بقي الإسلام في الأندلس ثمانية قرون كاملة، ثم لم تبق بعدها سوى آثار شاهدة على وجود المسلمين كانت هناك. طيلة وجودهم بها حاول البرتغاليون استرجاع الأندلس، واستمرت محاولاتهم تلك طيلة الخمسة قرون الأولى دون جدوى، إلى أن بدأ يدب الخلاف بين المسلمين، ففسدت أحوالهم، وظهرت فيهم الفتن التي لم تكن من قبل في أسلافهم. في الحقيقة، إن محاولات النصارى ما كانت لتنجح لولا العوامل الداخلية أساسا التي ساعدت على ذلك. بناء على تلك العوامل تنبأ المؤرخ الأندلسي ابن حيّان بنهاية الأندلس بالرغم من موته قبل سقوط غرناطة آخر ممالكها بأربعة قرون، فقد قال إن الساعة آتية لا ريب فيها لما دهانا من داء التقاطع وأمرنا بالتواصل والألفة، فأصبحنا من التمادي على ذلك على شفا جرف يؤدي إلى التهلكة لا محالة. كانت قصة بداية النهاية للمسلمين في الأندلس بسقوط طليطلة، يحكي عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسال ذلك فيقول في وسط بلاد الإسلام، جاءت الضربة القاضية في قلبه لأن المسلمين في ذلك الوقت كانوا لا يزالون في سرقسطة ونواحيها، وكان لا يزال لهم قواعد وحواضر الشمال من طليطلة، ثم إن موقع طليطلة بمنعته جعلت الإسبانيول منها في حصن حصين لا يؤتى، وهم أنفسهم لم يقدروا على طليطلة في حقيقة الأمر إلا بفساد أحوال المسلمين والفتن التي كانت بينهم(أورده الحسن السايح في كتابه الحضارة المغربية). أما الفتن التي يقصد ابن العسال فهي الفتنة الكبرى التي نشبت بين المسلمين في قرطبة، وبين العرب والبربر، فكان أن أدت إلى ظهور ملوك الطوائف، فسيطر على طليطلة بنو ذي النون، وكانت بينهم وبين بني هود الذين استقلوا بسرقسطة عداوة كبيرة، حتى إنهم مع توالي الأحداث بينهم، استعانوا بالنصارى على بعضهم، فكانت بداية نهايتهم جميعا. حدث ذلك في أواخر عهد الموحدّين، ويعتبر المؤرخ شوقي أبو خليل في كتابه (مصرع غرناطة)، أن بني هود حاولوا الاستقلال بالأندلس كلها عن الموحدين، وعن النصارى أيضا، فحكموا شرقي الأندلس، كما دخلت في طاعتهم جيان وقرطبة وماردة وبطليوس، وانتزعوا غرناطة من المأمون الموحدي سنة 628هـ. بينما حكم بنو الأحمر قواعد أخرى في جنوب الأندلس. ثم خاض بني هود معركة مع فرديناند الثالث ملك قشتالة معركة انتهت بسقوط ماردة وبطليوس في يد الإسبان النصارى سنة 628هـ، ثم سقطت أبدة عام 631هـ، وعوض أن يصمد بنو هود في مواجهة النصارى، صاروا لمحاربة خصومهم ومنافسيهم في الجنوب بني الأحمر، فوجدها النصارى فرصة سانحة للزحف على قرطبة التي سقطت بيدهم سنة 633هـ/1235م، بعد مقاومة استمرت سنتين، فكانت من أشد الضربات القاصمة للمسلمين الأندلسيين. ويؤكد شوقي أبو خليل أنه بعد سنتين من سقوط قرطبة توفي ابن هود، أي سنة 635 هـ/1237م، وبوفاته انهارت مملكته، فضاعت بلنسية في يد النصارى سنة 636 هـ، ثم شاطبة ودانية، وانضوت مرسية تحت حماية ملك قشتالة سنة 641هـ. وبعد سقوط قرطبة بعشر سنين استولى النصارى على إشبيليةّ صلحا في 646هـ/1245م، بعد مقاومة أهلها سنة كاملة وخمسة أشهر. غير أنه مع انهيار مملكة بني هود سارع محمد بن يوسف ابن الأحمر إلى غرناطة ودخلها في أواخر رمضان سنة 635هـ فغدت مقر حكمه. فرأى النصارى في ذلك تهديدا لهم، وغذى ابن الأحمر منافسهم