أمام توالي الشكوى من المسلمين الذين يتاخمون الممالك النصرانية، سيتخذ علي بن يوسف موقفا حازما وسيرسل بيانا من إنشاء أبي الخصال إلى أهل الأندلس كافة، يخبرهم بما استقر عليه عزمه وفيه يكشف عن نزوعه الديني ويدعوهم إلى التضرع إلى الله كما يعدهم بالنصرة وأنه سيستفرغ وسعه لدفع بغي النصارى عنهم، وقد ترجم وعوده إلى حركة ميدانية عاجلة وستعرف فترة حكمه نشاطا حربيا مكثفا سيدفع النصارى للتراجع عن أطماعهم، التي بلغت حد المطالبة بطرد المسلمين من الأندلس، ومن الجدير بالذكر أن المرابطين قد شهدوا انتكاسات ميدانية خطيرة على الأرض الأندلسية بعيد تولي علي بن يوسف بسبب تمرد بعض الأمراء الأندلسيين على سلطان المرابطين، غير أن الحملات المظفرة للمرابطين ستعيد الأمور إلى نصابها وستعزز حضورهم على الساحة الأندلسية، خاصة وأن الرعية لم تكن تجد غير المغاربة ملجأ كلما دهتها مصيبة أو ألم بها كرب. استرجاع طليطلة جريا على عادة والده يوسف بن تاشفين، سيجوز العاهل المرابطي علي بن يوسف بنفسه إلى عدوة الأندلس على رأس الجيش المرابطي، تلبية لنداء الأندلسيين حيث سيتجه في شهر صفر من عام 503ه إلى طليطلة عاصمة قشتالة، وسيبدأ بمحاصرة طلبيرة التي تقع على جانبها الغربي، فتمكن من إخضاعها ومنها سيتجه إلى بقية الحصون المحيطة بطليطلة وسيتمكن من استرجاع مجريط ووادي الحجارة، وسيضرب حصارا محكما على طليطلة بهدف فتحها، غير أنه سيفك الحصار مرغما وسيعود أدراجه إلى قرطبة ومنها إلى المغرب، بعد تفشي وباء فتاك في الجيش كاد أن يهلك جنود المرابطين، غير أن ذلك لم يفت في عضد علي بن يوسف. إذ سرعان ما سيجرد حملة بقيادة سير بن أبي بكر لقتال الكونت هنري، فافتتح سير من جملة ما افتتح من البلدان اشبونة ويابرة وشنترين وبعث يبشر أمير المسلمين بالنصر في رسالة من إنشاء عبد المجيد بن عبدون يقول فيها: «كانت قلعة شنترين أدام الله أمر أمير المسلمين من أحصن المعاقل للمشركين وأثبت المعاقل على المسلمين فلم نزل بسعيك الذي اقتفيناه وهديك الذي اكتفيناه نخضد شوكتها وننحت أثلتها ونتناولها عللا بعد نهل، ونطاولها عجلا في مهل 000ثم نزلنا بساحة القوم فساء صباحهم ذلك اليوم». ويبدو من خلال وصف سير لمجريات المعركة أن المقتلة في صفوف النصارى كانت عظيمة، يقول: «وكان القتل كما قدمنا قد أتى على صيد أعيانهم وصناديد فرسانهم، فلم تبق إلا شرذمة قليلة وعصبة ذليلة». وستتوالى الحملات العسكرية بعد هذه المعارك المظفرة ببلاد الأندلس وسيفوض العاهل المغربي صلاحيات الدفاع عن المدن الإسلامية لعماله وولاته، وهكذا سنرى في الكثير من الحملات اللاحقة أن قرار الحرب يتخذه ولاة علي بن يوسف، دون الرجوع إليه مخافة أن يتأخر رد المرابطين على بعض الاعتداءات بسبب بعد مراكش عن معترك الأحداث الأندلسية. هزيمة قاسية في سنة 528ه ستشهد الساحة الأندلسية موقعة لا تقل أهمية عن موقعة الزلاقة، وقد لاحظنا أن النشاط الحربي لابن رذمير (المحارب) ملك أراغون، قد قلب الكفة لصالح القوى المسيحية داخل الرقعة الأندلسية، وأن خطر هذا الملك صار يهدد كل المدن الأندلسية وقد بلغ من اعتداده بنفسه أن أمر أعوانه بإنشاء مركب ليصطاد به السمك على الشواطئ المغربية، وهو الأمر الذي لم يجرؤ أسلافه على مجرد تخيله، بل أن يشرعوا عمليا في تنفيذه، ويحدثنا ابن القطان في نظم الجمان عن تفاقم خطر «المحارب» في ظل تزايد أطماع ملك برشلونة الذي لا يقل عنه بأسا فيقول: «ونظر رجال لمتونة (المرابطون) إلى ذلك فخافوا أن ينفتق عليهم فتق آخر من البرشلوني فصالحوا البرشلوني». كان المرابطون أمام معادلة صعبة فأمراء الأندلس تغيروا عليهم والممالك النصرانية رمتهم عن قوس واحدة ولم يكن أمامهم من خيار غير مهادنة طرف للتفرغ للطرف الآخر، فارتأوا أن يهادنوا برشلونة للتفرغ لابن رذمير، فلما بلغه ذلك استشاط غضبا وجيش جيشا ضخما لغزو إفراغة وفي نيته أن يتخذها قاعدة للهجوم على المسلمين وعلى صاحب برشلونة نفسه، كان تدبير علي بن يوسف محكما بعد أن أفلح في كسر الوحدة النصرانية، ومع وصول ابن رذمير إلى إفراغة سيضرب حصارا طويل الأمد على منافذها وسيمنع الأقوات عن أهلها ويبدو أن المرابطين لم يأخذوا للأمر عدته فقد فوجئوا بحصار إفراغة ووردت رسائل سكانها على ابن غانية عامل المرابطين على بلنسية ومرسية تشرح له حقيقة وضع سكان المدينة وقلة أقواتهم، حتى أنهم شاوروه في تسليمها لابن رذمير، فاتخذ ابن غانية قرارا فرديا بمهاجمة ابن رذمير، وكان مشهورا بفروسيته وشجاعته، فجعل الناس يحذرونه من مغبة المغامرة التي لا يعرف عاقبتها ويحذرونه من غضب علي بن يوسف، وهو يجيبهم «فليصنع بي ما شاء». ثم تجهز وأرسل الأقوات للمدينة وكتب وصيته وانطلق يطلب ابن رذمير، فلما رأى المحاصرون ابن غانية على مشارف مدينتهم، قويت عزائمهم وفتحوا أبواب المدينة ونهبوا معسكر النصارى، والمرابطون يطوقون جنودهم ويمزقون جموعهم، فلم تنج منهم غير قلة قليلة، وقد لبث ابن رذمير بعد هذه الموقعة مذهولا مشتت الذهن، خاصة بعد أن شهد مقتل معظم فرسان جيشه وقادته، فوافته المنية بعدها بوقت قصير بسبب حزنه على نحو ما تذكر المصادر التاريخية.