تزامنا مع أحداث غزة الأليمة، لم تعد الانترنيت ومن خلالها « الايميسين « برمجية للدردشة الفورية بالصوت والصورة» مجرد مجال لترويج الخطابات الرهاقية الموغلة في الجنس ، والرسائل النصية المائعة الخالية من أي مضمون بين طلبة المدارس والثانويات من الجنسين ، بل أصبحت والعهدة على «كوكل» ميدانا حقيقيا لنصرة غزة ومن خلالها القضية الفلسطينية بوصفها جوهر النزاع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط . معركة إعلامية الكترونية يخوضها الشباب المغربي في المؤسسات التعليمية ، ويديرونها أسلوبا ناجعا لتبديد صمت المجتمع الدولي مطالبين إياه بالتدخل الفوري العاجل لحقن دماء الأبرياء ، منددين بالتواطؤ العربي المخزي ، ومشيدين بصمود هذا الشعب الغزاوي الفلسطيني الصامد المقاوم. الأمر الذي لم تقو الجامعة العربية كإطار سياسي للعمل العربي المشترك على فعله. هذا ما كشفت عنه منظومة الرواج الرقمي على الشبكة العنكبوتية في شقها العربي خلال الأسابيع القليلة الماضية التي تزامنت مع العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة الأبية . ويرى المتتبعون والمهتمون بشؤون النت ، أن هذا التطور النوعي المتمثل في تطويع الانترنيت عربيا وإسلاميا لنصرة القضايا العربية من قبل الشباب في المدارس مذهل على نحو ما ، قد يفرض دراسات وتحاليل أكاديمية مغرضة حول الموقف الممكن اتخاذه حيال الأمر ، والدور المنوط بالأنظمة العربية الحاضنة القيام به مستقبلا من أجل كبح شبابها الجامح ، وحثها من طرف خصوم الوحدة العربية على اتخاذ ما يلزم إزاء هذه المسلكيات النوعية في ثقافة الاحتجاج لدى طلبة المؤسسات التعليمية بالوطن العربي . فقد كشفت مسيرات الغضب الأخيرة التي شهدها المغرب ، والمشكلة أساسا من تلاميذ الاعداديات والثانويات إضافة الى طلبة الجامعات على هامش أحداث غزة الأليمة ، فاعلية الانترنيت كواجهة للنضال ، ثمة دينامية سريعة سواء على صعيد التنسيق واقتراح المبادرات الطلابية للتعبير عن غضبها وتصدير مواقفها تجاه ما يحدث خارج أسوار الفصول ، أم على مستوى تحرير البلاغات والنداءات وسبل تصريفها على محاور عدة إسوة بالمركزيات النقابية الأكثر حضورا على الساحة . وبرز « الايميسين « الوسيلة الأنجع ، من أجل تدبير الاقتراحات وتنشيط فعالياتها ،في أوساط التلاميذ والطلبة على حد سواء ، فبدت الهواتف المحمولة لا تكف عن الرنين ، بفعل الارتجاجات الناتجة عن تدفق الآلاف من الرسائل النصية المعبئة والحاشدة للرأي العام الواردة عبر الشبكة ، والداعية بحماس ملفت الى تفعيل المبادرات الطلابية ورص الصفوف التنظيمية للشباب المتحفز في الزمن والمكان المطلوب ، بالسرعة والفاعلية المتقنة . تحول نوعي غير مسبوق في ثقافة الاحتجاج لدى التلاميذ وطلبة المدارس والكليات ، جرأة واضحة في التعبير عن الموقف ، ونضج حقيقي في الحوار، وإبراز القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر النزاع العربي الإسرائيلي بشكل أربك دوائر القرار. مما يعزز تطوير ثقافة الاحتجاج الشبابية ، ويرتقي بها الى مصاف النضال الواعي الفاعل ، والفاضي الى إسماع صوت الغضب «المستقبلي» إزاء ما يقع من تفريط في الثوابت ، ومن تجاوزات وممارسات تسيء للوضع الإنساني داخل الوطن وخارجه . « 10 ايسميسات