دخل الصراع بين أحزاب الأغلبية الحكومية والمعارضة نفقا جديدا، بعد انسحاب أحزاب المعارضة من اجتماع لجنة الداخلية بمجلس النواب، احتجاجا على ما وصفته باستفراد الحكومة بإعداد القوانين الانتخابية في أفق الاستحقاقات الجماعية المزمع تنظيمها في شهر شتنبر المقبل. المؤشرات السياسية كانت دالة على أن الحرب الكلامية مرشحة للتصعيد، إذ قدم العماري قبل ذلك بأيام داخل المجلس نفسه مرافعة قانونية ضد اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات، التي يرأسها وزير الداخلية محمد حصاد ووزير العدل مصطفى الرميد. بيد أن المؤشر القوي في كل فصول الصراع هو الخروج الصريح لإلياس العماري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، لمهاجمة وزير الداخلية واصفا إياه بالمنخرط رقم 2 لدى حزب العدالة والتنمية، ولم يكتف بذلك فقط بل اعتبر حصاد بمثابة باها جديد يعضد رئيس الحكومة. وإذا كانت من الصعب جدا معرفة الخلفيات الحقيقية التي تسند هذا الهجوم-غير المسبوق- إلا أنه يمكن أن يفسر بأجواء التوتر التي تطبع العلاقة بين الأغلبية والمعارضة بسبب القوانين الانتخابية. بلغة أوضح: هجوم العماري على وزير الداخلية مبعثه الأساس إعداد القوانين الانتخابية وإشراف الحكومة على الانتخابات. بعيدا عن صراع العماري وحصاد، كان حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سباقين إلى إعلان مقاطعة اللجنة المركزية للانتخابات، بل إنهما اقترحا هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات الجماعية وقدما مذكرة مشتركة ووجهت بالمعارضة من طرف الحكومة ووزارة الداخلية. فهم هذا الرفض وكأن الحكومة أغلقت كل الأبواب في وجه حزبين كانا إلى عهد قريب يقودان السفينة الحكومية ولم يسبق لهما أن اقترحا إنشاء هيئة مستقلة. الغريب في كل القصة أن حزب الأصالة والمعاصرة ورغم أنه ينتمي إلى التحالف الرباعي لأحزاب المعارضة، لم يثر أبدا قضية الهيئة المستقلة التي اقترحها الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، وحتى عندما سألت «المساء» مصطفى بكوري، الأمين العام للحزب حول موقفه من خطوة حلفائه في المعارضة، اكتفى بالقول إن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، أي أن الأحزاب يمكن أن تلجأ إلى خطوة التصعيد ضد وزير الداخلية. معنى ذلك شيء واحد: داخل التحالف الرباعي ثمة تباينات في النظر إلى تنظيم الانتخابات المقبلة، وهو التباين الذي بدا واضحا خلال الأيام القليلة الماضية لاسيما بين الاستقلال والأصالة والمعاصرة. ما الذي تغير حتى تبدل أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لهجتها تجاه وزارة الداخلية، وهل يمكن أن نصدق أن الرسائل القوية التي وجهها إدريس لشكر إلى الحكومة ووصفها بالمستفردة بالقرار السياسي والتشريعي موجهة فقط إلى وزير الداخلية؟ مهما كان الأمر، فإن العملية الانتخابية بالمغرب تخضع للتوافق بين القصر والحكومة والأحزاب السياسية، وطيلة التاريخ السياسي الذي أعقب صعود الملك محمد السادس إلى الحكم، لم يصل الاختلاف إلى درجة تهديد أربعة أحزاب بمقاطعة الانتخابات الجماعية المقبلة، بمعنى أن التوافق لازال هشا. على هذا الأساس قد نفهم جيدا مغزى ما قاله عبد الله بوانو إثر انسحاب أحزاب المعارضة من اجتماع لجنة الداخلية. لم يقل بوانو إن غاية أحزاب المعارضة لي ذراع الحكومة والحزب الذي يقودها بل قال إنها تريد ابتزاز الدولة. السؤال الذي يطرح الآن: هل سيستمر شد الحبل بين الحكومة والمعارضة وبالتالي إضاعة مزيد من الزمن الحكومي والتشريعي، الذي من المفترض أن يستثمر في مناقشة فاحصة لقوانين تؤطر أول انتخابات جماعية في ظل الدستور الجديد؟ الحرب بين المعارضة والحكومة قد تكون في جزء منها سياسية تتوخى البحث عن أكبر قدر من المكاسب الانتخابية، مع العلم أن الحكومة مهمتها الأولى أن تضمن السير العادي للانتخابات من بدايتها إلى نهايتها، لكن جزءا من هذه الحرب نفسية فحزب العدالة والتنمية لا يمكن أن ينسى مهما كانت الظروف اكتساح حزب الأصالة والمعاصرة للانتخابات الجماعية، وأحزاب المعارضة تخشى من تكرار نفس سيناريو الانتخابات التشريعية وبسط سيطرته على الحقل السياسي المغربي. أمام الفرقاء السياسيين الآن خياران اثنان: أولهما أن تبدي الحكومة الكثير من المرونة في التعاطي مع مطالب المعارضة، لأنها في نهاية المطاف تشكل رقما يصعب تجاوزه بسهولة. وثانيهما أن تكف أحزاب المعارضة عن شخصنة الصراع مع الحكومة. الخياران قد يثمرا هواء جديدا من الثقة ولو في حدها الأدنى. على أحزاب المعارضة والحكومة أن تعي أن صراع الديكة الذي تخوضه في الوقت الراهن لن يخدم «الديمقراطية المغربية» في شيء، وينبغي أن تعرف أن هذا النقاش لا يهم الشارع المغربي في شيء ولا يجد له صدى لدى المواطنين الذين ملوا من لعبة تتكرر بنفس Qالبؤس» وبنفس «الاجترار». ضاعت القضايا الجوهرية في النقاش حول الانتخابات، فبعد أن صمت الجميع حول اعتماد اللوائح الانتخابية القديمة ذاتها، يبدو من الواضح أن نقاش التقطيع الانتخابي وكيفية تنزيل الجهوية الموسعة ليسا في صميم اهتمامات الأحزاب السياسية المغربية..إنها، في الأخير، لعبة بمقاصد معروفة.. همها الوحيد الوصول إلى الكراسي بأي ثمن.. هل تخشى المعارضة من تحريك ملفات الفساد؟ مفيد: تخوف الأحزاب من المتابعات لا ينبغي أن يصل حد التشكيك خديجة عليموسى بعد أن حسم الملك محمد السادس قضية الإشراف على الانتخابات، التي أوكلها لرئيس الحكومة وأعطى تعليماته لكل من وزير العدل والحريات ووزير الداخلية، شكلت لجنة مركزية لتتبع الانتخابات برئاسة الوزيرين المذكورين، والتي عقدت بعض لقاءاتها مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية إلى حين إعلان أحزاب المعارضة الأربعة مقاطعتها بمبرر أنها ليست دستورية. الجدل المثار حول دستورية هذه اللجنة لا يوجد له سند بالقوانين المغربية، إذ أن دستور 2011 لم يحسم في أمر الإشراف على الإطلاق، بل تحدث عن أن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة وأن تكون منتظمة، وبهذا فإنه لم يكلف أي جهة من الجهات بهذه العملية، يقول أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق بفاس في تصريح ل«المساء»، الذي أوضح أن الإشراف على تنظيم الانتخابات يتم بأشكال متعددة وليس هناك شكل واحد معمم في كل بلدان العالم، فمنها من أسند الإشراف إلى السلطة القضائية، وهناك من منحه إلى لجان مستقلة، وهناك من جعل العملية تحت إشراف الحكومة. وقد برز بشكل قوي قبل دستور 2011 نقاش حول تكوين لجنة مستقلة تشرف على الانتخابات تتوفر على كل ضمانات