خلال الأسبوع المنصرم، أعلن ناطق عسكري عن الجيش الروسي أن القوات الجوية الروسية استهدفت أكثر من 380 موقعا تابعا لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. وهذه العمليات العسكرية تسلط الأضواء على تطور هام في الملف السوري، حيث إن التدخل الروسي المكثف قد يغير ميزان القوى لصالح النظام السوري ويساهم في إضعاف تنظيم داعش. ويأتي التدخل الروسي بعد أن فشلت الخطة الأمريكية القائمة على تسليح وتدريب المعارضة السورية التي انتفضت ضد النظام السوري منذ سنة 2011، كما يأتي بعد أن نجح تنظيم داعش في التحكم في جزء كبير من التراب الروسي. ولم يتعرض النظام الروسي إلى أي رفض من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية بشأن تدخله العسكري في سوريا لأن واشنطن راجعت موقفها من النظام السوري، وتعلم بأن الإطاحة به قد تؤدي إلى تكريس أوضاع أسوأ بكثير مما هي عليه الآن وقد تقوي تنظيم داعش في سوريا وفي المنطقة عموما، كما أنها غير مستعدة لأنْ تتدخل بكثافة في سوريا وترسل قوات جوية وبرية بعد أن فشلت هذه الخطة في العراق، حيث ساهمت في تقوية التنظيمات والحركات المتطرفة عوض إضعافها والقضاء عليها، بل كانت من أهم العوامل التي ساهمت في إنشاء تنظيم «داعش». وفي الواقع، فإن خطة الولاياتالمتحدةالأمريكية في سوريا تظل غير واضحة في أهدافها، لأن العدو الذي تستهدفه اليوم ليس هو العدو الذي كانت تسعى إلى الإطاحة به عند اندلاع الحرب الأهلية السورية، فهي الآن تريد أن تحارب تنظيم داعش، لكنها غير مستعدة لأنْ تتحالف بشكل علني مع النظام السوري وتكتفي بدعم المعارضة السورية المناهضة للرئيس بشار الأسد. ولهذا، يأتي القرار الروسي في الوقت المناسب بالنسبة إلى الأمريكيين؛ إلا أن التدخل الروسي يطرح إشكالا جديدا لواشنطن لأنه يسمح لروسيا بأن تعزز نفوذها في الشرق الأوسط بعد أن احتلت جزءا من التراب الأوكراني أيام أزمة القرم السنة الفارطة. وأكيد أن روسيا تسعى إلى حماية نظام بشار الأسد من السقوط، لكنها مستعدة كذلك لأنْ تتخلى عن الرئيس السوري إذا اتضح لها أنه يمكن لنظام جديد غير موال لأمريكا أن يحمي مصالحها ويستمر في شراء أسلحة روسية، لأنه بغض النظر عن التلوينات السياسية والإيديولوجية لأهم الأطراف السورية، فإن هدف الرئيس بوتين هو فرض روسيا كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط مثلما كان عليه الحال أيام الحرب الباردة. والخطة الروسية في سوريا لا تتناقض مع المصالح الإيرانية في بلاد الشام لأن النظام السوري يظل أهم حليف لطهران في مواجهة إسرائيل ودعم المقاومة الفلسطينية وحزب الله في سياق دولي يسمح لإيران بأن تركز على تقوية نفوذها في الشرق الأوسط بعد أن تمكنت من التوصل إلى اتفاق في شأن النووي مع أمريكا. إذن، الوضع الراهن في الشرق الأوسط يشكل فرصة لروسيا لاسترجاع شيء من نفوذها في العلاقات الدولية، لكن يمكن أن ينتج عنه كذلك فشل كما وقع إثر التدخل العسكري الروسي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي والذي ساهم في انهيار الاتحاد السوفياتي. ويبدو أن النظام الروسي ليس متخوفا من إمكانية الفشل في سوريا لأن الحرب تظل دائما عملية مربحة لكل من يصنع ويبيع الأسلحة ولا يهتم بمصير المدنيين.