سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أفتاتي: القائمون على مجلس حقوق الإنسان كراكيز تحركها الدولة العميقة قال إن «البزناسة» شكلوا في بعض المدن نقابات وقاموا بجمع مساعدات لإفساد العملية الانتخابية
هو «المجدوب» في نظر عبد الإله بنكيران، الفتان في عين حلفائه، والعدو غير القابل للترويض في نظر معارضي حزبه. هو ناحت مصطلح «الدولة العميقة»، المزعج لأصدقائه في الحزب، والمنفلت من المواضعات في نظر الدولة. عبد العزيز أفتاتي، البرلماني عن حزب العدالة والتنمية ورئيس هيئة النزاهة سابقا، وواحد من أبرز «صقور» الإسلاميين إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، يبوح بكل شيء: علاقته ببنكيران ورأيه في تراجع حامي الدين عن رئاسة فريق حزبه في الغرفة الثانية… كما يتوقف طويلا عند التوصية التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن المساواة في اقتسام الإرث بين الرجل والمرأة، واصفا أعضاء المجلس بالكراكيز التي تشتغل وفق تعليمات الدولة العميقة. في الحوار أيضا، يشرح أفتاتي وجهة نظره حول إفرازات انتخابات مجلس المستشارين الأخيرة واستعداد حزبه للتحالف مع حزب «علال» في أفق الانتخابات التشريعية المقبلة. – أبدأ بالخبر الأخير: قدم عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، اعتذاره عن رئاسة فريق الغرفة الثانية. هل تعتقد أن قرار حامي الدين عادي جدا؟ أولا، أؤكد أن حزب العدالة والتنمية ينتخب مسؤوليه بكل شفافية، وكل مؤسسة داخل الحزب تشتغل وفق ما يتيحه لها القانون. على هذا الأساس، اختار مستشارو الفريق في مجلس المستشارين، على الأرجح، ثلاثة أسماء عرضوها على الأمانة العامة لاختيار من تراه قادرا على تسيير شؤون الفريق، فتم اختيار الأخ عبد العالي حامي الدين رئيسا. الذي حدث، في تقديري الشخصي، أن الحزب تعرض لضغوط كبيرة من أجل أن لا يصبح حامي الدين رئيسا… – ما طبيعة هذه الضغوطات وما مصدرها؟ هي جهات في الدولة العميقة ترعى «المشروع البامجي»، وتريد القضاء على التيار الإصلاحي.. – هل هو نفس السيناريو الذي حدث معك؟ نعم هو نفسه، وأعتقد أنه سيتكرر كثيرا، لأن المشروع «البامجي» يشتغل على المستقبل القريب والبعيد لخدمة أجندة تسعى إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه، وكل جهة تعارض هذا المشروع تتعرض لضغوط من طرف الدولة العميقة والموازية. – لكن اعتذار حامي الدين عن رئاسة فريق الحزب في مجلس المستشارين يؤشر على نجاح ما تسميه الدولة العميقة في اختراق الحزب، وفي تفتيت ديمقراطيته الداخلية… هذا أسميه تشويشا على مسار الانتقال الديمقراطي بالمغرب، إذ يدفعون الحزب إلى معالجة قضايا بطريقة غير واضحة للشعب. ما يسعون إليه هو أن يسقطوا القوى الإصلاحية في تناقضات غير مفهومة للعموم، ورسم صورة سيئة عن الأحزاب التي تقود هذا المسار الإصلاحي، ولاشك أنه يستهدفون البيجيدي بشكل أساسي.. – يظهر أن بنكيران قدم تنازلات كثيرة لما تصفه دائما بالدولة العميقة. حسب قناعتي، لا يمكن أن نعتبر ما يقوم به الأمين العام لحزب العدالة والتنمية تنازلا، بهذا المفهوم البسيط، بقدر ما نحن إزاء خيارات كثيرة، قد تربك إحداها المسار الذي تحدثت عنها سلفا. – تريد القول إن اختيار حامي الدين كان سيؤدي إلى اصطدام بين الحزب والمؤسسة الملكية؟ لا أبدا ليس هذا قصدي، فالمؤسسة الملكية لا علاقة لها بتاتا بالدولة العميقة، التي تشتغل خارج المؤسسات وخارج القانون، بيد أنه ينبغي التأكيد بأن مكونات الدولة العميقة تشتغل على مدار الساعة لإفشال الانتقال الديمقراطي، كما فعلت مع الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الذي لم تشفع له وطنيته ولا إشعاعه ولا كفاءته ولا مؤهلاته في مواجهتها. – هل يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية أصبح سهل الاختراق؟ الذي أعرفه أن أنصار الدولة العميقة يشتغلون بتفان كبير من أجل تحقيق ذلك، لكنهم لا يعرفون أن حزب العدالة والتنمية تجمعٌ ليس مبنيا على المصالح والامتيازات، بل مبنيا على فكرة متينة أساسها الإصلاح، وكل همه هو أجرأة الأفكار الإصلاحية، وهي نفس المشكلة التي واجهتهم مع مكونات الحركة الوطنية. وبالتالي، فإن محاولات الاختراق ستبقى سارية إلى يوم يبعثون، وأنا متيقن أنهم لن ينجحوا أمام قوة ووطنية المناضلين الملتزمين والمؤمنين بالمشروع الإصلاحي. فقط، أؤكد لك أن مساعيهم في اختراق البيجيدي فشلت إلى حدود الآن. – لم يعد أحد يتحدث عن ملفك، ورغم كل ما رشح، فإن الحقيقة لا تزال مبهمة. هل ناقش معك الحزب زيارتك للمنطقة الحدودية؟ تجميد عضويتي داخل هياكل حزب العدالة والتنمية كانت بالاستناد على أشياء وصلت إلى قيادة الحزب. داخل الحزب هناك مسطرة يجب احترامها من خلال التقيد بآجال، لكنها لم تحترم في هذا الملف. – وما الذي حدث حتى لا تحترم هذه الآجال؟ لسبب بسيط جدا يتمثل في أن القضية تحمل طابعا سياسيا ولا علاقة لها إطلاقا بقضايا التحكيم. ما جرى لا ينتمي إلى أي باب من أبواب التحكيم المنصوص عليها في قوانين الحزب. والذين تابعوا مجريات الملف، يعرفون أن هذه القضية لا يمكن أن تحسم فيها هيئة التحكيم ولا «هم يحزنون» لأنها ليست قضية مسطرية. – الاعتقاد السائد الآن داخل الحزب أن علاقتك بأمينه العام عبد الإله بنكيران سيئة جدا، هل هذا صحيح؟ لا أظن ذلك. الحاصل أن أمور الحزب تدبر الآن في علاقة بمحيط يؤثر، وما حصل للشاب الملتزم المتميز عبد العالي حامي الدين دليل على أن بعض القرارات لا تؤسس على تفاعل داخلي، بل على محيط خارجي ضاغط. أعرف أن هذه الضغوط لا يمكن أن تؤثر على سير القافلة، وأن هذه القافلة ستسير بشكل جيد بعد أن ينزل منها بعض الأشخاص، فهذا أمر جيد.. – لكن إدا كان في كل مرة تخضع قيادة الحزب لضغط المحيط الخارجي، لن يبقى هناك شخص واحد في القافلة… هناك ما يكفي من الكفاءات لتستمر القافلة، فإما أن ينزل بعض الأشخاص أو يتم إرباك المسير الصعب والشاق. لذلك، في كل مرة يرجح المنطق السليم، ونقول إنه على القافلة أن تواصل المسير، بالرغم من حوادث السير غير المؤثرة. لا أعتقد أن ثمة ما سيمنع الأستاذ عبد العالي حامي الدين من أن يساهم في تنوير طلائع الشعب المغربي. وهنا، ينبغي