الاستقلالية، سواء من حيث تعيين الأعضاء أو من حيث الاستقلال المالي والإداري واللوجستيكي، لكن ذلك لم يتضمنه الدستور، ما جعل من الناحية العملية الحكومة هي الجهة المخول لها الإشراف على الانتخابات، وهو ما أكده الملك محمد السادس من خلال بلاغ الديوان الملكي، الذي أصدره عقب المجلس الوزاري، يقول مفيد، الذي اعتبر أن تشكيل اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات وعضوية مصطفى الرميد وزير العدل والحريات بها، جاءت في إطار اختصاصه لكون النيابة العامة ما زالت تعمل تحت وصايته، وموكول لها تحريك المتابعات في الجرائم الانتخابية، سواء بصفة تلقائية أو بناء على شكايات أو أن تتحرك إذا ما بلغ إلى علمها بأي وسيلة من الوسائل حدوث أعمال غير مشروعة تمس بنزاهة الانتخابات. عضوية وزير العدل والحريات في اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات لم ترق أحزاب المعارضة التي تطالب بضرورة استقلالية النيابة العامة عن وزير العدل والحريات، وترى أن تبعية هذا الجهاز للوزير من شأنها أن تؤثر على سير العملية الانتخابية، إذ تخشى أن يتم تحريك متابعات في حق رؤساء جماعات خلال الحملة الانتخابية، وهو ما سيسيء إلى صورة بعض الأحزاب لدى الرأي العام، وهو رأي سبق أن تم التعبير عنه إبان إحالة وزارة العدل ل16 ملفا تتعلق بالجماعات بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وهو الإجراء الذي تم انتقاده واعتبر معه توقيت إحالة الملفات غير مناسب، وهو ما رد عليه وزير العدل والحريات بالقول في حوار سابق ل«المساء»: «إن أجندة محاربة الفساد لا يجوز لها أن تضع في اعتبارها الانتخابات وغيرها، وإذا حدث ذلك فإننا لن نستطيع محاربة الفساد وسنتهم بالتغاضي عنه، حسبنا أننا وضعنا الملفات والحالات على الطاولة وأسقطنا الهويات الحزبية لمسيري تلك الجماعات، وناقشنا ذلك بتجرد كامل ولم نستحضر إلا الحالات التي يشتبه في أن تكون ذات طبيعة جرمية، وقد فعلنا ذلك سنتي 2012 و 2013 أيضا». تخوف أحزاب المعارضة من تحريك المتابعات إبان العملية الانتخابية «احتجاج مشروع هدفه الحرص على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية ولكن يجب ألا يصل إلى حد فقدان الثقة في المؤسسات»، وفق رأي أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق بفاس، الذي أكد أن وزير العدل والحريات لن يكون بإمكانه التدخل خارج القانون وليس من حقه تحريك متابعة غير مبنية على القانون، لأن كل المتابعات يجب أن تقوم على أسس قانونية سليمة ووقائع وأفعال محددة تشكل جرائم، علاوة على أن وزير العدل والحريات لا يتحكم في السلطة القضائية، التي جعل الدستور الملك ضامنا لاستقلالها، كل هذا، يقول مفيد، سيجعل وزير العدل يتحرك في إطار علاقته بالنيابة العامة فقط، في انتظار استقلالية هذا الجهاز عنه وفق ما جاء في خلاصات إصلاح منظومة العدالة. وبالمقابل، فإن أحزاب المعارضة ينبغي أن تكون حريصة على تطبيق القانون في كل القضايا في مواجهة العموم بدون تمييز بغض النظر عن الانتماء السياسي، يؤكد مفيد، الذي يبرز أن المجال الانتخابي مفتوح وليس مغلقا، لأن هناك ضمانات أخرى من شأنها تعزيز نزاهة الانتخابات من خلال دور ممثلي المنتخبين في مكاتب التصويت، ودور الملاحظين، سواء منهم المغاربة أو