في الوقت الذي ما زالت فيه توصية هيئة الإنصاف والمصالحة بتبني وتنفيذ استراتيجية وطنية مندمجة لمكافحة الإفلات من العقاب، وإجراء إصلاحات في المجال الأمني والعدل والتشريع والسياسة الجنائية، حبرا على ورق، طالبت أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ببرمجة التوصية التي كان قد تضمنها التقرير النهائي الذي رفعه رفاق الراحل إدريس بنزكري إلى الملك محمد السادس في نهاية نونبر 2005. وقالت بوعياش ل«المساء»: «بعدما كنا خلال السنوات الماضية نطالب بتفعيل توصية مكافحة الإفلات من العقاب، انتقلنا الآن إلى المطالبة ببرمجتها، وذلك بعدما لاحظنا أن الأمور لم تراوح مكانها منذ إصدار التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة»، مضيفة: «اشتغلنا في المنظمة منذ 1993 على ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقد حققنا عدة إنجازات في هذا الصدد، واليوم نحن بصدد الدفاع عن هذا المسار وترسيخه من خلال الترافع بمعية المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومؤسسة «فريدريش إيبرت» من أجل أن يصبح مبدأ مناهضة الإفلات من العقاب أداة فعالة تؤسس لدولة الحق». يأتي ذلك في وقت كشفت فيه المنظمة عن برنامج عمل على المدى المتوسط بخصوص مناهضة الإفلات من العقاب، يرتكز على اعتبارات أساسية منها اعتراف الدولة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والإقرار العمومي بضرورة وضع قواعد جديدة لعمل المؤسسات وحكم القانون، وبرمجة توصية هيئة الإنصاف والمصالحة بهذا الخصوص. واعتبرت المنظمة أن مبدأ مناهضة الإفلات من العقاب كأداة فعالة تؤسس لدولة الحق، يقتضي التنصيص عليه في الدستور حتى تكون له قيمة قانونية وفعلية ويكتسي سموا بالنسبة للقواعد القانونية الأخرى، والقيام بإصلاح تشريعي لقانون المسطرة الجنائية بخصوص استعمال محاضر الشرطة القضائية المتعلقة بالجنح والمخالفات على منوال الجنايات. كما يتطلب تفعيل وسائل المراقبة القضائية وقيام النيابة العامة بزيارات مفاجئة لمراكز الشرطة والدرك الملكي قصد مراقبة سجلات الحراسة النظرية ومطابقة ما تتضمنه بحالة الأشخاص موضوع هذه الحراسة، وتحديد اختصاصات المسؤولين عن تنفيذ القانون والحفاظ على النظام العام. إضافة إلى تفعيل السلط المعنية بالمراقبة كالبرلمان والقضاء والمجلس الأعلى للحسابات، في سياق الإصلاحات التشريعية التي جاءت بعد المصادقة على اتفاقية الأممالمتحدة ضد الرشوة، وإعمال آليات تخليق الحياة العامة لمناهضة الجرائم الاقتصادية. وبحسب المنظمة، فإن السلطات العمومية مدعوة إلى فتح تحقيق شامل في جميع قضايا إهدار المال العام، والإشكالات ذات الصلة بالتدبير العمومي للمؤسسات العمومية والمجالس الجماعية والتي تتناقلها وسائل الإعلام. إلى ذلك، اعتبرت بوعياش أن إعمال مبدأ عدم الإفلات من العقاب يقتضي القيام بإصلاحات دستورية من خلال التنصيص عليه بصفة صريحة، وإدماج الحكامة الأمنية في الفصل 46 في سياق الضمانات القانونية للحقوق الفردية التي يتمتع بها المواطن، وإعمال مراقبة دستورية الضمانات القانونية من طرف المجلس الدستوري والبرلمان والمجتمع المدني. إلى جانب التنصيص على مقتضى دستوري يهم تنفيذ الأحكام القضائية في سياق مناهضة الإفلات من العقاب، ووضع المكلفين بنفاذ القانون تحت مراقبة البرلمان. وفيما دعت بوعياش الحكومة إلى وضع تقرير سنوي عن تدبير المؤسسات العمومية من طرف المفتشية العامة للمالية لدى الوزير الأول والتداول حوله بالمجلس الحكومي وإخبار الرأي العام حول مضامينه، كشف المصدر ذاته، أن برنامج عمل منظمتها، سيتمحور حول أنشطة عمومية واستشارات تمكن من إنتاج أفكار وخلاصات وتوصيات لتقديم مذكرات حول مواضيع منها: التصديق باستعجالية على الاتفاقات والبروتوكولات الدولية (النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب، الاتفاقية الدولية لمناهضة الاختفاء القسري)، وتوسيع اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات ليتمكن من إحالة القضايا التي تتوفر فيها أركان الجرائم الاقتصادية على النيابة العامة، وكذلك إنشاء غرف متخصصة في الجرائم الاقتصادية لدى محاكم الاستئناف، وتفعيل الآليات الوطنية خاصة في مجال زيارات مخافر الشرطة والدرك الملكي ونشر التقارير حولها.