النقاش بين الشاب ورضوان كان غريبا، فرضوان كان يهدد ويتوعد بعد خسارته الجولة الثانية والشاب صامت مبتسم. في الأخير يقرر رضوان تبديل الطاولة بعد أن أمطر الشاب بسيل من الشتائم بلغات عدة، إذ كان لا يعرف إن كان الشاب يجيد الإسبانية أو الفرنسية، خاصة أن اللغة المشتركة هي بضع كلمات باللغة الإنجليزية يقولها من يقوم بإدارة الطاولة ويحفظها المقامرون كأسمائهم عن ظهر قلب. تستمر جولة رضوان لتنتهي بخسارة قدرها 45 ألف درهم مغربي فتنفض الحسناوان من حوله بعد أن أمطرهما أيضا بسيل من الشتائم المغربية. تتوجه الغادتان الحسناوان إلى جوار مقامر آخر يبدو أن حظه أفضل، في حين يوقع رضوان شيكا بمبلغ معين ويستمر اللعب فتلتهم طاولة «الروليت» المبلغ الجديد، ومع آخر درهم أصيب بنوبة سعال كادت تقضي عليه مع فشل بخاخ الربو في إسعافه ليحمل على الأكتاف إلى حيث سيارته في مشهد أكثر ما تعبر عنه كلمة «مشهد جنائزي»، ليصطحبه بعد ذلك بعض العاملين بالصالة إلى حيث بيته. لم أعرف وضعه الصحي إلا بعد يومين حيث شاهدته في نفس الصالة مجددا. سؤال ربما يزعج رضوان: ولكن ماذا لو كانت تلك النوبةُ الأخيرةَ في حياتك؟ هل ستقابل البارئ عز وجل وأنت مقامر؟ .إنه مجرد سؤال. ختاما يقول جون هاورد، رئيس وزراء أستراليا السابق، إن أكثر من 290.000 أسترالي لديهم مشكلة مع المقامرة، وهم مسؤولون عن خسارة أكثر من 3 مليارات دولار سنويا، مما سبب مشاكل لمليون ونصف شخص تأثروا بهم بشكل مباشر نتيجة الإفلاس والانتحار والطلاق ومشاكل العمل. الطبيب المقامر محمد شاب محترم ويعمل طبيبا في مستشفى عمومي. أهل القمار ينادونه بالدكتور، بل يستشيرونه، فهو طبيب ناجح، لكنه مع شديد الأسف مدمن على القمار. محمد يأخذ ما يجنيه يوميا من عيادته ليقامر به بعد أن تسبب القمار في طلاقه من زوجته وتفرغ لعالم القمار العجيب. عندما يدخل الدكتور الصالة يتفحص الوجوه جيدا بشيء من الريبة وكأنه يخشى أن يكون أحد زبائن عيادته من بين الحضور. يفرغ ما في جيبه حتى آخر درهم أمام الشاب الذي يدير لعبة «الروليت» ليستبدلها بأقراص صفراء. في أقل من دقيقة أصبحت الأقراص أمامه، يداعبها بيديه ويقربها من فمه بحركة أنيقة يعتاد المقامرون على فعلها وكأنهم يتوسلون بها أن تكون فأل خير عليهم. يبدأ محمد المغامرة والمقامرة، وبين ربح وخسارة وخسارة وربح يتضاعف المبلغ أمامه. يتوقف عن اللعب ويرجع النقود التي بدأ بها اللعب، ثم يتجه نحو لعبة «البلاك جاك». وكما ديدني مع المقامرين اتجهت إلى جوار الدكتور واشتريت أربعة أقراص، كل قرص ثمنه خمسون درهما، وبدأت أراهن وراء الدكتور، يعني أضع أقراصي وراء أقراص الدكتور فيصبح مصيرنا مشتركا في الربح والخسارة مع فارق المقدار طبعا. يبدو أنه يوم سعد الدكتور، فقد ربح ثلاثة أضعاف ما راهن به أول مرة. داعبته قائلا: «سأراهن دوما معك» فاكتفى بابتسامة جامدة معناها اغرب عن وجهي، وفعلا اعتذر عن الاستمرار وانصرف إلى حيث «الروليت». أرباح الدكتور انتشر