سقوط مدينة تدمر في يد تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام الأسبوع المنصرم يشكل منعرجا في الحرب الأهلية السورية وتشعباتها الجهوية والدولية، ويبين أن محاربة «داعش» تتطلب من الولاياتالمتحدة وحلفائها الجهويين بذل مجهودات أكبر. وسقوط تدمر يسلط الأضواء على التحولات التي عرفها النزاع السوري منذ اندلاعه سنة 2011 بعد أن أطلقت القوات المسلحة النار على متظاهرين احتجوا على اعتقال يافعين تبنوا شعارات مناهضة لنظام بشار الأسد. وفي السنتين الأوليين للحرب الأهلية السورية، كان النزاع لايزال يعتبر مواجهة بين نظام مستبد وسفاك للدماء، من جهة، ومن جهة أخرى مجموعة من السوريين اضطرت إلى حمل السلاح للدفاع عن أمنها وحريتها. وكانت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها يعتبرون آنذاك أن الخروج من النزاع لا يحتاج إلى تدخل عسكري مستهدف لنظام بشار الأسد. وفي ظل التنامي السريع لتنظيم «داعش»، قررت الولاياتالمتحدة في شتنبر 2014 أن تشن غارات جوية ضد مواقعه في سوريا، إلا أن الضربات الجوية لم تنجح في إضعافه، بل استطاع أن يتحكم في جزء كبير من التراب الشرقي لسوريا كما أكد ذلك سقوط مدينة تدمر، الشيء الذي دفع الولاياتالمتحدة إلى الشروع في تدريب مسلحين من المعارضة السورية بالأردن ثم بتركيا، في أفق تكليفهم بمهمة محاربة تنظيم «داعش». والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل الولاياتالمتحدة مستعدة لأنْ تتفاوض مع نظام بشار الأسد لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام؟ وبالرغم من أن إدارة باراك أوباما لم تشرع في التفاوض المباشر مع النظام السوري، فإن أحدا لا يمكنه أن ينكر أن العلاقة بين البلدين دخلت مرحلة التحالف الموضوعي لمحاربة تنظيم «داعش» في المنطقة. وإضعاف النظام السوري في المرحلة الراهنة ليس في مصلحة الولاياتالمتحدة لأن خطتها الحالية ترتكز على محاربة «داعش» على ترابها الأصلي العراقي، بل إن واشنطن توافق ضمنيا على دعم إيران وروسيا المادي والعسكري لسوريا في مواجهتها ليس لتنظيم «داعش» فحسب، بل للقوات المعارضة الأخرى. وفي هذا السياق، يأتي تصريح وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، حول ضرورة التفاوض مع نظام الرئيس بشار الأسد من أجل وضع حد للحرب الأهلية ليؤكد أن الولاياتالمتحدة تعتبره أقل ضررا من تنظيم «داعش». وتطرح الخطة الأمريكية في سوريا سؤالا أخلاقيا: هل رغبة الانتصار على «داعش» تجعل من نظام الأسد نظاما محترما بين عشية وضحاها، وهل تُراها تبرر، مستقبلا، عدم التحري في جرائم الحرب التي ارتكبها في حق فئات واسعة من الشعب السوري؟ بالطبع، هذا النوع من القرارات لا يُتخذ انطلاقا من تساؤلات أخلاقية، وإنما مراعاة للمصالح الأمريكية في المنطقة، لا مصالح الشعب السوري الذي هو من يدفع ثمن هذه الحرب.