حينما نتأمل اليوم هذه المعارك التي تشتعل نيرانها حول المدرسة المغربية، لا بد أن نطرح السؤال، هل انتبه أولئك الذين كانوا بالأمس القريب يرسمون الخطوط العريضة لمستقبل الإصلاح الذي نتطلع إليه، لوضعية حلقة أساسية في المنظومة اسمها المدرس؟ هل انتبه المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي وهو يسطر رؤيته الاستراتيجية للإصلاح لواقع المدرس اليوم؟ وهل انتبهت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني لهذا الفاعل الأساسي وهي تفتح سيرة التدابير التي قالت إنها ذات أولوية؟ اليوم تعيش المدرسة المغربية احتقانا غير مسبوق مع هؤلاء الأساتذة المتدربين الذين يخوضون معركة إثبات الذات، بعد حكاية مرسومي الوزارة اللذين تم رفضهما. وتعيشه مع حكاية الرفع من سن التقاعد، والذي يعتبره رجال ونساء التربية والتعليم حيفا وإكراها سينضاف إلى بقية الإكراهات الأخرى. ما لم يستوعبه كل الذين خططوا ورسموا خطوط الإصلاح، هو أن هذا الرهان لن يتحقق إلا إذا انخرط فيه المدرس عن قناعة. فالتلاميذ الذين نحلم أن يطوروا إمكانياتهم في التعلمات الأساسية من كتابة وقراءة وحساب كأهداف أولية، لن يحققوا ذلك إلا بفضل مدرس مقتنع بالمهمة التي يقوم بها. مدرس يشعر بالطمأنينة على حاله ومستقبله. مدرس ينتظر التحفيز والتشجيع. مدرس لا يطارده شبح الرفع من سنوات العمل لتتجاوز الستين، في ظروف سيئة للغاية. أما في ظل الوضع الحالي، فلا شك أن المهمة لن تستقيم. ولن يتحقق بالتالي الهدف الأكبر الذي من أجله اشتغل ويشتغل المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي، أو وزارة التربية والتكوين المهني. اليوم أمام المدرسة المغربية ملفان على غاية كبيرة من الأهمية وجب على الجهات المعنية أن تتعامل معهما بمنطق لا غالب ولا مغلوب. منطق لا يجب أن يحركه رهان القوة. أول الملفات هو المتعلق بالأساتذة المتدربين الذين يسيرون اليوم إلى سنة بيضاء. وهي وضعية ستكون فيها كل الأطراف خاسرة. والحكمة تفرض إيجاد حل توافقي بين المرسومين، خصوصا ما يتعلق بوضعية هذه الفئة من شبابنا المتعلم، والتي وجدت أخيرا فرصة شغل. فئة كان حلمها أن تكون اليوم داخل مراكز التكوين لتقوم بدورها غدا في تنزيل مشاريع الإصلاح، لتجد نفسها تخوض معارك الوقفات والاحتجاجات ليلا ونهارا. أما الملف الثاني، فهو المتعلق بالرفع من سن التقاعد الذي يجب أن يتم التعامل فيه مع فئة نساء ورجال التعليم بطريقة خاصة، بالنظر للمهام الصعبة التي توكل لهذه الفئة من الموظفين. وسعيا إلى ضمان مردود أفضل منها. فداخل حجرات الدرس، لا يمكن تنزيل مشاريع الإصلاح إلا بقناعة المدرس، وليس بشيء آخر. لذلك على كل الجهات التي تعنيها مصلحة المتعلمين، ومن خلالها مستقبل الإصلاح، أن تنظر للأمر من هذه الزاوية. أما هذا الرهان الذي يربد البعض أن يدخله في مواجهة المدرسين، فلن يترك خلفه إلا الأزمات. بقي فقط أن نذكر أن معركة بنكيران مع وزيره في التربية الوطنية بشأن مذكرة تدريس بعض مواد المسالك التقنية باللغة الفرنسية، وحكاية تقريعه من على منصة مجلس المستشارين، لم تحركها غيرة رئيس الحكومة على اللغة العربية، أو دفاعه عن التعريب، بالقدر الذي كان رهانها الأكبر سياسي. لقد شعر بنكيران أن الكثير من ملفات التربية والتعليم بدأت تسحب من تحت أقدامه. لذلك وجد الفرصة سانحة لكي يدق الناقوس، وينبه الذين يعنيهم الأمر. لكن ما لم يقو عليه بنكيران قبل هذا وذاك، هو أنه قبل أن تسحب حقيبة وزارة التربية الوطنية من يد وزير سياسي لتوكل إلى وزير تكنوقراطي في النسخة الثانية لحكومته. فلماذا لم ينبه للأمر وقتها، ولم يقرع أحدا آنذاك؟