من المحمول و10 ايميميسات على الايميسين أرسلتها الى الزملاء في ثانوية ... حتى نكون جميعا في الموعد » يقول تلميذ بإحدى الاعداديات بفاس .. وفي نفس المنحى تؤكد ناشطة جامعية قاعدية وجود تنسيق طلابي في مستوى عال من الأهمية . مما يؤكد أن الفرضية التي تقول بوجوب تأجيل القلق على مستقبل ناشئتنا في علاقتها بالشبكة العنكبوتية صادقة الى حد ما . « سواء تعلق الأمر بالتعبئة الشاملة ، انطلاقا من تحرير الشعارات والنداءات البلاغات وبيانات التجمعات أو تحديد زمن ومكان انطلاق التظاهرات ، بدا الحرص واجبا حول الدور الذي يمكن للانترنيت أن تلعبه «. يقول طالب حقوقي « مما أدى الى تنظيم عدة وقفات احتجاجية حضارية ، والقيام بمظاهرات طلابية ناجحة بكل المقاييس . ويمكن القول أنه ، ورغم حدوت انفلاتات هنا أو هناك ، نتيجة فورة الشباب واندفاعه المقبول ، فان أحداث غزة ، ارتقت بثقافة الانترنيت عند طلبتنا الى مستويات راقية جدا، وباتت الأسلوب الناجع لتفعيل ثقافة الاحتجاج وإسماع صوت الغضب إزاء ما يحدث من جرائم يقف العالم مكتوف الأيدي حيالها . - أنا ما نقرا ، وغزة في القهرة- - -تحية نضالية للسلطة المحلية فليندحر المحتل و العملاء والخونة - والنصر النصر لفلسطينولغزة الجريحة والموت الموت لإسرائيل - ندين، نشجب، نستنكر، نعترض ، نحتج ، أوقفوا العدوان، نرسل مساعدات ، خذوا دمنا ، غذاءنا، افتحوا المعابر» كلها رسائل تم بعثها وتمريرها الى مآت العناوين الالكترونية للطلبة والتلاميذ في مختلف المؤسسات التعليمية بفاس . - فلا مبرر للقلق أيها الآباء ، فمع أحداث غزة ، تبدو الانترنيت في خدمة ثقافة الاحتجاج لدى فلذات أكبادنا ، من هنا ، يمكن الاطمئنان، ذاك المشوب بقليل من الحذر. وكان معلوم لدى الشباب الجامعي المؤطر سياسيا، أن تشديد الحصار من قبل العدو ، وسياسة التجويع المتعمد ونشر الظلام الدامس في أرجاء القطاع ، يأتي كفصل أخير من المؤامرة ، ومقدمة لتدخل عسكري صهيوني مباشر ، يقابله تواطؤ عربي مخز ، و صمت دولي مخدوم . ففي نظر هؤلاء الطلبة فان ، كل شيء كان معد سلفا، من تصريحات وقرارات دولية باردة تسوي بين الضحية والجلاد، لذلك ، عبروا عن مواقفهم بما يلاءم قناعاتهم ، واختاروا الانترنيت لتمرير الشعارات الملائمة من تجريم التطبيع الاقتصادي والثقافي مع الصهاينة ، وفضح المطبعين أيا كانت مواقعهم. واتخاذ موقف عربي مشترك و دعوا أساتذة جامعاتهم إلى عقد شراكات ومبادرات توأمة بين جامعات المغرب والجامعة الإسلامية بقطاع غزة . كما دعوا الشعوب الإسلامية والعربية والضمائر الحية الإنسانية إلى العمل على وقف هذه المحرقة وإنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، التي باتوا يرونه جوهر المأساة والمشاكل بالمنطقة كلها. باحتجاج سياسي رصين إذن ، وعبر وتظاهرات شبابية واعدة . كانت العديد من الشوارع والممرات فضاءات لها عكستها الانترنيت صورة وصوتا ، ندد الالاف من التلاميذ بما تتعرض له غزة الصامدة من عدوان همجي بربري . «كل من يحمل مشاعر إنسانية حقيقية، لابد أن يتأثر لما يجري اليوم داخل قطاع ، فالقضية قضية إنسانية بالدرجة الأولى تقول طالبة جامعية « مضيفة كل من يشاهد أشلاء المئات من الشهداء والجرحى والمعطوبين من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب لا بد أن تتحرك فيه مشاعر الآدمية» ويقول طالب اعتمر كوفية فلسطينية وحمل جثة طفل شهيد « لابد أن ينحاز العرب والمسلمون إلى الصف الفلسطيني، الآن وليس غدا ، أمام هذه الجريمة البشعة « ولابد أن يعبر الجميع عن تضامنه مع سكان غزة بكل الوسائل الممكنة.» ويرى طالب آخر الامر على نحو أكثر عمقا « لا يهم أن كانت إسرائيل تهدف من عدوانها على غزة إسقاط حكومة حماس، واستنزاف قوة حماس تحت تبريرات مخدومة ، سيأتي الوقت للنظر فيها ومعالجتها. ينبغي توحيد الصف الفلسطيني الان..» مظاهرات واحتجاجات شهدتها- ومازالت- جميع المدن المغربية كما في عواصم العديد من الدول العربية ومعظم الدول الأوربية احتجاجًا على العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، صاحبها أيضًا مواقف غضب واحتجاجات عارمة مظاهرات إلكترونية عبر آلاف من الرسائل الالكترونية التي تدفقت بسرعة رقمية من الهواتف المحمولة وعبر المنتديات والبلوغات والمواقع الشخصية على الإنترنت. الى ذلك بدأ الطلبة المغاربة « جهادهم الالكتروني » ضد الكيان المحتل ، وأعلنوعا حربًا نَفْسية بلا هوادة لاستنزاف العدو الكيان « إسرائيل « في محاولة تأكد نجاحها لمساندة 1.5 مليون فلسطيني منكوب ومحاصر في قطاع غزة الأبية ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي راح ضحيته حتى الآن نحو 1000 شهيد و 5000 جريح. فقد انطلقت الاحتجاجات الالكترونية في صور لا هبة ، مظاهرات ، نداءات ، حشد رأي عام ، تعبئة قارية، حملات مقاطعة ، رسائل تضامن بكل اللغات ، إنها حملة إلكترونية عبر الإنترنت لا تَقِلُّ عن نظيرتها بالقسام والكراد والعبوات الناسفة التي تمطر بها المقاومة الباسلة جحافل العدو الغادر على أرض فلسطين الطاهرة، لجوء الشباب المغربي تلاميذ وطلبة اعداديات وثانويات وجامعات الى الانترنيت ومن خلاله العربي الى الايميسين للتعبير عن مواقف أنظمة الحكم المتخاذلة في بلدانهم يعتبر في نظر المهتمين طفرة نوعية محسوبة على وعي مستقبلي مدروس بما يمكن أن تقدمه الانترنيت لإذكاء ثقافة الاحتجاج ، تنهيدة لا يمكن أن تمر هكذا دون مساءلة وتمحيص. «التضامن الإلكتروني» عبر الإنترنت، ليس خاصية مغربية ، ولكن عولمية بالأساس، حيث شهدت فترة الهجوم الإجرامي على قطاع غزة إنشاء عشرات المواقع إلا لكترونية ، ومنافستها في تقديم شرائط قنص مقاتلي القسام وأبطال المقاومة من كل الفصائل للجنود الصهاينة المذعورين والمرتبكين ،. من هذه المجموعات من يدعو لنصرة غزة تحت عنوان «وقفة مع أهالي غزة... متى نفيق من الغفلة» وأخرى «ضد المحرقة والإعدام الجماعي في غزة. كما أطلق الشباب العربي عشرات المجموعات على «فيس بوك» لدعم أهل غزة، وفي سيا ق متصل تمكن بعض الفلسطينيين من اختراق موجات بثّ إذاعة الجيش الإسرائيلي، وحملت التقارير أنهم بثّوا بيانات «حماسية» عبر أثير الإذاعة تدعو إلى تصعيد «المقاومة الفلسطينية وتتوعد الإسرائيليين بالردّ». وفي خطوة جريئة ، نصح نشطاء عرب على الانترنيت كل «من سيتصل بتل أبيب بأن يقول لهم باللغة العبرية الجملة الآتية « تسِيؤو مِ باتيخم أَخْشاف.. أَنخْنو نَتْكيف تل أبيب » ، أو « Get out now.. We are going to bomb Tel Aviv » باللغة الإنجليزية، وتعني: «اخرجوا فورا.. سنفجر تل أبيب».