الأول، فكانت معركة صغيرة سنة 636 انتصر فيها ابن الأحمر، فاغتاظ فرديناند الثالث فأرسل ابنه ألفونسو فاستولى على حصن أرجونة، وحاصر غرناطة سنة 642هـ فردهم ابن الأحمر بخسائر فادحة. غير أنه بالرغم من انتصار بن الأحمر على ألفونسو، أدرك أن تفوق النصارى على المسلمين واقعا لا يرتفع، فبادر إلى مهادنة ملك قشتالة ورضي بأن يحكم باسمه، وأن يؤدي له الجزية سنويا قدرها 150 ألف قطعة من الذهب، وأن يدعمه في حروبه ضد أعدائه، وأن يصبح عضوا في مجلس قشتالة النيابي. غير أن النصارى لا مأمن عندهم، وأدرك بنو الأحمر أنهم خدعوا، لكن بعد أن استرجع النصارى كل الولاياتالشرقية في الأندلس، وبقيت ولايتها الغربية، حيث اشبيلية وغرناطة. حاول ابن الأحمر صدّ النصارى، لكن دون جدوى، فشددوا الهجوم عليه بدءا من عام 663هـ، وبدأت الهزائم تتوالى عليه، فاضطر ثانية لمهادنة النصارى وتنازل لهم عن أكثر من مائة موضع معظمها غربي الأندلس، وفي عام 668هـ، ساءت العلاقة بينه وبين النصارى مرة أخرى، فطلب عون ابن الأحمر العون والمساعدة من دولة بني مرين، فقام أمير المرينيين أبو يوسف يعقوب المنصور لنجدة غرناطة، فهزم النصارى في معركة قوية سنة 674هـ، ووطّد لحكم بني الأحمر قرابة 250 عاما أخرى. مرت سنون طويلة إذن، لكن نار الهزيمة لم تنطفئ في قلوب النصارى، وكلما حاولوا الانتقام من بني الأحمر، استغاث هؤلاء ببني مرين إلى أن ضعفت دولتهم وقامت على أنقاضها دولة بني الوطاس الضعيفة أصلا، والتي لم تستطع نجدة الأندلسيين بعد ذلك. ومما زاد من تهديدات النصارى، أن قامت حرب أهلية بين أمير غرناطة أبي الحسن الملقب الغالب بالله وبين أخيه أبي عبد الله محمد المعروف بالزغل الذي طلب مساعدة النصارى له على أخيه. فيما توحد الإسبان في مملكة واحدة بزواج فرديناند ملك أراغون بإيزابيلا وريثة عرش قشتالة، واستقر العرش لهما، وكانا ذوي نزعة صليبية حاقدة. ساعد على ذلك الصراع على خلافة أبي الحسن الغالب بالله بين ولديه، الأكبر ابن عائشة الحرة والأصغر بين ثريا النصرانية، فانقسم المجتمع الغرناطي بين السلطان أبي الحسن وثريا النصرانية، وبين من هو مع عائشة الحرة وابنها الأحق بالخلافة، فأدى ذلك إلى صراع استغله فيردناند وإيزابيلا وقررا البدء بالحرب فاستولوا على مكان اسمه الحامة، مما مهّد لهم احتلال غرناطة ومالقة معا، وهكذا سقطت غرناطة ولم يستطع أبو الحسن من عائلة بني الأحمر استردادها فلم يستطع، فانقلب عليه ابنه أبو عبد الله الصغير وجلس على العرش، فشن هجوما على النصارى في عدة معارك، غير أنه بوغت في ظاهر قلعة اللسانة، فخسر المعركة وأسر فيها، وعاد الجيش من دون ملكه، فحاول الغرناطيون إعادة أبي الحسن إلى عرشه بدل ابنه الأسير غير أن الهرم والمرض فتك به، فتنازل لأخيه محمد أبي عبد الله الزعل حاكم مالقة، وما إن أطلق سراح أبو عبد الله الصغير حتى أشعل فتنة مع عمه، شغله بها عن مقاتلة النصارى وردّه عن احتلال باقي المناطق والحصون، فاشتعلت حرب أهلية استغلها النصارى فهاجموا الحصون الإسلامية، وكلما امتدت الفتنة زاد فرديناند من سيطرته على حصون غرناطة ومالقة وتطويقهما، إلى أن سقطتا تماما سنة 1492م، حاول المسلمون رد بأس النصارى في محاولات وثورات عدة، لكن الزمان كان قد فات.