خبرها انتشار النار في الهشيم فجاءت صرخات التشجيع من كل حدب وصوب، فالدكتور شخصية محبوبة، يحمل في جيبه دوما مهدئات ومسكنات للطوارئ. كما أن الصالة تتعامل معه على أنه مقامر يومي، لذا لديه غرفة في الفندق المجاور للصالة محجوزة بشكل يومي، إضافة إلى جلسة المساج والمانكير والبيديكير، التي هي في متناوله مجانا. بطبيعة الحال ليس الدكتور هو الزبون الوحيد الذي يتم التعامل معه بهذا الشكل المدلل، بل هناك الزبائن الدائمون والمقامرون المحترفون وأصحاب الأموال الطائلة. استمر الدكتور بالمراهنة وخسر نصف ما جناه من جولة اللعبة الأولى، لكنه خرج رابحا في نهاية يوم القمار بعشرة آلاف درهم، وهو مبلغ بسيط قياسا بالمبلغ الذي خسره طوال الأيام الخمسة الماضية، حسب ما قاله هو بنفسه لصديق شاكسه بأن الحظ يقف إلى جانبه دوما. إذن هو يوم من أيام سعد الدكتور محمد، ولكن ألا يتنافى ما يفعله الدكتور مع أخلاقيات مهنته؟ وكيف لمن يقامر بشكل يومي أن يكون في منأى عن المقامرة في أرواحنا فيما إذا اضطرته الظروف إلى ذلك؟. وبما أن محمد طبيب سنهديه هذه الواقعة لعله يترك القمار، ففي أمريكا اعتقلت الشرطة أمينة سر مجمع العيادات الطبية في مدينة نيويورك بتهمة سرقة أكثر من 2.3 مليون دولار خلال ثلاث سنوات من حسابات الزبائن والأطباء، وقد اعترفت أنها كانت تنفق حوالي 6 آلاف دولار يوميا على شراء أوراق اليانصيب من أجل إشباع رغبتها الجنونية في المقامرة، التي لم تربح منها مع كل هذا الإنفاق أكثر من 100 ألف دولار فقط، وقد صرحت للصحفيين بأنها تعرف الحكم مقدما: مابين 4 و12 سنة سجن، وأنها فرحة لأنها ستترك المقامرة طيلة هذه السنوات. وتخبرنا الأرقام أن الأمريكيين أنفقوا ما يقدر بنحو 120 مليار دولار خلال عام 2005 على المقامرة المشروعة فقط، في حين لم يتجاوز إنفاقهم أكثر من 50 مليار عام 1998، وهذا أكثر مما أنفقوه على تذاكر السينما والألعاب الرياضية بكل جمهورها العريض وتنوعها والموسيقى المسجلة ومدن الملاهي وألعاب الفيديو كلها مجتمعة . الفقيه المقامر من المفارقات التي كانت لها أصداء كبيرة في تركيا هي فوز أحد أئمة المساجد في اسطنبول بجائزة اليانصيب البالغة قيمتها مليونا ونصف مليون دولار. وحين سئل عن الجدل في تحريم اليانصيب، قال الإمام التركي إنه حرام شرعا، ولكن الديون التي تثقل كاهله هي السبب. ورغم استشارة زوجته التي رفضت هذا الحرام، فقد احتفظ الإمام بباقي المبلغ بعد أن سدد ديونه، مما حذا بالزوجة إلى هجره، فتزوج بواحدة تصغرها بعشر سنوات وترك الإمامة. أوردت هذه الواقعة لأني ببساطة رأيت فقيها مقامرا في صالة القمار. الفقيه رغم ارتدائه ملابس أوربية فإن شخصيته معروفة من قبل الجميع، خاصة أن حادثة عزله عن عمله معروفة لدى رواد الصالة، لكن لقب «الفقيه» بقي ملتصقا به، ربما لأنه بقي محافظا على اللعب النظيف، واللعب النظيف هو مصطلح يطلقه المقامرون على من لا يجلس إلى جوراه فتيات لجلب الحظ ولا يحتسي الخمر ويكتفي باللعب.