«توريست رايبي»، «توريست السيكان»، و«توريست ساك دو كوشاج»، ألقاب عديدة يطلقها المغاربة على السياح الذين يقصدون المغرب من أجل الاستمتاع بجماله وقضاء العطلة الصيفية بأقل التكاليف، حتى بات المغاربة يشتكون من امتلاء الفنادق غير المصنفة بالسياح الأجانب الذين لا يهمهم قضاء ليلة في غرفة جدرانها مهترئة أو التناوب على مرحاض جماعي، بل إن كل ما يرغبون فيه هو الاستجمام وقضاء أوقات جميلة بالمغرب، أما مكان المبيت فهو شيء ثانوي. فيليب، 25 سنة، موظف، لا يجد حرجا في أن يحط الرحال بفندق شعبي لا يتجاوز ثمن المبيت لليلة الواحدة فيه خمسين درهما، لأن هدفه من السفر إلى المغرب، حسب رأيه، هو قضاء أوقات جميلة خارج الفندق وليس داخله، لذلك فإنه يفضل أن يقضي وقتا أطول بالمغرب ويزور مدنا عديدة، عوض صرف كل ميزانيته التي خصصها للسفر بمدينة واحدة عبر الإقامة في فندق مصنف يكلفه كثيرا وتضييع المال في أكل ما لذ وطاب من الطعام. يقول فيليب «في بلدي كل وسائل العيش متوفرة، وبيتي جميل ومرتب فأنا أبحث عن حياة أخرى، لماذا أصرف المال على مكان سوف أقضي فيه بضع ساعات من الليل لا غير؟ فجل الأوقات أقضيها خارج مكان الإقامة». وعما إذا كان انتماء فيليب إلى طبقة فقيرة وراء نهجه سياسة التقشف، يقول بانفعال «لا أبدا، هذا غير صحيح، لدي المال الكثير، ولكن سأكون أحمق إن منحت لمسير فندق أزيد من 5 أورو في غرفة قد لا أنام فيها إلا أربع ساعات فقط». رفيقته كاترين (23 سنة)، هي الأخرى توافقه الرأي لأنها تحب أن تجرب حياة مغايرة ومختلفة عن نمط عيشها بفرنسا، لذلك تحب السياحة بالمغرب، ولا تجد حرجا في أن تتناول الطعام في مقاه شعبية، وتعتبر ذلك مشاركة للمواطنين المغاربة البسطاء في حياتهم على حد تعبيرها. كاترين، طالبة تتابع دراستها في الاقتصاد، قالت إنها تنتمي إلى أسرة غنية وتحب حياة الفقراء كثيرا، وأكدت أنها تركت حياة الترف والغنى في بلدها، وأتت إلى المغرب، الذي وصفته بالبلد الرائع، لإمضاء عطلتها السنوية في أحسن الظروف. مواطنة أمريكية قدمت هي الأخرى رفقة صديقها الفرنسي لإمضاء عطلة الصيف بالمغرب، تقول المواطنة الأمريكية «المغرب بلد جميل وسكانه مسالمون ويحبون الأجانب»، وعللت سبب اختيارها الإقامة في فندق غير مصنف، بحبها التجول يوميا بالمدينة العتيقة بالرباط، غير أن صديقها شدد على أن سكنه بفندق شعبي لا يشكل لديه أي مركب نقص، بكل بساطة لأنه يريد أن يمضي وقتا أطول بالمغرب، وأن ميزانيته التي خصصها لذلك لا تمكنه من الإقامة بفندق فاخر، خاصة أنه موظف بسيط وينتمي إلى أسرة متوسطة ويسعى إلى الحفاظ على ميزانيته السنوية. غير أن العديد من السائحين يرفضون الاعتراف بإقامتهم في فنادق غير مصنفة، لأنهم يعتبرون ذلك يسيء إليهم وإلى جنسيتهم التي يعتبرون أنها راقية وتمكنهم من التجول بكل حرية عبر بلدان العالم. «الحريرة» و«البوكاديوس» مقاه شعبية متعددة منتشرة داخل أسوار المدينة القديمة بالرباط، ووجبات للطبخ الشعبي المغربي بأثمان تناسب المستويات المتوسطة، هذا النوع من المقاهي يرتاده السياح «المتقشفون»، الذين يأخذون بدورهم قائمة الوجبات المقدمة التي تكون عادة باللغة الفرنسية والعربية، ليطلبوا ما يناسب أذواقهم. يقول محمد، نادل بمقهى « هناك إقبال من لدن الأجانب على هذه المقهى، فوجبة الغذاء لا يتجاوز ثمنها 30 درهما، أما بخصوص العشاء فعادة ما يفضل الأجانب «الحريرة» التي لا يتعدى ثمن «الزلافة» منها خمسة درهما، والأكثر من هذا أن جلهم لا يقدمون لنا «البوربوار، البقشيش»، وإن قدم لك شيئا فإنه لا يتعدى درهم واحدا أو درهمين في أحسن الحالات». الرأي ذاته يؤكده سعيد، نادل بمقهى شعبية، حيث قال إن إقبال السياح على المقاهي الشعبية يزداد سنة بعد سنة، ويرجع ذلك، حسب قوله، إلى البخل الذي ينتشر في صفوف بعضهم.. وأشار سعيد إلى أن معظم الوافدين