الأجانب، فضلا عن أن الدستور وضع شروطا أساسية لتحقيق النزاهة من خلال القوانين ذات العلاقة بالانتخابات، من أجل إفراز مؤسسات تعبر بشكل حقيقي عن إرادة الناخبين وهو السبيل إلى تحقيق الديمقراطية على أرض الواقع. بنهلال: تهديد المعارضة يروم إسماع الصوت والحضور الإعلامي لا أكثر قال إن خطاب المقاطعة مبادرة ظرفية خاصة بقيادات الأحزاب ولم يتبلور بعد كقرار استراتيجي يعتبر محمد بنهلال، الأستاذ الباحث في جامعة سيدي محمد بنعبد الله، وعضو المكتب التنفيذي للجمعية المغربية للعلوم السياسية، أن قرار مقاطعة الانتخابات قرار صعب قد لا تتحمله الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية بالمغرب، وقد يؤشر على انتقال العلاقات بين الأحزاب المغربية من مرحلة الصراع من أجل تحسين الموقف التفاوضي إلى مرحلة الصراع بهدف محاصرة الأدوار والدفع إلى تجذر المواقف تجاه بعضها البعض. وأوضح بنهلال، في هذا الحوار، أن هذا الأمر قد يؤشر أيضا على أن القوى المجتمعية والسياسية الفاعلة وغير الظاهرة دخلت في حرب على المواقع من أجل الاستفراد وإقصاء الآخرين. - انسحبت أحزاب المعارضة، مؤخرا، من مناقشة القوانين المتعلقة بالانتخابات احتجاجا على الحكومة، ما رأيك في ذلك؟ أعتقد بأن هذا الموقف هو استمرار لنهج طبع العلاقات بين الأغلبية الحكومية والمعارضة منذ انتخابات 25 نونبر 2011، وغلب عليه طابع الصراع السياسي المحتدم. قد يُلاحَظ خروجه في أحيان كثيرة عن حدود العمل السياسي المنضبط، لكنه في جميع الأحوال يبقى تعبيرا عن تصارع بين قوى كان المأمول فيها أن تتناغم تحركاتها وردود أفعالها مع طبيعة اللحظة التاريخية الدقيقة التي يمر منها المغرب في ظل ما تعرفه المنطقة من تحولات واهتزازات عميقة. - من بين المبررات التي قدمتها أحزاب المعارضة لانسحابها وجود وزير العدل في اللجنة المركزية للانتخابات. ألا تعتقد بأن تلك الأحزاب تخشى من تحريك المتابعة القضائية ضدها خلال الحملة الانتخابية؟ لم يكن ذلك هو المبرر الوحيد، إذ تمت الإشارة أيضا إلى مبررات أخرى من قبيل انفراد الحكومة بإنتاج الترسانة القانونية اللازمة للانتخابات وكذا تواريخ المنافسة الانتخابية… وبغض النظر عن عضوية وزير العدل من عدمها في اللجنة المركزية للانتخابات، فإن ذلك لا ينفي دور وزارة العدل، عن طريق التعليمات الكتابية، التي يمكن أن تصدرها إلى النيابة العامة لحماية مصلحة المجتمع في عدم خرق القوانين الانتخابية، من خلال تحريك الدعوى العمومية. وهذا الأمر لا يقتصر على الانتخابات، وإنما يهم مختلف المجالات. وبالنظر إلى ما عرفته الساحة المغربية منذ انتخابات 2011، فالمغرب لم يعرف تحولا جوهريا أو بالأحرى جذريا في ميدان استخدام الدعوى العمومية في عدد من المجالات، وبالتالي لا أتوقع أن يحصل هذا التغير الجذري في الانتخابات المقبلة، فالسيرورة العامة المغربية هي سيرورة تدرج وليس التحولات الجذرية. - كيف تقرأ خطوات المعارضة من خلال مقاطعة لجنة الداخلية، التي تنكب على دراسة القوانين الانتخابية، وقبل ذلك تلويحها بورقة مقاطعة الانتخابات؟ أعتقد بأن الأمر يدخل في سيرورة التفاوض حول المواقف وحتى المواقع بين الأغلبية والمعارضة في إطار ثقافة تسجيل «النقط» وتسجيل «الأهداف»، ويهدف أكثر إلى إسماع الصوت والحضور الإعلامي …. ولا أتوقع أن يصل الأمر إلى مقاطعة الانتخابات لاعتبارات أساسية، من بينها: أولا، قرار مقاطعة الانتخابات قرار صعب قد لا تتحمله الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية بالمغرب، وقد يؤشر على انتقال العلاقات بين الأحزاب المغربية من مرحلة الصراع على تحسين الموقف التفاوضي إلى الصراع بهدف محاصرة الأدوار والدفع إلى تجذر المواقف تجاه بعضها البعض. كما قد يؤشر أيضا على أن القوى المجتمعية والسياسية الفاعلة وغير الظاهرة دخلت في حرب على المواقع من أجل الاستفراد وبهدف إقصاء الآخرين. ثانيا، مقاطعة الانتخابات المحلية تفترض أن أطر الأحزاب السياسية المقاطعة وأعيانها ستغيب عن أن تكون ممثلة في المجالس لمدة طويلة، وهو الأمر الذي سيحرمها من مجموعة من المواقع والموارد تستخدم عادة من أجل تجديد قاعدتها الانتخابية وتوسيعها وتعبئة أطر وقواعد جديدة. وبالتالي فقرار مقاطعة الانتخابات المقبلة يفترض أن يحظى بقبول أطر وقواعد الأحزاب السياسية عبر فتح نقاش عمومي داخلها. وهو أمر لم يلاحظ إلى حد الآن، مما يعطي الانطباع بأن خطاب المقاطعة هو مبادرة ظرفية خاصة بقيادات الأحزاب ولم يتبلور بعد كقرار استراتيجي. العامل الأخير الذي يمكن أن نورده هو سياق خطاب المقاطعة الانتخابية والفاعلين الموجه إليهم، وهما معطيان يساهمان في فهم مدى فاعلية هذا الخطاب وكذا أبعاده. فعلى مستوى السياق، يندرج خطاب المقاطعة، كما قلت، في سياق سلوك الفاعلين (الحكومة والمعارضة) سلوكا غلب عليه طابع الصراع الحاد وغياب التعاون في محطات كثيرة: يمكن الإشارة إلى النقاش الذي أثير منذ البداية حول اقتسام الحصة الزمنية بين رئيس الحكومة والبرلمان في جلسات المساءلة الشهرية، وحول صلاحيات رئيس الحكومة في التعيين في المناصب السامية، وحول إصلاح نظام المقاصة، وكذا نظام التقاعد ….الخ. وإذا كان الصراع السياسي أمرا ملازما وطبيعيا للعملية السياسية فهو يصبح ممارسة لا تحقق الهدف المنشود المتمثل في التنافس بين التصورات والخيارات، وعرضها على النقاش العام، عندما يندرج في سياق الاتهام والاتهام المضاد، واستخدام تعابير تصل أحيانا إلى حد السب. وعلى مستوى الفاعلين الموجه إليهم خطاب المقاطعة، فيمكن حصرهم في الأغلبية الحكومة، وهم فاعلان يملكان في النظام السياسي المغربي جزءا من القرار العمومي وليس كل القرار الذي يعرف أدوارا دستورية وسياسية مهمة تضطلع بها المؤسسة الملكية. ومعلوم أن خطاب المقاطعة يكون له وقع سياسي كبير عندما يرمي إلى القيام بتعبئة شاملة لقاعدة عريضة من المواطنين بهدف التهديد بالكرسي الفارغ لفاعلين رئيسيين وآثاره على استقرار النظام السياسي برمته. وبالتالي لا أتصور بأننا نوجد الآن في هذه الصيرورة لأن الأمر يندرج فقط في سياق التفاوض بين المعارضة والأغلبية الحكومية بلغة مختلفة وفي توقيت وموضوع جديدين. - إلى أي حد يمكن للمعارضة أن تحقق من خلال تحركاتها الأخيرة مكاسب في صراعها مع الحكومة والأغلبية؟ تحقيق المكاسب مسألة ترتبط ليس فقط بالسلوك الضاغط للمعارضة البرلمانية، ولكن أيضا بقرارات الأغلبية الحكومية، بتماسكها وبمدى قبول الشارع لخطاب المعارضة تلك. وإذا كانت استجابة الحكومة والأغلبية لبعض مطالب المعارضة يمكن توقّعها على أساس أنها تسعى إلى تلطيف أجواء التنافس الانتخابي من أجل إنجاح المحطة الانتخابية التي تشرف عليها، فمدى قبول الشارع لخطاب المعارضة، وهي مسألة مهمة بالنسبة إلى أدائها السياسي في الانتخابات المقبلة وإلى النتائج التي قد تحصل عليها، يتوقف على القيام باستطلاع رأي من أجل رصد توجهات الشارع في هذا الخصوص. - هل تنجح الأغلبية الحكومية في إخراج مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات دون حضور المعارضة؟ على المستوى الدستوري تستطيع الأغلبية الاضطلاع بأدوارها في إنجاز مختلف النصوص اللازمة للعملية الانتخابية، ولكن إن قامت بذلك بدون مساهمة المعارضة فذلك يعنى أنها فشلت في تحقيق بيئة التوافق التي تحتاجه المنافسة الانتخابية. وعليه من الوارد جدا صدور مبادرات حكومية تدفع المعارضة إلى استئناف مشاركتها في هذه السيرورة. الشرقاوي: نرفض استقواء الأغلبية ولا ننوي عرقلة العملية التشريعية المهدي السجاري مواجهة مفتوحة تشتد حرارتها كلما لاح موعد الانتخابات الجماعية في الأفق. فبعد المخاوف التي عبرت عنها المعارضة بشأن نزاهة الانتخابات وتلقيها تطمينات واضحة بعدم إمكانية التلاعب بنتائج هذه الاستحقاقات، تفجر الخلاف في محطة حاسمة تتعلق بالقوانين المنظمة للانتخابات. انسحاب المعارضة من لجنة الداخلية رأى فيه رئيس فريق العدالة والتنمية «ابتزازا» للحكومة والدولة على حد سواء، على اعتبار أن الأغلبية تعاملت بمنتهى التوافق وقبلت كل مقترحات رؤساء فرق المعارضة، سواء عندما طلبت تأجيل انعقاد لجنة الداخلية الذي كان محددا في 4 مارس، أو عندما طلبت مناقشة كل مشروع قانون تنظيمي من المشاريع الثلاث على حدة . لكن المعارضة اعتبرت أن موقفها جاء ردا على ما تصفه برفض الحكومة الرد على مقترحاتها بخصوص مجموع مشاريع القوانين المتعلقة بإجراء انتخابات مجالس الجماعات الترابية، حيث أعلنت مقاطعتها لأشغال اللجنة إلى حين أخذ الحكومة برأيها، بل إن زعماء المعارضة لوحوا بدراسة كل الخيارات المطروحة في حال عدم استجابة الحكومة لمطالبهم. الشرقاوي الروداني، عضو الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة، اعتبر في تصريح ل«المساء» أن الحزب مستعد للانتخابات، لكن الإشكالية المطروحة ترتبط بالمقاربة التي اعتمدتها الحكومة في التعاطي مع هذه القوانين والخطاب المزدوج للأغلبية داخل البرلمان، التي لجأت إلى المادة 65 من القانون الداخلي لفرض أغلبيتها المطلقة لانعقاد لجنة الداخلية». وأضاف الشرقاوي: «الأصالة والمعاصرة واع بأن المرحلة جد مهمة لأنها ترتبط بالديمقراطية الترابية، ولهذا نريد أن تكون القوانين الانتخابية محكومة بهاجس مستقبلي وتحدي التنمية والهاجس الاقتصادي، لكن الأغلبية لم تتعاط بالشكل الذي كنا نتمناه مع مشاريع القوانين». وأوضح النائب البرلماني أن «هناك ضغطا من طرف الأغلبية لتجاوز بعض الآليات الدستورية التي منحت لمجلس المستشارين ومجلس النواب لمناقشة هذه القوانين»، حيث سجل أن «المعارضة ليست لها النية لوضع عراقيل أمام العملية التشريعية، لكن الأغلبية تريد ممارسة الأغلبية العددية». وعلى هذا الأساس، أشار الروداني إلى أن «المعارضة لها تحفظات على معطيين أولهما أن يوم الاقتراع الذي تقول الحكومة إنه سيكون الجمعة، والمعطى الثاني يرتبط بعضوية وزير العدل في لجنة الانتخابات، إلى