حينما اعتقد الجميع أن صفحة جيش التحرير المغربي، بكل تناقضاتها، قد طويت إلى الأبد، ظهر رجل اسمه زكي مبارك، قادته الصدف إلى أن يضع يده على أخطر وثائق جيش التحرير حساسية. في سيرة زكي مبارك الكثير من الأحداث والشخوص. يقول إنه كان دائما يشتغل بجبة الأكاديمي، لكن خصومه من أحزاب الحركة الوطنية كانوا يعتبرونه «مؤرخا للمخزن». على كرسي «الاعتراف» يحكي مبارك قصة صراعه العنيف مع حزب الاستقلال، ويتذكر كيف خاطبه علال الفاسي يوما بلغة حازمة: إذا لم تبتعد عن هذا الموضوع -يقصد جيش التحرير- «تلقا راسك مليوح فشي بلاصة». على مدار حلقات طويلة يسرد زكي مبارك أحداثا عاشها مع المحجوبي أحرضان، علال الفاسي وإدريس البصري، ويشرح، بإسهاب شديد، كيف أصبح صديقا لعبد الله الصنهاجي، علبة أسرار عباس المساعدي، وكيف أخفى لمدة طويلة وثائق حساسة حول «ميليشيات حزب الاستقلال» والصراع العنيف بين محمد الخامس وأحزاب الحركة الوطنية.. – قلت إن أوفقير كان غاضبا منك بسبب تنسيقك مع السفارة الصينية بالرباط. أخمن بأنه هددك بشكل مباشر. أوفقير كان يعرف كل شيء عن جمعيتنا، وقد أخبرني بلعالم، الكاتب العام في وزارة الداخلية، أنهم كانوا يتتبعون كل تحركاتي منذ وقت طويل، لكن أن يصل الأمر إلى حد عرض أفلام تشيد بالثورة الصينية، فذاك خط أحمر بالنسبة لوزارة الداخلية. ساورني الخوف يومها وكنت حقا أنتظر أن يتم اعتقالي مباشرة بعد لقائي بأوفقير، لكنه غادر الوزارة غاضبا، وقال لي إن بلعالم سيخبرك بكل شيء. لقد خيرني بين أن أغادر المغرب بصفة نهائية أو الجندية. وفي الحقيقة كان يبدو لي خيار مغادرة المغرب للدراسة بفرنسا خيارا جيدا. بلعالم كان يتحدث بنبرة الواثق مما يقول ولغته كانت صارمة جدا، وقال لي إن أوفقير لا يريد أن تستمر علاقتي بالصين الشعبية. وأضاف أنه دافع عني بقوة بحكم معرفته السابقة بي، وبحكم علاقته القوية بباحماد. لم أصدق أن القضية كبرت، وأن أوفقير نفسه صار يلاحقني، وما زاد الأمر تعقيدا أن بلعالم قال لباحماد إن أوفقير يريد من ابنك أن يغادر المغرب بصفة نهائية. – ما أفهمه من كلامك أن أوفقير هو الذي أرسلك إلى فرنسا. لا أبدا، ما قصدته هو أن الدولة وأجهزتها لم تعد تتحمل أفكاري ونشاطاتي. بعد أسبوع فقط من حواري مع بلعالم بدأت فعلا أهيئ نفسي للمغادرة، ولأن الوزارة كانت وقتذاك تحتفظ بأوراق الراغبين في استكمال دراستهم فقد قدمت طلبا للسيد العميد إبراهيم بوطالب، الذي عين خلفا للحبابي، لكنه رفض طلبي بداعي عدم قدرة الجامعة عن الاستغناء عني. وبسرعة أخبرت بلعالم بما حدث فطلب مني أن أقدم الطلب مرة ثانية وهو سيتصرف بطريقته. – وكيف تصرف بلعالم؟ اتصل بأفيلال، وزير التربية الوطني، ولم تمض سوى أيام حتى أخبرني بأنه تمت عملية التسجيل خارج المغرب، وأن العميد تلقى تعليمات خاصة من وزارة الداخلية كي يؤشر على طلبي. أمضيت أوقاتا صعبة جدا في تلك اللحظة لأن طريقة كلام أوفقير كانت مخيفة جدا ولم أقدر على مواجهته. – هل قال لك شيئا آخر؟ لا، لم يقل شيئا غير ما حكيته لسبب بسيط جدا. أوفقير بقي متابعا لحالتي، وكان يسأل بلعالم إن غادرت أم بعد. بعد أسبوع بالتحديد تراجع العميد الجديد بطريقة غريبة عن قرار عدم الاستغناء عني واتصل بي مدير ديوان أفيلال ليقول لي إن كل شيء صار جاهزا. – تقصد أن أوفقير مول دراستك؟ لم يمول شيئا، ولكن كانت لدى الداخلية شكوك بأني أشتغل لجهة معينة، والحال أن كل ما أفعله كان بريئا جدا. وقد نجحت في إبعاد الأذى عن نفسي وعن كل المحيطين بي، ولو أن الداخلية وجدت شيئا ضدي لكانت قتلتني. المهم أني نجوت من سطوة أوفقير وذهبت للدراسة بجنوب فرنسا.