بعيدا عن كل «الضجيج» المنظم الذي «تحفل» به أمواج الأثير، أخذت الإذاعة الوطنية (إذاعة طنجة) أسماعنا إلى باحة استراحة وارفة في حديقة الإبداع الغنائي المتميز الذي شكلت مجموعة «ناس الغيوان» أحدَ ألمع نماذجه... حلقة ليلة الخميس-صباح الجمعة 30 أكتوبر الأخير من برنامج «أنيس الليل.. أنيس المبعين» خصصها عبد الحميد النقراشي لأسطورة وفقيد الأغنية الغيوانية بوجمعة حكور «بوجميع» الذي غيبته المنون قبل 35 سنة... قبل 35 سنة و6 أيام رحل، إذن، «أسطورة» ناس الغيوان الذي صنع جزءا كبيرا من مجد المجموعة الغيوانية التي أخلصت، شكلا ومضمونا، لانتظارات وانشغالات المجتمع المغربي في تلك المرحلة الزمنية من أواخر الخمسينيات وعلى امتداد عقد الستينيات، فالسبعينيات... أول مداخلة في البرنامج كانت لرفيق درب «بوجميع»، عمر السيد، الذي ربطته به علاقة خاصة إلى درجة أنهما كانا لا يكادان يفترقان... عمر السيد استرجع لحظات من حياة «بوجميع»، الرياضي والممثل المسرحي والفنان الذي اشتهر في مخيلتنا ب«دعدوعه» الذي لا يكاد يفارقه في كل إطلالاته الجميلة رفقة ناس الغيوان في زمن النغم المغربي الأصيل... تحدث السيد عن بدايات «بوجميع» في المسرح ضمن فرقة «رواد الخشبة» التي أسسها واشتهر معها بأدائه لأدوار رئيسية في مسرحيات غنائية. وعكس ما يعتقد الجميع من كون أعضاء ناس الغيوان قد عرفوا الشهرة عندما غنوا في مسرحيات الطيب الصديقي ك«الحراز»، «سيدي عبد الرحمان المجذوب» و«ياسين في الطريق»، فإن المجموعة اشتهرت قبل ذلك ضمن فرقة «رواد الخشبة». التي أسسها المرحوم بوجميع... أحمد الصعري، الممثل المسرحي، تحدث بدوره عن بدايات بوجميع المسرحية، خصوصا في مرحلة التألق رفقة الطيب الصديقي وعن بديات المجموعة الغنائية، إذ ذكر الصعري أنها كانت في البداية معروفة باسم «New Derwich» الذي كان باقتراح من بوجميع الذي استقى التسمية من مجموعة مصرية تسمى «الدراويش الجدد» كان لدى أحد أعضائها آلة إيقاع تشبه «دعدوعَ» بوجميع... ونيابة عن عائلة المرحوم، تحدث عبد الله حكور (أخ بوجميع) الذي ذكر أن أصول العائلة صحراوية تتحدر من نواحي طاطا. وذكر أن بوجميع تأثر بأهازيج والدته واستلهم منها كلمات بعض الأغاني الرائدة في ريبرطوار ناس الغيوان. كما ذكر عبد الله أن وفاة بوجميع خلفت أثرا بليغا في نفوس أفراد العائلة وخاصة والدتهم التي فارقت الحياة، سنة واحدة بعد رحيل ابنها بوجميع... الشاعر أحمد صبري ذكر، من جهته، أن تألق المجموعة، وعلى رأسها بوجميع، جاء نتيجة استفادة ناس الغيوان من الأهازيج والإيقاعات الأمازيغية، العيساوية والحمدوشية التي كانت فرق فلكولورية تؤديها على مشارف الحي المحمدي. وقد أحسنت مجموعة ناس الغيوان التعامل مع هذا الموروث الموسيقي المغربي وقدمته في شكل وقالب فني يساير روح العصر... كما أشار الشاعر صبري إلى أن ثورة 68 في فرنسا كان لها دور في إحداث تغييرات في الأنماط الموسيقية السائدة آنذاك.