جانب خطاب التشهير الذي تقوم به الأغلبية، خاصة الحزب الأغلبي، هو خطاب غير صحي في مشهد سياسي يسعى إلى الرفع من منسوب الخطاب السياسي العقلاني». واعتبر أن «المعارضة لها موقف ثابت على أن هذه المرحلة حاسمة وتستوجب التوافق حول جميع مشاريع القوانين الانتخابية وتنفيذ مقتضيات دستور 2011 فيما يتعلق بالديمقراطية الترابية والمحلية، لكنها ترفض الاستقواء الذي تمارسه الأغلبية من داخل البرلمان بلجوئها إلى المادة 65 من النظام الداخلي لعقد لجنة الداخلية لمناقشة مشروع قانون الجهات، بل يجب أن يكون هناك توافق سياسي وأن يتم تجاوز الخطابات الشعبوية والتشهير». هذا التوتر الذي يشوب علاقة المعارضة بالحكومة والأغلبية يرد عليه رشيد ركبان، رئيس فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب، بأن الأغلبية لن تقبل الاشتغال لوحدها في غياب المعارضة، لكنها لن تقبل أيضا عرقلة السير العادي لأشغال مجلس النواب باعتباره مؤسسة دستورية. وعاد ركبان إلى الإشكال الذي تفجر بين الطرفين، حيث اعتبر أن المعارضة هي التي حددت تاريخ اجتماع لجنة الداخلية وجدول أعماله، «وهو ما يعبر عن حسن نية الأغلبية وميلها لنهج الحوار والتشاور لتوفير المناخ الإيجابي للمناقشة». وبعد كل هذا، يوضح ركبان، فوجئت الأغلبية بانسحاب المعارضة، حيث أخذت الأغلبية الكلمة للمطالبة برفع الجلسة للتشاور لمدة 10 دقائق على مستوى رؤساء الفرق، قبل أن يقرر رئيس لجنة الداخلية المنتمي للمعارضة دعوة مكتب اللجنة إلى اجتماع بحضور ممثلي المعارضة، إذ تم الإصرار على رفع الجلسة بشكل نهائي وتم اللجوء إلى التصويت داخل المكتب، بل إن رئيس اللجنة منح صوته للمعارضة لترجيح كفتها. وأكد أن فرق المعارضة عندما انسحبت من الجلسة، لم تدع إلى رفع توقيف أشغالها بل رمت الكرة إلى الأغلبية، التي قررت ألا تطلب الشروع في المناقشة والدراسة لقانون الجهات، حيث سجل أن «ما قام به رئيس اللجنة والمعارضة معناه أن الأخيرة فرضت رأيها ووضعتنا أمام الأمر الواقع وأوقفت أشغال لجنة الداخلية إلى أجل غير مسمى». وفي هذا السياق، يرى رئيس الفريق التقدمي أن عدم اجتماع اللجنة إلى أن تقرر المعارضة ذلك يشكل عرقلة واضحة للسير العادي لمجلس النواب، «ولن نقبل برهن المؤسسات الدستورية بهذا النوع من الأساليب، لأن معنى ذلك أن لا رأي يسود إلا رأي المعارضة ولا قرار إلا قرارها، وإلا فإنها ستهدد بتوقيف ومقاطعة كل شيء». وأضاف: «القوانين التنظيمية الثلاثة جاءت إلى مجلس النواب في حلة متقدمة وإن لم ترق إلى المستوى الذي نطمح إليه رغم الجهود المبذولة في المراحل التشاورية، لكن يمكن أن نجودها على مستوى البرلمان، حيث إن هذه المحطة أساسية لأننا كأغلبية لا يمكن أن نتخلى أبدا عن مهامنا البرلمانية وسنبذل قصارى جهودنا للاضطلاع بأدوارنا الدستورية». أكيد أن تحركات المعارضة لتضمين مقترحاتها في إطار النقاش حول القوانين الانتخابية يبقى أمرا عاديا، في ظل تنافس سياسي محموم بعد أشهر قليلة من هذه الاستحقاقات. بيد أن المقاربة التشاركية والحس التوافقي حول القوانين المنظمة للاستحقاقات المقبلة يبقى أحد مفاتيح إنجاح هذه المحطة الأساسية في مرحلة ما بعد دستور 2011. شقير: «المعارضة لا تملك خيارا أو بديلا وهو ما يفسر لجوءها إلى الضرب على الطاولة» م. الحجري