تجمع العديد من التقارير الحكومية وغير الحكومية على وجود وتفشي الرشوة في قطاع العدل، من بينها حالات تمت إحالتها على القضاء من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها. غير أن هذه التقارير تتضمن حالات الارتشاء والفساد التي يتم التبليغ عنها، وهو ما يؤشر على أن حجم الظاهرة أكبر بكثير من الأرقام المعلنة، خاصة أن الرشوة جريمة قلما تتوفر فيها حالة التلبس. هذا الوضع المزري كان دائما محط اهتمام العديد من الفاعلين والمهتمين الذين ما فتئوا يقدمون اقتراحاتهم وانتقاداتهم، في انتظار الإعلان عن مشروع الإصلاح الشامل لجهاز القضاء الذي يعلق عليه المواطنون آمالهم من أجل وضع حد لكل الاختلالات التي يعرفها هذا القطاع. الرشوة ليست مقتصرة على قطاع العدل، بل تعرفها جميع القطاعات العمومية، التي يعتبر قطاع القضاء جزءا منها لأن الذين يعملون به بينهم مرتشون ونزهاء، وفق ما أكده عبد اللطيف حاتمي، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، والذي يرى أن الإحصائيات المقدمة تهم فقط الحالات المقدمة والتي وضعت بشأنها شكايات، خاصة أن الرشوة شبيهة بالفساد الذي يكون التستر والتخفي أحد شروطه. وحول التعديل الذي يعفي الراشي من العقوبة شرط التبليغ عن المرتشي في الوقت المناسب، قال رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، في تصريح ل«المساء» «إن الراشي ليست له مصلحة في التبليغ عن هذه الحالة لأنه هو الذي يسعى إلى البحث عمن يقدم له الرشوة من أجل قضاء أغراضه، وسمعت شخصيا بعض المتقاضين الذين يتمنون أن يكون الذي ينظر في ملفاتهم يتعاطى للرشوة، و مواطنون أجانب يفتخرون بأن المغرب أجمل دولة في العالم لأنه عبر المال يمكن أن يفعلوا ما يشاؤون». وعلق المتحدث نفسه عن احتلال المغرب المرتبة ال 89 في مؤشر إدراك الرشوة على المستوى العالمي وحصوله على نقطة 3،3 على عشرة، بالقول ساخرا “كان أولى أن نقول إن المغرب تقدم وليس تقهقر في ترتيب مؤشر الرشوة عالميا، لأنه احتل مرتبة متقدمة ضمن الدول التي تتفشى فيها الرشوة”. وبخصوص الإجراءات التي ينبغي اتخاذها للحد من انتشار الرشوة والفساد بقطاع القضاء، أكد حاتمي أنه ينبغي أولا إصلاح القانون الذي يضمن حقوق الإنسان ويؤدي إلى الحكم العادل، ثم ثانيا تنظيم الحياة المهنية للقضاة بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية، وذلك بعدم رهن مهنة القاضي بوزير العدل الذي يعود إليه الأمر في شأن عقاب القاضي أو نقله أو الترخيص له، ويكون المجلس الأعلى للقضاء هو المسؤول عنه بصفة مباشرة، دون أي تدخل من وزارة العدل، وثالثا الاهتمام بالقاضي كإنسان ينبغي أن تكون فيه مواصفات تؤهله للتمتع بالنزاهة ويتوفر على تربية حسنة وتكوين. ومن جملة المقترحات التي تقول بها الجمعية التي تدافع عن استقلال القضاء، رفع سن القاضي واختياره من ضمن المحامين، حتى يكون له إلمام بواقع الملفات، من أجل وضع حد للعديد من المؤثرات الخارجية التي يتعرض لها قضاة شباب خاصة المرأة والمال. ويحتل النظام القضائي الرتبة الثانية بعد البرلمان والتشريع بخصوص القطاعات التي تعرف انتشارا للرشوة، وفق نتائج البارومتر العالمي 2009، والذي أشار إلى أن الرشوة توجد بحدة بين الموظفين بنسبة 95 نقطة، متبوعين بالنظام القضائي ب80 نقطة والأحزاب السياسية ب53 والبرلمان 46 والقطاع الخاص 36 ووسائل الإعلام 28، كما ورد في تقرير الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. وحسب ما تلقته الهيئة، إلى غاية شهر يونيو 2009، فإن 37 شكاية 64 في المائة منها تتعلق بكل من الرشوة والابتزاز واختلاس الأموال واستغلال النفوذ ومنح امتيازات غير شرعية تطال قطاعات واسعة من بينها قطاع العدل. وفيما يتعلق بآخر الإحصائيات الرسمية التي تبين نسبة انتشار الرشوة في قطاع القضاء، لم يحدد عبد الواحد الراضي وزير العدل، خلال المعطيات التي قدمها أثناء مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة العدل مؤخرا، طبيعة التظلمات التي وردت على الوزارة واتخذت بشأنها قرارات في حق العاملين بقطاع العدل، ونسبة الرشوة والفساد، إذ اكتفى بالقول أن 17 قاضيا اتخذت في حقهم قرارات تنوعت بين العزل والإقصاء والتوبيخ والإنذار، بينما لم تتم مؤاخذة ثمانية منهم، كما تمت متابعة 39 محاميا تم التشطيب على اثنين منهم وتنوعت القرارات المتخذة في حق الباقي بين التأديب والزجر، أما كتاب الضبط فهمت العقوبات 13 منهم، وهو الرقم نفسه الذي عرفه قطاع العدول. أما المفوضون القضائيون، فصدرت في حق 131 منهم متابعة تأديبية و33 متابعة زجرية، بينما صدرت 22 متابعة تأديبية و16 متابعة زجرية في حق الموثقين، وتم التوصل ب107 شكايات في حق الخبراء وشكايتين في حق التراجمة. غير أن هناك رقما سبق أن قدمه، خلال جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس النواب أثناء الدورة السابقة، كشف فيها بلوغ عدد قضايا الاتهام بالرشوة في قطاع العدل خلال خمسة أشهر الأولى من سنة 2009 20 حالة، من بينها ثمان حالات تم تأكيدها.