أن نفتخر بنخبة جديدة تقوم بدور إشعاعي كبير بفعل التزام صادق وغير مسبوق مع الجماهير، وحامي الدين ينتمي إلى هذه النخبة، وعلى هذا الأساس حاصروه باستمرار وبطرق تبعث على البؤس وعلى السخرية أيضا. النضال، كما أراه، لا يحتاج إلى مواقع داخل الحزب أو خارجه للانخراط فيه، فهو سيرورة مستمرة، ومن المفروض على المناضل أن يشتغل في كل الأحوال والظروف. – أثارت توصية اقترحها المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتماد المساواة في توزيع الإرث بين الرجل والمرأة الكثير من الجدل. كيف تقرأ هذه التوصية»الجريئة»؟ بكل اختصار: ذلك مجلس بئيس. إنه نموذج للمؤسسات الدستورية بين قوسين-أرجوك ضع خطا على بين قوسين-، التي من المطلوب منها أن تخدم قضايا المجتمع وتساهم من جانبها في الانتقال الديمقراطي الذي يعرفه المغرب. كان على هذا المجلس أن يوجه اهتمامه إلى القضايا ذات الصلة بالحريات العامة وبحقوق الإنسان وبالقضايا الحقيقية للمجتمع المغربي. أريد أن أطرح سؤالا بسيطا على القيمين على المجلس الوطني لحقوق الإنسان: هل أصبحت قضية الإرث شأنا مجتمعيا؟ أريد جوابا صريحا في هذا الباب، وموقن بأنهم لا يتوفرون عليه لأنه ليس موجودا أصلا. على حد علمي، فإن أغلب المغاربة إما يعانون من الفقر أو يوجدون في وضعية هشاشة أو ينتمون إلى الطبقة المتوسطة ومن ثم لا يملكون شيئا يتقاسمونه، علاوة على أن الأسر المغربية معروف عنها بأنها متراحمة وتتنازل لبعضها البعض، ولم يشكل يوما موضوع الإرث همّا يشغل الأسر المغربية. ولذلك، فإن هذا المجلس لا يعدو أن يكون سوى أداة من أدوات الدولة العميقة، وتلك الكراكيز التي تنشطه، استقطبتها الدولة العميقة في وقت سابق، وكل ما يقومون به يخدم مصالحهم. أنا متأكد أن إصدار مثل هذه التوصية جاء فقط من أجل استفزاز مؤسسات وتيارات بعينها. – لكن المجلس الوطني حاز على إشادة أممية في الكثير من المرات، وتعتبره الهيئات التابعة للأمم المتحدة آلية متقدمة لترسيخ حقوق الإنسان بالمغرب..أنت الآن بصدد تسفيه هذه الجهود واعتبار القيمين عليه مجرد كراكيز. الهيئات الأممية لها علاقة بالاستعمار الجديد، ولا أحد سيوهمنا بهذه المفاهيم الفضفاضة تحت يافطة حقوق الإنسان. التدخل في شؤون الدول الناهضة والفقيرة أصبحت سمة للعالم الجديد. أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان مجرد كراكيز لخدمة أجندة خارجية، وإلا ما الفائدة من مناقشة قضية الإعدام: هل ما يهم الشعب المغربي هو الإعدام؟ علما أن هناك اتفاقا بين الجميع على أن لا تشمل هذه العقوبة الملفات التي لها علاقة بالسياسة. – ألا ترى بأنك تتجنى على المجلس، فتارة تصفه بأنه أداة في يد الدولة العميقة، وتارة أخرى في يد جهات خارجية. هل يستوعب المجلس كل ما قلته؟ هذه حقيقته. أنا أطلب منهم فقط نشر طريقة تدبير الأموال التي يحصلون عليها. هذا المجلس ليست لديه علاقة بأي شيء اسمه الشفافية ولا هم يحزنون. – تريد أن تقول إن المجلس غارق في اختلالات مالية؟ نعم هذا ما أعنيه بالذات. أعتقد أن مثل هذه المجالس خلقت لخدمة مصالح الشعب المغربي وليس العكس. ما موقف المجلس من ملاحقة النشطاء الحقوقيين مثل المعطي منجب، ليقل لنا المجلس ما الذي فعله من أجل تحسين الظروف القاسية داخل السجون، وما مساهمته في توسيع مساحة الحريات العامة؟ ثم ما هي أدواره في إدماج جزء كبير من المغاربة يشتغلون خارج المؤسسات، منهم يساريون وإسلاميون يملكون وسائل محدودة؟ وماذا فعل لإقناع الشباب الصحراوي بالمقاربة الحقوقية التي تبناها المغرب؟… أقول بشكل صريح إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان كما مجلس الجالية هما من مجالس «لا لا ومالي» فقط لا غير، وإذا كانا يتوفران على حصيلة، فليقدماها لنا. – الدولة العميقة تدخلت لمنع حامي الدين من رئاسة فريق البيجيدي في مجلس المستشارين.. الدولة العميقة تتحكم في المجلس الوطني لحقوق الإنسان. ما هوية هذه الدولة التي تتوفر على كل هذه القوة دون أن يعرفها أحد؟ هي معروفة لدى الجميع وسماتها جلية لا تحتاج إلى شرح. الدولة العميقة قوية جدا، وهي تشتغل بشكل مكثف وبدون توقف في فترات الانتقالات الديمقراطية. لقد فعلت كل ما بوسعها لإفشال تجربة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وهاهي تفعل نفس الشيء مع تجربة عبد الإله بنكيران. هدفها الأول يكمن في إجهاض الانتقال الديمقراطي، وهي تعرف جيدا أن أدوارا ستستنفد إذا ما حقق المغرب انتقالا حقيقيا، أي أنها تخشى على نفسها من الزوال. بمعنى أن الجهات التي كانت تشتغل خارج الدستور بكيفية غير قانونية لن يبقى لها أي دور، والآن تخوض معركة حياة أو موت، وكل من يقف في طريقها تزيحه بالطرق المعروفة. – أنت مدعو للمثول أمام القضاء بسبب دعوى رفعها عليك حزب الأصالة والمعاصرة يطالبك فيها بأداء 500 مليون. ما حكاية صراعك مع البام في الجهة الشرقية؟ (يضحك) هذه صفقة وليست دعوى قضائية. إنها في الأخير صفقة تنم عن عقلية صفقاتية محضة. أتصور أن 5 ملايين درهم كافية لإنجاز حوالي 15 كيلومترا من الطريق المعبدة في العالم القروي. «واش هادا بعقلو». – بيد أن الاتهامات التي وجهتها إلى البام ثقيلة جدا، إذ وصلت إلى درجة اتهامك له بالاتجار في الكوكايين والمخدرات. بالله عليك، هل هناك أحد من سكان الحسيمة أو الناظور وعدة مدن أخرى لا يجهل أنه وظفت أموال المخدرات في الانتخابات. بإمكانك أن تسأل أي أحد ويخبرك بالحقيقة، ويقول لك إنه تم الاتصال ب»البزناسة» لتمويل الحملات الانتخابية، حيث إنهم شكلوا في بعض المدن- أقصد البزناسة- نقابات، وقاموا بجمع مساعدات لإفساد العملية الانتخابية، وحتى الجهات المختصة وصلها الخبر، كما وصل إلى المواطن العادي. لا أعتقد أن الأمر أصبح سرا أو يمكن إخفاؤه. – بينت انتخابات مجلس المستشارين تناقضات كثيرة في مواقف حزب العدالة والتنمية، إذ صوت في الأخير على عبد الصمد قيوح، مرشح حزب الاستقلال، الذي وصف بنكيران بأنه عميل للموساد ومساند ل»داعش». ليس هناك أدنى تناقض في تصويت حزبنا على الاستقلال، ومواقفنا منه ثابتة لا تتغير. ينبغي أن نعلم أن حزب الاستقلال سليل السلفية المغربية وحزب وطني منبثق عن الحركة الوطنية. نحن نتعامل