أثارت عملية الملاحظة الانتخابية التي قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الكثير من الأسئلة والانتقادات، بل حدث الكثير من الخلط السياسي لدى منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بين ملاحظي المجلس وبين ملاحظي باقي الجمعيات الأخرى وقضاة المنازعات أيضا. في هذا الحوار، يجيب محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عن الأسئلة المتعلقة بالملاحظة الانتخابية والمهام التي اضطلع بها المجلس أثناء الانتخابات الجهوية والجماعية الأخيرة، منتقدا في الحوار الأحزاب السياسية التي لم تبلور موقفا سياسيا واضحا من تصويت حملة السلاح. وحول مهام الملاحظة الانتخابية، أكد الصبار أن الانتماء إلى حزب سياسي لا يتنافى مع مهمة الملاحظ الانتخابي. – أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان أخيرا تقريره الأولي بخصوص ملاحظة الانتخابات الجماعية والجهوية، وإذا كان الرأي العام والمتتبعون قد تمكنوا من التعرف على أهم خلاصات التقرير الأولي، فإن السؤال المطروح هو ما هي المنهجية التي اعتمدتموها لإجراء عملية الملاحظة، أطرح السؤال لأن الكثير من الفعاليات وجهت إليكم انتقادات حول هذا الموضوع بالذات؟ أرى أن هذا السؤال هام جدا، فإلى جانب تحليل الإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بالعمليتين الانتخابيتين والذي انطلق منذ شهر أبريل، حيث تتبع المجلس الوطني لحقوق الانسان مسار إنتاج القانون التنظيمي 34.15 المغير والمتمم للقانون التنظيمي 59.11، بالإضافة إلى باقي النصوص التنظيمية المتعلقة بإجراء هذين الاستحقاقين الانتخابيين، فإن المجلس طور اختياره المنهجي فيما يتعلق بالتتبع الميداني لسير العمليات الانتخابية المذكورة. وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن الاختيارات المنهجية المعتمدة في ملاحظة الانتخابات الجماعية والجهوية، هي نتيجة تطوير مستمر لمنهجية الملاحظة منذ إطلاق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان السابق لهذه العملية بمناسبة الانتخابات التشريعية ل2007، وهي أيضا نتاج تراكم مستمر لتجارب ملاحظة الانتخابات لسنة 2009، الاستفتاء الدستوري لفاتح يوليوز 2011، والانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011. – هل تغيرت المنهجية المعتمدة بالمقارنة مع الانتخابات الماضية؟ منهجية الملاحظة الانتخابية المعتمدة من قبل المجلس، خضعت للتطوير أيضا من خلال تبادل التجارب والخبرات مع مجموع الهيئات الدولية والوطنية للملاحظة، ويمكن الاطلاع على ذلك من خلال أعمال ورشة تبادل التجارب بخصوص ملاحظة الانتخابات التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمعية جميع الهيئات التي قامت بملاحظة الانتخابات التشريعية لسنة 2011 والتي نشرت أعمالها سنة 2012. وهكذا تم اختيار الملاحظة وفق عينتين الأولى خاصة بالحملة الانتخابية والثانية خاصة بيوم الاقتراع. كما تم اعتماد الاستمارة كتقنية أساسية لجمع المعطيات، وهذه الاستمارات يقوم الملاحظون بتعبئتها إلكترونيا في قاعدة معطيات مركزية يسهر فريق علمي تابع للمجلس على تحليلها. كما أن التعبئة الإلكترونية للاستمارات تخضع لمراقبة الجودة من خلال عمل المنسقين الجهويين لملاحظي المجلس. كما تخضع للمراقبة اللاحقة من خلال مقارنة عينة عشوائية من الاستمارات الإلكترونية مع مثيلاتها المعبأة ورقيا، علما أن لكل استمارة رقم تسلسلي يمكن من ضمان تتبعها traçabilité. – بيد أن العينة لا يمكن أن تعبر في بعض الأحيان عن الحقيقة في الميدان… الطريقة التي اعتمدناها يمكن أن تصل إلى نتائج تقريبية يمكن توظيفها في الأبحاث المرتبطة بالانتخابات، ففيما يتعلق بعينة الملاحظة خلال الحملة، فقد تم بناؤها اعتمادا على المعايير التالية: استحضار الثقل الإداري والديمغرافي الجماعة مركز الإقليم والجماعة مركز الجهة باعتبار التقطيع الجديد وإحصاء 2014 ، كما تم إدراج جميع الجماعات الخاضعة لنظام المقاطعات (طنجة، فاس، الرباط، سلا، الدارالبيضاء، مراكش). إضافة إلى ذلك ضمت عينة الملاحظة جماعات متسمة بالهشاشة