استمعنا لخطاب أوباما الذي أعلن فيه أنه مستعد لشن ضربات جوية في سوريا ضد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، حيث لن يسمح بأي «ملاذ آمن» للتنظيم، وأنه وافق على مساعدات عسكرية فورية بقيمة 25 مليون دولار... والحقيقة المرة هي أن صعود الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام «داعش» أعاق الاستراتيجية القديمة للولايات المتحدةالأمريكية المتجلية في دعم وتحفيز المقاتلين الإسلاميين للقيام بأعمال قذرة نيابة عنها في العالم العربي والإسلامي. الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام كيان ولد من رحم الولاياتالمتحدة، وهو نتيجة لجهودها الرامية إلى تغيير النظام في سوريا، هذا الكيان تمرد على أسياده لإقامة خلافة خاصة به استقطبت الآلاف من المقاتلين من جميع أقطار العالم. إذا كُنتَ تستقي الأخبار عن سوريا من وسائل الإعلام الغربية، ستلاحظ أنهم كثيرا ما يستعملون عبارات من قبيل «المعارضة السورية» أو «المتمردون المعتدلون»، علما بأن وسائل الإعلام الأمريكية تعترف الآن بأن المعارضة السورية أو ما يسمى بالمتمردين السوريين «المعتدلين» لا وجود لهم. لقد كانوا دائما عبارة عن سراب، عن كائنات خلقت للدعاية الغربية. أما المقاتلون الإسلاميون فكانوا القوة الوحيدة التي يمكنها تحدي الجيش السوري في ساحة المعركة. النظام السوري نظام استبدادي، وحشي ومنغلق على نفسه. الأجهزة الأمنية والعسكرية فيه تتصرف بوحشية مطلقة. ليس الأمر هو أن لديهم مفهوم مختلف لحقوق الإنسان، الأمر يتعلق بأن ليس لديهم أي مفهوم لحقوق الإنسان .لكن الغريب في الأمر هو أن الغربيين كانت لهم بالأمس القريب الرغبة في استبداله بنظام أكثر ديكتاتورية. واليوم نكتشف أن للولايات المتحدة رغبة في سحق مولودها. بالطبع يمكنها أن تقصف مواقع «داعش» في سوريا، بل إنها تستعد للقيام بذلك، ولكنها ليست هذه هي الخطة التي كان يتمنى أوباما تطبيقها. منذ ثلاث سنوات، عندما أعلن أوباما حربه ضد سوريا، كانت الخطة هي أن تتدفق دماء المجاهدين الإسلاميين من أجل الإطاحة بالرئيس الأسد. وعندما تنجح الخطة يضع الجهاديين الإسلاميين جانبا قبل توزيع الغنائم، وتمكين الغرب من اختيار القادة الجدد لسوريا. هي نفس الخطة التي استعملت في ليبيا، حيث قاد حلف الشمال الاطلسي حربا مولت وسلحت من قبل دول الخليج من أجل الإطاحة بمعمر القذافي. وها نحن اليوم أمام مشهد رهيب ينخر البلد الشقيق، ونرى أن المجموعات المسلحة الليبية ترفض التعامل مع الولاياتالمتحدة وحلفائها. الشبكة الجهادية العالمية التي خلقت من طرف أمريكا في الثمانينيات من القرن الماضي أعلنت عن استقلالها، وليس لواشنطن بديل يحل محلها. لكن سوريا ليست العراق، انتشار القوات الامريكية على الأرض أمر غير مقبول سواء بالنسبة للسكان المحليين أو بالنسبة للشعب الأمريكي. أوباما يقول إن هدف الولاياتالمتحدة وحلفاءها هو سحق «داعش»، لكن هذا الهدف إذا تحقق سيقضي على أي أمل للولايات المتحدة من أجل بلوغ غايتها الاستراتيجية التي هي إسقاط النظام السوري. إذا كان أوباما جادا في رغبته في سحق «داعش»، فإن الحليف المنطقي هو الرئيس السوري بشار الأسد وجيشه، الذي قاوم حتى الآن جميع أنواع الجهاديين الذين تمكنت الولاياتالمتحدة من تسليحهم وإطلاقهم ضده، بما في ذلك «داعش» بتجسيداتها المتنوعة السابقة. لا أحد أكثر من سوريا وجنودها قادر على سحق «داعش»، وإذا كان هدف أوباما هو جعل المنطقة آمنة من «داعش»، فلا بديل له غير تنسيق تحركاته مع الجيش السوري. ولكن، كما ادعت إدارة بوش أن العراق يتوفر على سلاح الدمار الشامل لضمان مساندة الشعب الأمريكي من أجل تنحية صدام حسين وغزو العراق. ولكي تتغلب على هزيمتها بعد هروب «داعش» من فلكها، ها هي إدارة أوباما تدعي سحق الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ويبقى الهدف هو الإطاحة بالرئيس الأسد عبر إلقاء القنابل الأمريكية المدمرة على سوريا، تحت ستار مكافحة «داعش».