خيمت إشكالية التراث الفقهي الإسلامي على أشغال اليوم الثاني من اللقاء الدولي حول «الإمام وتحديات السياق الأوربي»، حيث دعا أئمة وأكاديميون مغاربة إلى إعادة النظر في التراث الذي «يحرض» على العنف والاجتهاد لتأسيس «فقه أوربي» يأخذ بعين الاعتبار تفاعلات المجتمع الغربي. وخلصت الورشات التي شهدها اللقاء المنظم بمراكش يومي السبت والأحد الأخيرين، إلى وجود جملة من التحديات التي تواجه الإمام، ومنها التحديات العقدية المرتبطة بشعارات ومفاهيم ك»دار الحرب ودار الإسلام» و»حكم الردة» وغيرها من المفاهيم التي تشكل عائقا أمام مسايرة الواقع الأوربي، في ظل التفاعل مع الفتاوى التي تبث عبر الفضائيات والشبكة العنكبوتية. وتم تسجيل تباين كبير في الأدبيات الفقهية والعقدية المعنية بتغذية التربية الشرعية لمسلمي القارة الأوربية، حيث لوحظ الحضور الكبير للكتاب الفقهي الحنبلي، مقابل تواضع حضور كتب وأدبيات المالكية، كما أكدت بعض المداخلات على غياب كبير للكتاب الشرعي المترجم للغات الأوربية. وأشار التقرير الختامي إلى أن سؤال المرجعية من أهم الأسئلة التي تثير التشويش في أداء وعمل الأئمة، حتى أن الأمر يصل إلى ظهور نوع من التدافع بين عدة مرجعيات مذهبية، بكل النعرات الدينية والسلوكية المصاحبة لهذا التدافع. وأكد التقرير أنه على الرغم من وجود اجتهادات فقهية وفتاوى وهيئات علمية، فلازالت التحديات الفقهية الخاصة بفرائض الصلاة والصوم والتعامل مع البنوك وغيرها، قائمة. ونبه المشاركون في هذا اللقاء إلى أن أئمة أوربا يعانون، في الشق الديني، من إشكالية تطفل بعض الدعاة والتيارات على الإمامة، إلى جانب تبعات إصرار بعض «دعاة الكراهية» على الترويج لخطاب يؤرق مواقف الإمام. كما تمت الإشارة إلى صعوبة الحصول على تراخيص قانونية لإقامة المساجد، بما يكرس الهوة القائمة بين المسلمين والسلطات. ومن التحديات الفكرية المطروحة يوجد سؤال التوفيق بين مقتضى الانتماء للوطن واحترام حقوق وواجبات المواطنة، وبين مقتضى الانتماء للأمة الإسلامية، إضافة إلى المشاكل التي يواجهها الأئمة كلما تعلق الأمر بالتعامل النظري (الشرعي والمعرفي) مع أسئلة حرية المعتقد وحرية التعبير وحقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة من منظور غربي، حيث يصاب الإمام بالحيرة بخصوص التوفيق بين القواعد الشرعية والفقهية والقوانين المدنية الأوربية. ويضيف التقرير الختامي أن مفهوم العلمانية من أهم المفاهيم التي تشوش على أداء أئمة يشتغلون في فضاءات سياسية علمانية، تتعامل مع المسألة الدينية بمستويات متباينة وأحيانا شبه متعارضة، ولكن في أغلب الحالات، متعارضة أو شبه متعارضة مع مرجعية الأقلية المسلمة. إلى ذلك دعا عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، في كلمة ختامية لأشغال هذا اللقاء، إلى التفكير في الوضع الاجتماعي لأئمة أوربا، على اعتبار أن غياب الاستقرار النفسي والمادي للإمام لن يجعل الأخير عنصر استقرار لآخرين. وفي الوقت الذي انتقد بوصوف غياب إنتاجات علمية وفكرية للمرجعية الدينية الإسلامية المعتمدة على الوسطية والمذهب المالكي باللغات الأجنبية، فقد عبر مسؤول المجلس عن رغبة المؤسسة في إنتاج معرفة علمية انطلاقا من النموذج المغربي وتعميمها بلغات أوربية متعددة ونشرها عبر وسائل حديثة. وينتظر أن ينظم مجلس الجالية لقاءات مماثلة حول سؤال الدين في أوربا، ومنها قضايا الكتاب الإسلامي الموجه للمجتمع الأوربي، ودور المرأة في الفضاء الأوربي الإسلامي، وإدارة المساجد والهوة بين وظيفة الإمام ووظيفة سير المساجد، إلى جانب تجديد النخب في تدبير المساجد من خلال احتضان الشباب ودمجه في التسيير.