تم تحديدها بناء على تقاطع خريطة الفقر الجماعية لسنة 2007 مع الجماعات والأحياء المستهدفة بالشطر الثاني من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عبر برامجها الخمسة: برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي، برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري، برنامج محاربة الهشاشة، البرنامج الأفقي، برنامج التأهيل الترابي. واستحضر المجلس أيضا في بناء عينته الجماعات التي سجلت معدلا مرتفعا في عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 2011 وكذا الجماعات التي تسود بها أنشطة اقتصادية محددة تقتضي كثرة التنقل (قرى الصيادين، مناطق اعتيادية للترحال، تنقلات مرتبطة بأنشطة اقتصادية معينة كالفلاحة مثلا). وتدخل ضمن عينة ملاحظة المجلس أيضا الجماعات صعبة الولوج إما لضعف البنية التحتية أو لظروف جغرافية ومناخية قاسية. – في تقرير سابق، تحدث المجلس عن الهشاشة الانتخابية دون التفصيل فيها، ماذا تقصدون بالتحديد؟ لقد طور المجلس منذ 2009 مفهوما إجرائيا هو مفهوم الهشاشة الانتخابية لتحديد الجماعات المطبوعة بتواتر المخالفات الانتخابية وارتفاع معدل المنازعات الانتخابية. حيث يلاحظ المجلس ظروف إجراء العملية الانتخابية في هذه الجماعات. وهنا ينبغي أن أشير إلى أن تحديد الهشاشة الانتخابية يتم حتى بين استحقاقين انتخابيين مختلفين، وهكذا فإن جماعة مولاي يعقوب مثلا دخلت عينة الملاحظة بالنظر لتاريخ المنازعات الانتخابية الخاصة بها والتي تعود إلى الانتخابات التشريعية. وقد تلاحظون أن معايير بناء عينة ملاحظة المجلس بخصوص الحملة الانتخابية، لا تتضمن معايير أخرى تدخل في مجال السوسيولوجيا الانتخابية، كعدد الترشيحات ومؤشر التنافسية وبنية النتائج برسم الاستحقاقات الجماعية السابقة، ذلك أن استبعاد هذه المعايير راجع لمتطلبات احترام مجال اختصاص المجلس من جهة وخصوصية مقاربته من جهة أخرى. فالمقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان تنطلق من فرضية ترابط الحقوق بما فيها الحقوق السياسية (التي تعتبر المشاركة الانتخابية من بينها) والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو المنظور الذي تنطلق منه ملاحظة المجلس، في تكامل مع الاختيارات المنهجية لباقي الهيئات الوطنية والدولية المعتمدة للقيام بالملاحظة. كما أن هذا المنظور نفسه هو الذي يفسر الطابع التفصيلي لأسئلة استمارات المجلس، حيث تبلغ أسئلة استمارات الحملة الانتخابية الجماعية والجهوية 75 سؤالا لكل منهما، وأسئلة استمارات الاقتراع 169 سؤالا تغطي مختلف مراحل العملية من الاقتراع، إلى الإعلان عن النتائج مرورا بالفرز وإحصاء الأصوات. – بماذا اتسم العمل الميداني لملاحظات وملاحظي المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟ تم التقيد الصارم بالمعايير وكذا بمخطط انتشار الملاحظات والملاحظين من ملاحظة الحملة الانتخابية في 750 جماعة أي ما يناهز نصف الجماعات بالمغرب. أما بخصوص يوم الاقتراع، فقد تمكن ملاحظات وملاحظو المجلس من ملاحظة مجريات الاقتراع والفرز وإحصاء الأصوات وإعلان النتائج في 1800 مكتب للتصويت، ومكتب تصويت مركزي ولجنة إحصاء، وهو ما يمثل 4،5 بالمائة من مجموع مكاتب التصويت البالغ عددها 39230. مما ساهم في المجهود المشترك للهيئات المعتمدة الذي مكن من ملاحظة أكثر من 22000 مكتب تصويت، أي ما يناهز 56 % من مجموع مكاتب التصويت، وهو ما يتجاوز بكثير العتبة التي حددتها المعايير الدولية للملاحظة الانتخابية وهي 3 بالمائة. وقد اعتمد ملاحظو وملاحظات المجلس مخطط انتشار محدد لملاحظة الاقتراع داخل الجماعات المشمولة في العينة، حيث غطى كل ملاحظ أو ملاحظة 4 مكاتب تصويت خلال الاقتراع. وإلى غاية الساعة التي يجري فيها الاستجواب، تمت التعبئة الإلكترونية والتحقق ومعالجة 3375 استمارة حملة انتخابية برسم الانتخابات الجماعية، و3237 استمارة حملة انتخابية برسم الانتخابات الجهوية و1829 استمارة خاصة بيوم الاقتراع. وبصفة عامة فقد تم اعتبار مكتب التصويت كوحدة صغرى للملاحظة والجماعة كوحدة كبرى بالنسبة للانتخابات الجماعية وبينية بالنسبة للانتخابات الجهوية. ولذا أستطيع أن أؤكد أن بناء التقرير الأولي للمجلس تم بشكل مؤسساتي وجماعي بالمعالجة العلمية للمعطيات الميدانية المتوصل بها عبر استمارات 474 ملاحظا ميدانيا تم تأطيرهم من طرف 13 منسقا جهويا. – أثير كثيرا مفهوم حياد الملاحظ خلال الانتخابات، فيما وجهت أحزاب سياسية كثيرة انتقادات لبعضهم بعد انخراطهم في الحملات الانتخابية؟ للجواب على هذا السؤال؛ يكفي التذكير ببعض المقتضيات القانونية البديهية. إن حياد الملاحظ أو الملاحظة يتم إدراكه من خلال تحديد الموقع الخاص للملاحظ المحايد والمستقل للانتخابات والذي لا يعتبر ممثلا للوائح المترشح أو المترشحين في مكتب التصويت، ولا يعتبر مترشحا، ولا يعتبر مساعدا للحملة الانتخابية ولا يعتبر إدارة انتخابية ولا يعتبر قاضيا للمنازعات الانتخابية. فموقع الملاحظ هو بالتالي وضع خاص تقوم فيه الهيئة المعتمدة وملاحظوها وملاحظاتها بالتتبع الميداني لسير العمليات الانتخابية، تجميع المعطيات المتعلقة بسير الانتخابات بموضوعية وتجرد وحياد، وتقييم ظروف تنظيم العملية الانتخابية وإجرائها ومدى احترامها للقواعد الدستورية والنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والمعايير الدولية وكذا إعداد تقارير بشأنها تتضمن ملاحظات الجهات المعدة لهذه التقارير وعند الاقتضاء توصياتها التي ترفعها إلى السلطات المعنية. وهذا هو تعريف الملاحظة الوارد في المادة 1 من القانون 30.11 والذي يحدد بشكل مضبوط وواضح موقع الملاحظة المحايدة والمستقلة التي تتكامل مع عمل باقي الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية ولا تحل محلهم. – هل الإقصاء السياسي يتنافى مع مهام الملاحظة المستقلة والمحايدة؟ المادة 5 من القانون 30.11 تنص على أنه يشترط في الملاحظين والملاحظات المغاربة المقترحين للقيام بمهمة ملاحظ الانتخابات ألا يكونوا مترشحين في أي دائرة من الدوائر الانتخابية برسم الانتخابات الجاري تنظيمها، وأن يكونوا مسجلين في اللوائح الانتخابية. هذه هي الشروط المحددة في القانون ولم يشترط القانون أي شرط إضافي كعدم الانتماء السياسي للملاحظين والملاحظات مثلا، علما أن الجماعة الوطنية للملاحظين متميزة بتعددها الفكري وتنوع مقارباتها للملاحظة وأن حياد الملاحظين ينبغي تقييمه فقط على ضوء احترام القانون 30.11 وميثاق الشرف الذي أعدته اللجنة الخاصة للاعتماد. كما تجدر الإشارة إلى أن الحق في الانتماء السياسي يبقى حقا مكفولا بمقتضى الدستور والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والمقتضيات القانونية لضمان حياد الملاحظة المستقلة والمحايدة محددة في القانون 30.11 وميثاق الشرف. هذا وقد أقدمت لجنة الاعتماد على سحب اعتمادات 27 ملاحظة وملاحظ: 18 منهم بناء على طلبهم من أجل التقدم بترشيحاتهم برسم الانتخابات الجماعية والجهوية و9 لعدم التزامهم خلال الاضطلاع بمهامهم بالمقتضيات القانونية ذات الصلة بالحياد الواجب. وهذه النسبة الضعيفة للغاية تبرز روح الالتزام المدني الذي برهن عليه مختلف الملاحظات والملاحظين المعبئين من طرف المجلس ومن طرف الجمعيات والهيئات الأخرى المعتمدة. – كان هناك نقاش كبير حول تصويت حملة السلاح، فالأحزاب السياسية لم تستطع إلى حدود الآن أن تعبر عن موقف واضح في هذا الموضوع بينما قالت الحكومة إنه يجب تحييد حملة السلاح، وإلى حدود اللحظة لم نر أي موقف واضح وصريح من طرف المجلس فيما يخص هذا الموضوع؟ لست متفقا معك، لأن المجلس سبق له أن اقترح تصويت حملة السلاح، وإذا كانت الأحزاب السياسية متوجسة من التعبير عن هذا الموقف فإننا نعبر عنه بصراحة كبيرة. حملة السلاح جزء من الشعب المغربي، ويدفعون الضرائب للدولة ومن حقهم الاستفادة من التنمية المحلية في الجماعات والجهات، بمعنى أن التصويت ليس سياسيا، بل يتعلق بمصالح محلية ينبغي على حملة السلاح المشاركة في اختيار من يريدون لتمثيلهم. وأقصد بحملة السلاح الشرطة والجيش ومناديب المياه والغابات.. كل هؤلاء يجب أن ينخرطوا في التصويت في الانتخابات الجهوية والجماعية.