اعتبرت أمينة بوعياش، في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر الوطني السابع للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن مسوغات شعار المؤتمر «مناهضة الإفلات من العقاب: مأسسة دولة الحق»، يحددها طموح منظمتها للعمل على محورين؛ أولهما تؤطره مرحلة غياب الشفافية وعدم المساءلة والانفلات من كل رقابة، ومرحلة إعداد وبلورة مقومات إعمال المساءلة في نطاق القانون تحت رقابة القضاء ومسؤولية البرلمان، وثانيهما يستند إلى إعطاء مدلول ملموس لتكلفة مواجهة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من خلال مختلف الآليات، وآخرها تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، باعتبار أن دلالة هذه التكلفة في الممارسة الديمقراطية السليمة تعني بالأساس المساءلة وإحداث القطيعة مع سياسية الإفلات من العقاب، التي ترتب عنها استمرار الانتهاكات الجسيمة على مدى أربعة عقود من الزمن. وأضافت بوعياش، التي كانت تتحدث مساء يوم الجمعة الماضي بالرباط أمام نحو ألفي مؤتمر، بالإضافة إلى عدد من السياسيين وممثلي بعض المنظمات العربية والدولية، أن المسار العام للمغرب طيلة العشرين سنة الماضية، وهو عمر المنظمة الحقوقية التي تأسست في دجنبر سنة 1988، تميز باعتراف الدولة بماضي الانتهاكات الجسيمة، وبالإقرار بضرورة وضع قواعد جديدة لدولة المؤسسات وحكم القانون ونزاهة الانتخابات وإصلاح القضاء. ولأن سياسة الإفلات من العقاب لها تأثيرات سلبية، فإن من شأن ذلك أن يحول دون إرساء أي مشروع يتطلب التسريع باضطلاع مختلف المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية بأدوارها كاملة، من خلال تحمل الحكومة لمسؤولياتها كاملة، وقيام البرلمان بدوره في مراقبة عمل الحكومة، وقيام القضاء كذلك بدوره لضمان حقوق الأفراد وحرياتهم، تقول بوعياش، قبل أن تضيف، إن محاسبة وتقييم مسار عشر سنوات من تجربة الانتقال الديمقراطي يتوقف، من جهة، على المحاسبة على عدم احترام القواعد القانونية، ومن جهة أخرى، على عدم التدخل في أحكام السلطة القضائية والتصدي لانتهاكات الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطبيق القانون، مؤكدة على أن المنظمة، في هذا السياق، ترفع اللبس، معتبرة مناهضة الإفلات من العقاب مبدأ معياريا موجها ومرشدا لكافة الحقوق الإنسانية. وأثار انتباهَ المؤتمرين الحضورُ الملفت لقياديين من الاتحاد الاشتراكي، ومنهم الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، العضو المؤسس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ووزير العدل عبد الواحد الراضي، وفتح الله ولعلو، والحبيب المالكي، بالإضافة إلى عدد كبير من أعضاء المكتب السياسي، واتحاديين آخرين ومنهم وزراء كمحمد عامر الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالجالية المغربية بالخارج. كما حضر الافتتاح أيضا ممثلون عن حزب الأصالة والمعاصرة كالنائب الأول للأمين العام للحزب عبد الحكيم بنشماش وصلاح الوديع، بالإضافة إلى صاحب فكرة تأسيس المنظمة، كما قالت بوعياش، الباحث الكبير الدكتور المهدي المنجرة، الذي رغم تقدم السن به كثيرا فإنه حضر وفضل الجلوس في طرف آخر صف من قاعة المؤتمر. وأشارت رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، إلى أن التصدي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لن يكون ذا جدوى إلا بالقطع مع سياسة الإفلات من العقاب، في إطار مساءلة ذات أبعاد إنسانية وحقوقية واقتصادية واجتماعية وسياسية، وأيضا في إطار من الترابط بين احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وإقرار للديمقراطية والتنمية. ورغم أن المغرب قد عرف خلال السنوات العشر الأخيرة «ديناميات مجتمعية» بفعل نضالات الحركة الديمقراطية والحقوقية والإرادة السياسية العليا ما أسفر عن مكتسبات هامة، تقول أول امرأة تترأس منظمة حقوقية في المنطقة العربية، فإنه بالموازاة مع ذلك لا تزال هناك هشاشة تطال العديد من تلك المكتسبات، والتي تعكس أزمة فعلية تبرز بوضوح على مستوى تدبير حقوق الإنسان وتعزيزها، ويتجلى ذلك بالخصوص، من خلال غياب مخاطب حكومي في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، وغياب آليات وطنية فعالة بخصوص الوساطة في المجال، ثم غياب استراتيجية متكاملة ومنسجمة لتفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، مشيرة إلى أن هذه المؤشرات المتداخلة تسائل الجميع من زاوية سياسة حقوق الإنسان كسياسة مندمجة في مجال الحكامة في كافة أبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مما يتطلب التعجيل بإشراك مختلف الفاعلين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، من أجل صياغة مقاربة جديدة لمفهوم المصلحة العامة، تقول أمينة بوعياش التي خلصت إلى الدعوة إلى إقامة شراكة فعلية بين الدولة ومؤسساتها الوطنية وكافة سلطاتها، وبين المجتمع المدني إعمالا لالتزامات بلادنا بشأن تعزيز بناء الديمقراطية بتدعيم سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكذا إلى التسريع بإطلاق حوار وطني حول إصلاح نظام العدالة، يشارك فيه المهنيون والفاعلون السياسيون وجمعيات المجتمع المدني، التي يجب أن تكون واعية بأغراض ومقاصد الدفاع عن حقوق الإنسان ومتجددة في مهنيتها ومقاربتها.