مع حزب الاستقلال استنادا على هذه المرجعية، وسنظل كذلك ما لم تحدث فيه انحرافات. أؤكد لك أن صراعنا كان مع قيادات نافذة في الحزب تخدم مصالح التحكم. هناك أشخاص نافذون في حزب الاستقلال يدافعون عن مصالحهم، واختاروا في لحظة بعينها الاصطفاف مع مثلث إجهاض الانتقال الديمقراطي بقيادة الحزب المعلوم، قبل أن يتبين لهم أنه حزب للفساد وللتحكم. وكما يبدو، فإنهم يراجعون موقفهم منه. بلغة أخرى، يبدو أنهم غيروا خطهم السياسي، ولا يسع حزب العدالة والتنمية إلا أن يرحب بهذا التغير. ما نريده من حزب الاستقلال هو مراجعة خطه السياسي، لأن صراعنا معه لم يكن يوما صراع هوية أو مرجعية بقدر ما كان صراع أشخاص نعرف أهدافهم ومقاصدهم. عليهم الاختيار الآن: إما البقاء مع مثلث إجهاض الانتقال الديمقراطي أو إعادة تموقعه. وإذا استقر رأيهم على الخيار الثاني، ستتغير ملامح الخريطة السياسية المغربية، وسيكون لهذا القرار له ما بعده. – كل هذا التحليل لا يمكن أن ينفي أن العدالة والتنمية صوت على قيوح، ليس لأن الاستقلال راجع خطه الإيديولوجي، لكن لأنه ترشح ضد حكيم بنشماس. حزب الاستقلال اكتشف متأخرا أن هذا الحزب لا يتوفر على قناعات ولا على مبادئ، وإنما هو ألعوبة في أيادي الدولة العميقة، ولا بد أن نسجل أن قيادات من الحزب تمردت على الوضع الذي كان سائدا، ولذلك كان من الطبيعي أن نصوت عليهم. كل الأحزاب التي تمتلك قناعات عرفت أن الدولة العميقة حاولت الالتفاف على الإرادة الشعبية بكل الطرق، ولسنا بحاجة إلى الكثير من الحجج للتدليل على ذلك. يكفي في هذا الصدد أن نشير إلى ما وقع في جهتي الدارالبيضاء وطنجة، إذ وجهت التحالفات ضد إرادة المواطنين. هذا الحزب البئيس أثبت في انتخابات مجلس المستشارين أنه ضحى بثورة المغرب من أجل أن يخدم مصلحته. كيف تقنع مواطنا عاديا بأن رجلا فشل في انتخابات رئاسة مقاطعة متشكلة من بضعة أحياء، أصبح بقوة الدولة العميقة رئيسا لمجلس المستشارين. – لكن قيوح خرج أيضا خاسرا من انتخابات الجهات، ولم يستطع إقناع أعضاء مجلس الجهة بالتصويت عليه. الدولة العميقة تحركت في المرحلة الثانية من الانتخابات، أي في مرحلة تدبير التحالفات، فبعد أن منيت بهزيمة قاسية في امتحان الإرادة الشعبية، لم تجد من وسيلة سوى الانقلاب على هذه الإرادة بشكل مفضوح، وتظهر المؤشرات بأنهم يريدون العودة بالمغرب إلى مسار 2011، لكن التيار المدافع عن الانتقال الديمقراطي يتقوى، وسينتصر على هذه الدولة العميقة التي تعطى كل مرة وسائل كثيرة من أجل الاستمرار. – خلال انتخابات مجلس المستشارين قال نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن الحركة الشعبية لم تقدر على إقناع مستشاريها بالتصويت على مرشح الأغلبية، وقبل ذلك صوت التجمع الوطني للأحرار على البام في انتخابات الجهات، ألا ترى أن بنكيران سيواجه أياما سوداء مع أغلبية هشة قبيل شهور فقط من موعد الانتخابات التشريعية؟ الانتقال الديمقراطي ليس عملية تقنية ترتبط فقط بالاقتراع النزيه والشفاف، إنما هو عملية سياسية تشمل جميع مراحل الانتخابات، وفي مقدمتها التحالفات الحزبية. في اعتقادي، يتوجب كذلك أن تكون التحالفات كما الانتخابات شفافة وواضحة ونزيهة دون تدخل من أحد، ووقتئذ سنرى من سيفوز. الذي وقع في الانتخابات الأخيرة أن جزءا منها كان حرا ونزيها، أما الجزء الآخر فكان مطبوعا باستعمال الأموال من طرف الحزب المعلوم. كما أن جزءا من التحالفات تحكم فيها المال، والجزء الآخر استحضر الانتقال الديمقراطي. – لم تجب عن سؤالي. أطرحه بصيغة أخرى: هل ارتكب حزب العدالة والتنمية خطأ حينما تحالف مع أحزاب لا تتحكم في قرارها الحزبي؟ لم يكن خطأ أبدا، فحزبنا في بحث دائم عن حلفاء للتداول حول الانتقال الديمقراطي والمشاركة في تنزيله. وما لا يعرفه كثيرون أن حزب العدالة والتنمية يصدر عن أطروحة للنضال الديمقراطي قائمة على الشراكة بين مختلف الفاعلين السياسيين. – لكن هذه الشراكة هشة وتهاوت بشكل سريع، وقابلة أن تتهاوى أكثر، ومن السذاجة السياسية – عقد شراكة مع حلف «مغشوش» من الأساس. أود أن أطرح سؤالا: كيف تتهاوى هذه التحالفات والشراكات؟ بكل بساطة لأن أيادي الدولة العميقة تتكالب عليها بكل الوسائل، ولذلك أكرر أن عملية الاقتراح لن تحقق شرط النجاح بتوفير شروط معلومة فقط، وإنما عقد تحالفات شفافة ومعقولة. بطبيعة الحال، تعرف هذه الدولة العميقة أن ميزان القوى على مستوى التحالفات يميل لصالحها، وعليه، فهي تزور الإرادة الشعبية متى أتيح لها ذلك، لكني متيقن أكثر من أي وقت مضى بأن الإرادة الشعبية ستنتصر في الأخير. – هل تعتقد أن حزب العدالة والتنمية سيحافظ على مرتبته الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة؟ أعتقد أنه إذا انحاز حزب الاستقلال إلى تيار الشعب، سيحصل حزبان أو ثلاثة أحزاب فقط على أغلبية المقاعد التشريعية، أقصد بالتحديد أحزاب الكتلة الديمقراطية، بالإضافة إلى حزبنا. قناعتنا الراسخة في الحزب هي عدم التفريط في تحالفاتنا، سواء مع الحركة الشعبية أو التجمع الوطني للأحرار، إلا إذا اختاروا هم ذلك. – أفهم أنه رغم أن الحركة والتجمع أسقطا مرشحي العدالة والتنمية في انتخابات الجهات، هل حزبكم مستعد للحفاظ على تحالفه معهما؟ نحن نتفهم أن هذه الأحزاب لم تصوت بإرادتها لأنه كانت هناك ضغوط قوية عليها من طرف الدولة العميقة. ما الذي جعل إسبانيا تحقق نجاحا باهرا في تجربة الانتقال الديمقراطي؟ إنه التحالف بين الملكية وجزء من تيار فرانكو، وكان ثمة جزء آخر يريد الانقلاب على هذه التجربة. الإشكال في المغرب ليس في الإرادة الشعبية، بل فيمن يزورها. رأيي في هؤلاء: مصطفى الرميد: رجل دولة لا علاقة له بخدمة أجندة حزب أو حزبين أو أي جهة كانت. لكن المواطنين والحقوقيين ينتظرون منه أن يشتغل أكثر على المواضيع التي تشغل بالهم، وهو يعرفها جيدا. عبد الإله بنكيران: زعيم بكل المقاييس، لكن عليه أن ينتبه أكثر إلى من هم تحته. رجل مخلص للمؤسسات، ووطني من طينة الوطنيين الكبار إدريس لشكر: موقعه الطبيعي ليس في المكان الذي يوجد فيه الآن. هذه ملاحظة أعبر عنها بشكل أخوي. أتمنى أن يدفع ما حدث في انتخابات مجلس المستشارين مؤخرا إلى اصطفافات موضوعية.