على المقهى التي يعمل بها يتحدرون من فرنساوإسبانيا وأمريكا. لا يقتصر تناول الطعام عند هذه الفئة من السياح على المقاهي الشعبية فحسب، بل أحيانا يتناولون «بوكاديوس» في الشارع دون حاجة إلى كراس مريحة، شأنهم في ذلك شأن العديد من المغاربة الذين يفضلون تناول وجبات شعبية خفيفة في مقهى يسمونها «الهواء الطلق». يقول عبد الرحيم، صاحب عربة للسندويشات الخفيفية، «هناك بعض السياح الذين يقتنون «بوكاديوس» ويسألون العديد من الزبناء عن الثمن لأنهم يخشون الزيادة في الثمن»، يقاطعه زبون كان ينتظر وجبته المكونة من الفلفل والباذنجان، قائلا «إن المغاربة هم من علموا السياح الأجانب سياسة التقشف واقتناء الأشياء الرخيصة، وتغيرت لدى المغاربة تلك الصورة النمطية التي تتلخص في أن كل سائح قدم إلى المغرب يملك ثروة من المال، لكن لا ننسى أن هناك سياحا أثرياء ويقصدون الأماكن الفاخرة». وارتياد السياح للمقاهي الشعبية يوازيه تبضعهم من الأسواق الشعبية والبسيطة واقتناء العديد من المشتريات من الباعة المتجولين، يقول بائع متجول «لم يعد الأجنبي يكلف نفسه عناء البحث عن الجودة التي تكلف ماديا، بل أصبح يبحث عن الثمن الأقل في كل شي». ليلة ب50 درهما أغلبية المشرفين على الفنادق غير المصنفة بالعاصمة الرباط تحفظوا عن ذكر أي تفاصيل في الموضوع، اثنان منهما استجابا، شرط عدم الإشارة إلى اسميهما أو الفندقين اللذين يعملان بهما خشية لقاء مصير الطرد. يقول مشرف على فندق غير مصنف «منذ سنوات والعديد من الأجانب يقصدون هذا الفندق، الذي لا يتجاوز ثمن المبيت لليلة الواحدة فيه خمسين درهما للفرد الواحد، وتحتل الجنسية الفرنسية المرتبة الأولى تليها الجنسية الإسبانية، ثم يأتي في المرتبة الثالثة الجزائريون والتونسيون والأمريكيون والهولنديون وغيرها من الجنسيات». الطبقة الوافدة على الفنادق من الأجانب، قد تنتمي إلى الفئة الفقيرة، غير أن المشرف على الفندق أكد أن هذه الحالات قد تكون موجودة، لكن من خلال حواره مع بعض السياح يتبين أن منهم أطباء وأساتذة جامعيين وموظفين، ليوضح، ل«المساء» أنه كلما أتيحت له الفرصة للحديث مع بعضهم وسؤاله عن سبب اختياره لهذا الفندق دون البحث عن فندق مصنف، يكون جواب أغلبهم أنهم يعيشون في بلدانهم حياة الترف، ويبحثون في المغرب عن حياة مختلفة تكون بسيطة جدا وغير مكلفة. ويضيف المشرف على الفندق أن السياح الفرنسيين الذين يقصدون فندقه يفضلون النوم في أكياس النوم «ساك دو كوشاج»، ولا يحتاجون إلى الأغطية، وفي بعض الأحيان، يضيف المتحدث نفسه، يأتي سائح ولا يجد غرفة فارغة فيطلب المبيت في «البهو» لأن كل مستلزمات المبيت يحملها على ظهره، ويحتاج فقط إلى مكان آمن لا غير». الرأي ذاته أكده مشرف على فندق آخر بالمدينة القديمة بالرباط، قال إن الفرنسيين هم النسبة الغالبة الذين يقبلون على هذا النوع من الفنادق، وتتنوع مستوياتهم الاجتماعية، ويؤكد أن هذا الصنف من السياحة أصبح ينتشر كثيرا، وهو ما يجعل الفنادق غير المصنفة خاصة وسط العاصمة الرباط تكون مزدحمة خاصة خلال فترة الصيف. وأضاف أنه يمكن زيارة فندق غير مصنف مثلا بمراكش في الصيف، لإيجاد بعض السياح وهم يبيتون في الهواء الطلق بأحد الفنادق، وهذا ما يجعل المواطنين يجدون منافسة قوية بين المغاربة والأجانب حول الفنادق غير المصنفة والتي تناسب الفئات الفقيرة والمتوسطة بالمغرب. مزاحمة الفقراء السياح الأجانب ينافسون المغاربة البسطاء على المبيت في هذه الفنادق، خاصة الذين يأتون لطلب العلاج بإحدى مستشفيات العاصمة. فاطمة قدمت من مدينة دمنات رفقة طفلها، البالغ من العمر عشر سنوات، تبحث عن فندق يأويهما لمتابعة بعض فحوصات ابنها بمستشفى ابن سينا، هذه المرأة التي اعتادت المبيت بأحد الفنادق وجدته ممتلئا، وقال لها المكلف بالاستقبال إنه لا يمكن أن يوفر لها المبيت، وتأكد لديها