لست أدري هل كانت 2009 سنة «عسرية» لكون رقم تسعة الذي تتشاءم منه بعض الشعوب قد تسلل إليها فأشعل فتيل الهجوم الحاقد ضد منظومة الحريات بكافة أصنافها وتعبيراتها السياسية والطلابية والإعلامية، سواء تعلق الأمر بالرأي المطبوع بالحبر أو الرأي السابح وسط خيوط الشبكة العنكبوتية أو المتسلل من مدونات شباب تحولت كلماتهم على شاشة الحاسوب إلى أغلال تُقيِّد أياديهم، فسِيقوا مثل عُتاةِ المجرمين إلى الزنازين المظلمة. 2009 كانت «سنة كل المخاطر والمصائب» بالنسبة إلى الصحافة المكتوبة التي استأنس مُدراء نشرها وصحافيوها بردهات المحاكم وتحولوا إلى قرابين على مذابح الأزمة، بعد أن «فَطِن» الباحثون عن أجوبة للأسئلة المغربية إلى أن الصحافة ليست فقط جزءا من الأزمة المستشرية في كل القطاعات، بل هي نفسها أصل الداء الذي لا ينفع معه سوى العمليات الجراحية الدقيقة، تليها فترات للترويض وإعادة تعلم المشي فوق حقول الألغام. وقد اشتغل مِبْضَع «الجراحين» طيلة السنة في جسد الصحافة ودبَّجوا وصفات تتراوح ما بين العلاج بالحبس النافذ أو موقوف التنفيذ، أو بالغرامات المالية الموظفة ك«سيف دمقليس» المسلط على الرقاب، والتي يمكن إخراجها من الرفوف والثلاجات «العدلية» كلما سخنت الرؤوس وأينعت وأصبحت جاهزة للقطف كأي فاكهة ناضجة. 2009 كانت سنة الكاميرا الخفية بامتياز، والمحطة التي تم اختيارها لتنبيه الغافلين إلى أن الخطوط الحمراء لم «يكشف» لونها كما توهم البعض، بل ازدادت توهُّجا وأَلَقا وانتشرت مثل إشارات المرور التي توقفت كلها عند اللون الأحمر حين اعتقد الواهمون، مرة أخرى، أن الأخضر يبيح المحظورات ويسمح بالتعاطي مع «الطابوهات» المتراكمة داخل نسيج المجتمع المغربي منذ عقود، والتي يرى البعض أن الإبقاء عليها ضمانة أكيدة لاستمرار الأوضاع على حالها، والسيوف الحادة في غمدها تُرهب الحالمين، والامتيازات المنهوبة والموروثة لأقلية نَصّبَتْ نفسها أغلبية. في 2009 تَواصَلَ «تشاش» التلفزات الرسمية المتخلفة بَزَّافْ (وهو جمع بصيغة المفرد)، وعمَّ هذا «التشاش» البثَّين الأرضي والفضائي. ومن المفارقات الوطنية أن المغاربة يؤدون ثمن هذا الظلام التلفزي في فاتورات «الضَّوْ»، فَيَالَها من مفارقة أن يدفع المستهلك ثمن العتمة والظلام الحالك لمن يحاول إطفاء أنوار وعي شعبي يقظ قد يفضل أن يستضيء بالشموع على أن يُفرّط في حقه في أن يرى الحقائق دون تزويق أو أضواء زائفة. ولعل من حق دافعي الضرائب، بل من حق الشعب المغربي أن يمتنع عن دفع القسط الخاص بالتلفزة في فاتورات الكهرباء كاحتجاج حضاري على هذا الغش المفضوح والغفلة بين البايع والشاري. تلفظ سنة 2009 أنفاسها وسلط حَشْدٍ من المُعزِّين في فقيدة عزيزة ومُشْتهاة اسمها «الحرية» التي استشهدت في هذا العام «الأعْسرْ». وإذا ما انْسقْنا وراء التقليد الصحافي في اختيار «رجل السنة» فإنَّنَا سنصوتُ للحرية المكلومة. «امرأة سنة 2009» امرأة جموحة بأجنحة عريضة زاهية الألوان، ما إن يقصّوا لها جناحاٌ حتّى تنْبُتَ لها أجنحة جديدة. الحرية لن تموت أبدا.