتساح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البرلمانية لدجنبر 1991. وتبقى أهم إضافة في دستور 1996 هو حصر مدة حكم رئيس الجمهورية في ولايتين اثنتين لا غير، مدة كل واحدة منهما خمس سنوات.
-6 دساتير بوتفليقة: تعديلات دستورية بالجملة لتوطيد حكم آل بوتفليقة
تعديلان دستوريان في انتظار الثالث!
بوصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للحكم، دخلت الجزائر مرحلة سياسية جديدة. كان الهدف الأساسي منها الانتهاء من العشرية السوداء وطي ملفاتها القذرة، خاصة فيما يتعلق بتبرئة المؤسسة العسكرية المتورطة في الأحداث من أي متابعة أو محاسبة. زد على ذلك البدء التدريجي في عمليات إبعاد أصحاب البزات الخضراء أي المؤسسة العسكرية ولوبي الجنرالات الحاكم من الحياة السياسية. وحفاظا على التوازنات السياسية والاتفاقات المبرمة بين الرئيس بوتفليقة ومؤسسة الجنرالات، لم يسارع الرئيس الجديد إلى إحداث تعديل دستوري إلا قبيل انتهاء ولايته الرئاسية الأولى وبشكل لا يمس جوهر الفعل السياسي، وكمحاولة لمحاصرة انتفاضة الفاعل الأمازيغي المحتج ضد سياسة الإقصاء الثقافي واللغوي، حيث عمد في أول تعديل دستوري له في 10 أبريل 2002، وبعد استشارة المجلس الدستوري، إلى اعتبار الأمازيغية هي لغة وطنية تعمل الدولة على ترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية عبر التراب الوطني.
وبعد فوزه لولاية ثانية وطاحنة ضد ما تبقى من صقور المؤسسة العسكرية، والتي أيدت منافس بوتفليقة القوي، ومدير ديوانه ورئيس حكومته، علي بن فليس، وبعد أن رجحت الكفة لصالح بوتفليقة، بل وآل بوتفليقة، وقبيل انتهاء الولاية الثانية، سارع الرئيس بوتفليقة إلى تمديد مشروعيته الانتخابية عبر إجراء عملية جراحية دستورية رفعت عدد الولايات الرئاسية من ولايتين غير قابلتين للتمديد، كما نص على ذلك دستور 1996 إلى عدد غير محدود من العهد الرئاسية! وبذلك مدد الرئيس لولايتين جديدتين الأولى في أبريل 2009، والثانية في ربيع 2014.
وهكذا أضحت التعديلات الدستورية مجرد عمليات جراحية وتجميلية، لا تحتاج في الكثير من الأحيان للبنج من أجل تخدير المريض (الشارع الجزائري) لأنه فاقد للوعي من أساسه وعن طواعية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.