أن الفندق يملؤه الأجانب بشكل كبير. تقول فاطمة، والتعب يبدو على محياها «لم يعد للفقير مكان في هذه البلاد, تعبنا من الذهاب والمجيء، من أجل طلب العلاج لابني المريض، فنتمنى أن يأتي يوم يفكر فيه المحسنون في إنشاء مقر يأوي المرضى الذين يترددون لإجراء فحوصات أو تحاليل بالمستشفيات بمدينة الرباط». واشتكى آخرون من امتلاء الفنادق الرخيصة، خاصة خلال فصل الصيف. يقول أحمد، الذي قدم من مدينة مراكش إلى العاصمة من أجل قضاء بعض الأغراض الإدارية، «كل الفنادق الشعبية ممتلئة، خاصة بالأجانب الذين يزاحمون المواطنين المغاربة في كل شيء بسيط». هذا الواقع هناك من يعتبره استثناء وليس قاعدة، وفي هذا الصدد يقول عبد الفتاح أبو العز، أستاذ جامعي متخصص في السياحة «لا تمثل السياحة الرخيصة بالمغرب سوى 5 في المائة من مجموع نسبة السياحة في المملكة، ولكن لها مردودية تتجلى في الاستهلاك وأداء ثمن المبيت». وأضاف أبو العز، في تصريح ل«المساء» أن السياحة التي لها مردودية مرتفعة هي النسبة الأكبر إذ تحتل السياحة المتوسطة 40 في المائة، وما تبقى يمثل السياحة المرتفعة. وسبق لمحمد بوسعيد، وزير السياحة، أن قال خلال لقاء عقده بالدار البيضاء, السنة الماضية «لا نريد أن نكرس عن المغرب صورة بلد السياحة الرخيصة، نريد أن نحافظ على موقعنا كبلد للسياحة الراقية رغم الأزمة واحتداد المنافسة حول الأسعار». ستة ملايين ونصف سائح بالمغرب خلال تسعة أشهر بلغ عدد السياح الوافدين على المغرب, إلى غاية شهر شتنبر 2009, ما يناهز 6.5 ملايين سائح أي بزيادة تقدر ب5 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2008، ومن المتوقع أن يصل عدد الوافدين 8.3 ملايين سائح إلى نهاية سنة 2009، حسب الحصيلة السياحية لسنة 2009 التي قدمت أثناء مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة السياحة بمجلس النواب. وبلغ عدد المبيتات الفندقية المسجلة بمؤسسات الإيواء المصنفة إلى متم شهر شتنبر 2009 ما يناهز 12.4 مليون ليلة سياحية أي بانخفاض يقدر ب2.5 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2008. ومن المتوقع أن يصل عدد المبيتات السياحية نهاية سنة 2009 إلى حوالي 16 مليون ليلة سياحية بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة. وبخصوص عدد الوافدين، تبين النتائج الأولية أن السياحة المغربية تمكنت بفضل «كاب 2009» المخطط الاستباقي المغربي من الحفاظ على وتيرة تصاعدية لتطور عدد الوافدين مقارنة مع الوجهات المنافسة خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2009 مقارنة مع سنة 2008. ومن المتوقع أن تصل المداخيل السياحية إلى 51 مليار درهم عند نهاية سنة 2009، لأن المغرب استطاع التقليص من المنحى الانحداري للمداخل السياحية الذي بدأ منذ منتصف سنة 2008 على إثر الأزمة الاقتصادية العالمية. وعرفت سنة 2009 استمرار النمو بالنسبة للطاقة الإيوائية المصنفة التي ستفوق 165 ألف سرير في نهاية السنة. وتمت المصادقة خلال الفترة الممتدة ما بين يناير وشتنبر 2009 على 21 اتفاقية من طرف اللجنة الوزارية للاستثمارات ستمكن من خلق 8480 منصب شغل، وتمثل هذه الاستثمارات 29 في المائة من مجموع الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة في مختلف القطاعات كما تمثل أيضا 40 في المائة من مناصب الشغل المحدثة. وبخصوص النقل الجوي، سجلت سنة 2009 ارتفاعا في وتيرة الرحلات الجوية بنسبة 15 في المائة خلال موسم الصيف، وارتفاعا بنسبة 20 في المائة خلال موسم الشتاء. وارتفعت حركة النقل الجوي الدولي في المطارات المغربية ب6.7 في المائة برسم الأربعة أشهر الأولى لسنة 2009، وذلك رغم أن الثلاثة أشهر الأولى الصعبة التي سجلت خلالها الدول الأوربية انخفاضات هامة تصل إلى ما بين ناقص 8 في المائة وناقص 18 في المائة بالنسبة إلى إسبانيا.