وجد زملائي، الصحفيون الإيطاليون الذين حلوا بالمغرب في زيارة لأقاليمنا الجنوبية، صورة مغايرة للمنطقة تختلف شكلا ومضمونا عما يروج له الإعلام الإيطالي، خصوصا اليساري منه، إذ كان الواقع الملموس أقوى شهادة من الوثائق والمقالات التي نسخوها من شبكة الأنترنيت ومما تروج له البوليساريو بجهات إيمليا رومانيا وتوسكانا ولازيو. فقد عبر لوكا كارميلو، صحفي إيطالي بجريدة «لاريبوبليكا» المعروفة، عن مفاجأته بالبنية التحتية في مدن الجنوب وباستقرارها الأمني وبمجال الاستثمار فيها بعد أن أكد أنه كان في السابق يعتقد أن سكان هذه المناطق مازالوا يعيشون تحت الخيام وفي ظروف قاسية وأن هناك توترا أمنيا بالمنطقة. وقال إنه يتابع تطورات النزاع حول هذه المنطقة باهتمام بالغ، مؤكدا أن فكرته تغيرت تماما بعد زيارته لها. أما مدير مجلة بييمونتي بشمال إيطاليا، فتصوره للمنطقة كان مغايرا قبل أن تطأ قدماه أراضيها الواسعة، فقد تعرف عليها من خلال المخيمات الصيفية لأطفال البوليساريو التي كان ينظمها اليسار الإيطالي بعدد من الجهات بإيطاليا، بما فيها جهة بييمونتي. «صورة أطفال مساكين تجلبهم جمعيات موالية لليسار الإيطالي إلى عدد من جهات شبه الجزيرة الإيطالية، كان ذلك، على ما يبدو، محاولة من البوليساريو لكسب تعاطف الإيطاليين مع أطروحتهم، وبالتالي فإن هذه الصورة كانت تظهر انعدام الاستقرار بهذه المناطق. لقد تجولت لوحدي بمدينة العيون وقطعنا مسافات طويلة حتى الداخلة، فلم أرَ إلا الأمن والسلام»، يحكي ستيفانو دي باتيستا، مدير مجلة «بييمونتي» الإيطالية. أما باولو دي جان أنتونيو، الصحفي الإيطالي الشهير بقناة «راي 2» الوطنية، المعروف بحياده والمعروف بربورتاجاته الساخنة ببؤر التوتر بالشرق الأوسط، فقد كان عمليا أكثر وأجرى، بحرية بالغة، مجموعة من اللقاءات والجولات بمدينة العيون، بما فيها لقاء مع عم أميناتو حيدر، ليكتشف إلى أي حد كان الإعلام الإيطالي مقصرا في هذا الملف باعتماد أقسام تحريره فقط على ما يرويه ويروجه الجانب الآخر دون أن يتحرك الصحفيون الإيطاليون في اتجاه القيام بجولة في الجنوب المغربي لمعرفة حقيقة ما يجري. قبل أن يتوجه الوفد الصحفي في زيارة إلى كل من مدينتي بوجدور والداخلة، كان عليه أن يلتقي بمسؤول أوربي سامٍ ضمن المينورسو، هذا الأخير الذي قرر الحديث مع أعضاء الوفد الصحفي الإيطالي، لكن بشكل غير رسمي، بعد أن أكد لهم أن الأوامر العليا القادمة من نيويورك تمنعهم من إجراء لقاءات صحفية وتلزمهم بعدم منح معلومات دقيقة حول ما يجري بخصوص ملف النزاع، وطلب منهم أن يكون حديثه معهم مجرد دردشة عادية يتم التطرق فيها إلى الوضع بشكل عام، ليؤكد لهم أن جنوب المغرب ينعم بالأمان والسلام ولا وجود لأي مشاكل تذكر، قبل أن يوضح لهم أن الحل الأمثل لهذا النزاع هو مشروع الحكم الذاتي الذي أعلن عنه المغرب. تصريحات مسؤول المينورسو غير الرسمية لم تفند فقط القلق المبالغ فيه لبان كي مون بخصوص ملف الصحراء بل حتى الأخبار التي يتداولها بعض الصحف الغربية عن الوضع في المنطقة، وقال: «منذ سنوات وأنا في هذه المنطقة وأعرفها جيدا كما أعرف سكانها وطبيعتهم، وأرى أن المغرب لعب دورا كبيرا في تحسين ظروف العيش فيها». لم تكن المعلومات التي صرح بها المسؤول الأممي تأكيدا لما عاينه الصحفيون الإيطاليون بأنفسهم فقط بل جعلت عددا منهم يتساءل أيضا عن السبب الذي يجعل صحفا حرة بأوربا، وإيطاليا بشكل خاص، تتعامل مع هذا الملف بشكل غير محايد، في وقت اعتبر فيه آخرون أن المشكل يكمن في غياب استراتيجية إعلامية مغربية بإيطاليا لتمكين الإيطاليين من فهم ما يجري حقيقة بالأقاليم الجنوبية. صحفي آخر قال: «أنا، من جهتي، وللأمانة الإعلامية، سأنشر عددا من الروبورتاجات عما شاهدته ولامسته، وسأقوم بإجراء بعض التغييرات على المعلومات المنشورة بموقع ويكيبيديا حول هذا الموضوع».