كتاب:"المثقفون المزيفون" صرخة ضمير حي و شهادة موثقة، تفتل في حبل من سبق : جوليان بندا في "خيانة المثقفين"؛ و بول نيزان في "كلاب الحراسة"؛ و جون بول سارتر في مواقفه الداعمة للطبقات الكادحة… يكشف فيه ستائر الجريمة الجديدة والخطيرة الممثلة في تزييف الوعي والكذب المتعمد و تغيير الوقائع بهدف التأثير في الجمهور و توجيه الرأي العام، طبقا لأجندة يختلط فيها السياسي بالمالي والإيديولوجي بالطائفي، في بعد تام كل البعد عن منطق البحث عن الحقيقة و تمجيدها. "المثقفون المزيفون" هو خلاصة تقص موضوعية لحالة الابتذال الفكري و التدني الثقافي و التلاعب الإعلامي الذي يعرفه المشهد الفكري و الثقافي و السياسي و الإعلامي الفرنسي، بعيدا عن منطق تصفية الحسابات الشخصية أو الإيديولوجية الضيقة. يتتبع فيه باسكال بونيفاس ألمع الوجوه الفكرية و الثقافية المتربعة على عرش الشاشة الفرنسية، بداية بظاهرة برنار هينري ليفي قيصر الإعلام الفرنسي؛ و ألكسندر آدلر؛ و فرانسوا هزبورغ؛ و فريديرك إنسل؛ و تيريز دبلش؛ و كارولين فوريست مدللة وسائل الإعلام الفرنسية. و ليس من الغريب أن يكون الجامع المشترك بين هذه الأيقونات الثقافية_الإعلامية؛ دعمهم المطلق و اللا مشروط للوبي الإسرائيلي، في مقابل إصابتهم بالإسلام فوبيا. ثم قربهم الحميم من دواليب السلطة و القرار بالإليزيه. و هو ما يفسر بالامتيازات العديدة التي يحظون بها ماديا و إعلاميا و سياسيا. لكن يبقى الأهم هو عدم ترددهم في تزييف الحقائق ونشر مغالطات لا علاقة لها بالواقع. فهم لا يتورعون من أجل كسب معاركهم و سجالاتهم بالتضحية بالحقيقة من أجل الانتصار و الظهور و إرضاء أصحاب القرار و النفوذ ! «قلت بشأن الحرب على غزة، أشياء صحيحة جدا وحقيقية جدا نادرا ما نسمعها من شخص مسلم»! هكذا قدمه الصحفي في «جوداييك إف إم» في 11 ديسمبر 2010، هكذا فقد وشى برعونته! مسلم ومؤيد لإسرائيل! من هنا تأتي أهمية محمد سيفاوي. في المقدمة التي وضعها لكتاب كلود مونيكيه:غزة؛ الكذبة الكبرى».كتب «أصر على القول بوضوح ودون مواربة بأنني في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، أؤيد الجيش الإسرائيلي في صراعه المشروع ضد هذه المنظمة الإرهابية التي تحركها «الإيديولوجية الفاشية» التي هي نظرية الإخوان المسلمين. فأنا مسلم ديمقراطي وعلماني. أنتمي إلى اليسار ومنفتح جدا على القضية الفلسطينية وفوق ذلك شديد التمسك بحق هذا الشعب في أن تكون له دولة سيدة حرة ومعاصرة؛ ديمقراطية ومزدهرة». سيقوم سيفاوي، إذن؛ وباسم وجود دولة فلسطينية، بالدفاع عن حرب ستوقع نحو 1400 شهيد بين سكان غزة المدنيين. مسؤولية عدم وجود دولة فلسطينية، تتحملها حماس وحدها بالطبع! من الأصعب العثور على تصريحات لسيفاوي تتهم إسرائيل برفض تحرير الأراضي الفلسطينية ! لكن تأييد الحرب لا يكفي. يمضي سيفاوي إلى أبعد من ذلك، فالتظاهرات التي تقوم بها وجوه سياسية ذات حضور في وسائل الإعلام أو في منظمات اجتماعية تنتمي إلى اليسار، ضد حرب غزة، أي بالضرورة، من وجهة نظره، مؤيدة لحماس والجهاد الإسلامي «هي بالنسبة لليسار الذي أمثله أمر لا يطاق»! ويتابع شارحا لنا أسباب ألمه، «لأن الإيديولوجية الإسلامية هي نوع من قص_لصق للنازية، بعد إعادة نظر طفيفة فيها».! يا له من تحليل متقن إلى أقصى الدرجات! ويتابع «منذ أن وجدت الحروب، يدفع المدنيون الثمن الباهظ، ورغم اعتراض البعض، فإن هذا لا يجعل من ذاك الذي يقصف مجرم حرب!». الاتفاقات والقانون الدولي يرى العكس! عربي ومؤيد لإسرائيل! المفارقة تتضح، حيث يقف سيفاوي إلى جانب إسرائيل باسم النضال ضد عدو مشترك المتمثل في الإرهاب الإسلامي. إنه يقول بأنه يعرف الإرهاب عن كثب وأنه في الموقع الصحيح لمحاربته. لقد استباح هذا الإرهاب بلده الأصلي الجزائر، الذي اضطر لمغادرته بسبب معارضته