شرعت وزارة الصحة، أول أمس الاثنين، في ترحيل نزلاء «بويا عمر»، الذين يتجاوز عددهم 800 شخص، نحو مستشفيات الأمراض العقلية، في إطار مبادرة «كرامة»، التي أعلنتها الوزارة، والتي تهدف إلى رد الاعتبار لهؤلاء المرضى عقليا. مبادرة مثل هاته، طبعا، لا يمكن لأي كان سوى التنويه بها. إذ لم يسبق لأي وزير صحة في المغرب قبل الحسين الوردي أن تجرأ على مثل هاته الخطوة، وإن كنت لا أدري شخصيا كيف ستتعامل وزارة الصحة مع هؤلاء ال800 مريض عقليا. الحسين الوردي قال، خلال إعطاء الانطلاقة الرسمية لمبادرة «كرامة»، إن وزارته تتعهد بالتكفل بهؤلاء المرضى، وتلتزم بإبقائهم داخل المستشفيات والمصالح الطبية وعدم تسريحهم إلا بعد موافقة عائلاتهم. تصريح جميل ومفعم بالأمل، لكن كيف سيتحقق ذلك ونحن نعرف أن الطاقة الإيوائية لمستشفيات الأمراض العقلية غير كافية أصلا، وهذا بشهادة المختصين. كما أن جودة الخدمات الصحية المقدمة في هاته المستشفيات دون المستوى، كما أشار إلى ذلك تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان لسنة 2012 عن واقع مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية. إذ أوضح أن «بنية المؤسسات، مع استثناءات قليلة، لا تتلاءم مع احتياجات مرتفقي الطب العقلي»، وأن «عددا من هذه المرافق لم يكن موجها في الأصل لرعاية المصابين بأمراض عقلية»، دون الحديث طبعا عن الموارد البشرية التي تعاني نقصا حادا في هذا المجال. إذ كشف التقرير أن «عدد الأطر الطبية وشبه الطبية العاملة في المؤسسات العمومية للأمراض العقلية أبعد ما يكون عن المعايير المعترف بها على المستوى العالمي». أنا لست متشائمة، ولكن واقع الصحة يقول ذلك. لنتأمل هاته الأرقام: في المغرب البالغ عدد سكانه ما يزيد عن 35 مليون نسمة لا نتوفر إلا على 197 طبيبا نفسيا و753 ممرضا مختصا٬ يتمركز 54 في المائة منهم في محور الرباط – الدارالبيضاء. ولا نوفر لمرضانا سوى 2234 سريرا. أضف إلى ذلك أن الميزانية المخصصة لبرنامج الأمراض العقلية والنفسية لم تتعد قبل ثلاث سنوات 35 مليون درهم. أمام هذه الأرقام والمعطيات المقلقة كيف سنعالج هؤلاء ال800 مريض، الذين سيرحلهم وزير الصحة من «بويا عمر»؟ هل ستستطيع ال27 مؤسسة عمومية، التي يتوفر عليها المغرب لعلاج الاضطرابات العقلية والعصبية استقبال هؤلاء المرحلين، فيما هي تعاني من خصاص في عدد الأسرة و»لا تستجيب من حيث الكم لحاجيات السكان. كما أنها ليست متيسرة ولا سهلة الولوج» حسب تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان. لقد سبق لوزارة الصحة أن رفعت تحدي النهوض بقطاع الصحة العقلية في استراتيجيتها القطاعية 2012-2016، عبر حزمة من الإجراءات، قالت إنها ستنفذها قبل متم سنة 2016. ومن أهم هاته الإجراءات الرفع من عدد الأطباء النفسانيين، ومن عدد الممرضين المختصين في الصحة العقلية ليصير 100 ممرض كل سنة عوض 80 ممرضا. إضافة إلى إنشاء سبعة أقسام أكاديمية للطب النفسي والأطفال والمراهقين بحلول 2019، ورفع الطاقة الإيوائية لمستشفيات الأمراض العقلية من 2234 سريرا، التي كانت مسجلة سنة 2011، إلى 2850 سريرا سنة 2016، وكذا إنشاء ثلاث مستشفيات جهوية متخصصة. لكن إلى حد الآن لا شيء واضح، حسب ما يقوله الأخصائيون. وعوض أن تنتظر الوزارة ريثما تحقق هاته الإجراءات نجدها ترفع تحديا آخر، هو ترحيل مرضى «بويا عمر» صوب مستشفيات الأمراض العقلية. صراحة لا أعرف كيف ستتعامل وزارة الصحة مع هاته المعضلة، وأخوف ما أخافه أن نغلق «بويا عمر» فنجد أنفسنا أمام نسخ جديدة منه لأن وزارة الصحة لم تستطع أن تكون في حجم التحدي الذي رفعته.