للإرهابيين، وبسبب سياسة «المصالحة» التي اعتمدها الرئيس بوتفليقة في 1999. تقول الأسطورة التي نسجت حول سيفاوي بأنه فر من الجزائر بعد أن نجا من اعتداء نفذه «إسلاميون»، وأودى بالعديد من الضحايا، وبأنه غادر الجزائر بعد عودة بوتفليقة والعفو الذي منح لإرهابيين سابقين، والذي تزامن مع القمع الذي تعرض له الديمقراطيون ! ويجب التذكير فقط بأن سيفاوي قد ذهب للشهادة لصالح قائد الانقلاب العسكري في 1992 الجنرال خالد نزار في دعوى رفعت ضد ضابط جزائري سابق هو حبيب سوايدية، صاحب كتاب «الحرب القذرة»، والذي كشف عن الجرائم البشعة التي ارتكبتها القوات الخاصة التابعة للجيش الجزائري في ما عرف بالعشرية السوداء. وسرعان ما أصبح سيفاوي، المهاجم العنيف «للنزعة الإسلاموية»، خبيرا تتم استشارته في وسائل إعلام عديدة ونظرا لمعرفته للعدو من الداخل، لا يمكن اتهام سيفاوي بمعاداة العرب. أو بمعاداته للإسلام، لأنه عربي و»مسلم». وعلى خلفية مناخ ما بعد 11 سبتمبر، سوف يظهر صاحبنا على كل المنصات التلفزيونية لممارسة هجومه العنيف على «الإسلاموية». يتحدث عن الفاشية الخضراء الجاهزة للاستعراض في الشانزيليزيه (ص19) داعيا إلى مكافحتها. على امتداد صفحات الكتاب العريضة جدا، والبالغة 178 صفحة، يستخدم سيفاوي مفهوم «إسلاموي» 225 مرة من دون أن يعطيه ولو تعريفا واحدا، اللهم مماثلته مع الفاشية والنازية والشمولية. في موقع «بقشيش» نشر مقال بعنوان «حملات سيفاوي» في 15 نوفمبر 2006، يتحدث فيه جان مولان عن سيفاوي بوصفه شهيدا حقيقيا لقضية معاداة الإسلام الحالية التي يميل إليها ميلا خاصا والتي ستفيده حتما بوصفها حجة تسويقية تمكنه من الاستمرار في تحصيل سعر جيد، لقاء ريبورتاجاته ونظرياته اللاذعة. والتي تحتل حيزا ضخما في وسائل الإعلام الفرنسية السمع_ بصرية. عندما خصص لسيفاوي روبورتاج على قناة Arte ضمن أمسية كرست ل»المسلمون الذين يقولون لا للإسلاموية»، قيل في التقديم: «إننا لا نستمع إليهم بما يكفي ! ولا نعطيهم فرصة الكلام بما يكفي !..هذا المساء الديمقراطيون المسلمون وحدهم يتكلمون». البرنامج برعاية مشتركة بين شارلي إيبدو وليبراسيون، ومن إنتاج دانييل لوكونت؛ وإخراج أنطوان فيتكين أحد أبرز المحافظين الجدد بفرنسا. القول بأن سيفاوي لا يستطيع التعبير عن نفسه، وأنه من الصعب انتقاد الإسلام في فرنسا يبدو مثيرا للاستغراب ! في 5 أكتوبر 2009 استقبلته لجنة من مركز البحوث المتعلقة بالإسلام الفرنسي وسألته: «لماذا لدينا الانطباع بأن التيار الأصولي هو الغالب في بلدك؟ ولماذا نادرا ما تسُمع أصوات مسلمين ديمقراطيين مثلك ؟» أجاب : «لأن بعض مسؤولي البرامج التلفزيونية يرفضون ذلك إيديولوجيا، وبعضهم الآخر ممن يسعون في المقام الأول إلى استقطاب نسبة استماع عالية، يفضلون ضيوفا منسجمين أكثر مع الصورة التي رسمها الجمهور العريض للمسلمين مثل طارق رمضان الذي نعلم بأنه يجتاح الشاشات، المثقفون شديدو الاندماج مثلي أو مثل أشخاص آخرين لا يثيرون الاهتمام، لأنهم خارج خانتهم» ! هنا نرى وقاحة سيفاوي. لدية دعوة مفتوحة في كل وسائل الإعلام، بينما يقاطع طارق رمضان بشدة ! يقدم سيفاوي نفسه على أنه شهيد! بينما الآخر ساكن جنيف مرهقا تحت الدعوات القضائية والمتابعات! ومع ذلك فما أن يقع اعتداء إرهابي أو يكون هناك إنذار بوقوعه حتى يهرع سيفاوي إلى منصات التلفزيون. تشهيره بالإسلام يحل محل شهادة الخبرة. وعند التدقيق أكثر في هذه الشهادة نجد أنها مشبوهة ولا يمكن الاعتماد عليها. المشكلة الأساسية التي يطرحها سيفاوي، ليست في كون هذا التشهير بالإسلام أجوف، فثمة عنصر آخر أخطر بكثير يفترض أن يجعل وسائل الإعلام تحترس أكثر في اختيار مدعويها، إذا كان همها احترام الجمهور. في الواقع، فقد ضبط سيفاوي بالجرم المشهود في روبورتاج تضاربت حوله الآراء بتاريخ 27 ديسمبر 2003.