نفذت المعارضة جزءا من وعيدها لتنسحب من اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، خلال تدارس مشاريع القوانين الانتخابية، في لعبة سياسية تبقى أوراقها جد محدودة، حسب عدد من المتتبعين، الذين ربطوا قرار المعارضة بضيق هامش المناورة أمامها، خاصة بعد الحسم في موعد إجراء الانتخابات. هذه الخطوة التي قال بلاغ صادر عن المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية بأنها تتجاوز «الفعل المعارض الديمقراطي العادي والمطلوب، لتسقط في منطق عرقلة السير العادي للمؤسسات»، قد تجد في ظل وضع سياسي صحي، وسليم، تفسيرها في بحث الأحزاب الأربعة عن مكاسب سياسية من خلال الضغط على الحكومة، غير أن هذه القراءة تبدو غير موضوعية بالمطلق، أخذا بعين الاعتبار المناخ السياسي السائد، وطبيعة بعض القيادات التي تتحكم في أحزاب المعارضة، وأيضا التبريرات التي تم الاجتهاد في البحث عنها من أجل تسويق هذا القرار أمام الرأي العام، ومنها «استفراد الحكومة بالتحضير للانتخابات المقبلة، وعدم إشراكها في إعداد مشاريع القوانين المتعلقة بالانتخابات»، وإجراء الانتخابات يوم الجمعة. في هذا السياق ربط محمد شقير، أستاذ العلوم السياسية، سلوكات المعارضة بمحاولة للظهور كأرقام مؤثرة في الساحة السياسية، ولو تم ذلك بقرارات لن تكون لها أي مردودية سياسية باستثناء محاولة رفع الصوت أمام الرأي العام، من خلال التضخيم الإعلامي. وأورد شقير مطلب تأجيل الانتخابات كنموذج يكشف ما قال إنه مزايدات سياسية تتحكم في تحركات المعارضة، وقال إن مطلب التأجيل الذي تم طرحه خلال الندوة الصحفية، التي أعقبت الانسحاب من الجلسة، هو مسألة تتجاوز الحكومة، لأن الانتخابات ظلت تجرى منذ الستينيات يوم الجمعة، نظرا لطبيعة المرجعية التي ترتكز عليها بالمغرب، وهي مرجعية دينية أكثر منها مرجعية سياسية علمانية، وبالتالي فرفع طلب تأجيل الانتخابات بدعوة أن إجراءها يوم الجمعة «ينطوي على استغلال للمعطي الديني من أجل تجييش الناخبين للتصويت على طرف معين»، هو مجرد «مزايدة سياسية ومحاولة لرفع الصوت لا غير». ونبه شقير إلى أن مسألة تأجيل الانتخابات تم الحسم فيها، كإجراء قامت به الحكومة فعلا، وبالتالي فإن سقوط المعارضة في مثل هذه التسخينات السياسية والمزايدات يكشف في الحقيقة أنها لا تملك هامشا كبيرا للتحرك، ولا تملك بديلا مطروحا قد يبدو مقنعا خلال الحوار الذي أعلن عنه وزير الداخلية، لذا تفرط في اللجوء للتضخيم والمزايدات، ولو تم ذلك من خلال مواقف محسومة سلفا مثل موعد الانتخابات». وفي قراءة للمسار الذي يمكن أن يؤول إليه الوضع، في ظل استمرار لعبة شد الحبل بين المعارضة والحكومة والأغلبية، قلل شقير من تداعيات ما أقدمت عليه المعارضة، ومن إمكانية تأثيره على السير الطبيعي للمؤسسات، أو للمسار الانتخابي، وقال إن الأمور «ستمضي في مسارها الطبيعي بحكم أن القوانين وضعت، وموعد الانتخابات حدد، وأن «ما تقوم به المعارضة هو نوع من الضرب على الطاولة، لأنها تعلم بأن لا خيار أمامها سوى المضي في لعبة الشد والجذب واستعراض العضلات». هذا التحليل يتطابق إلى حد كبير مع رد أطراف من الأغلبية على قرار المعارضة، وهو الرد الذي لم يتأخر كثيرا بعد أن سارع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إلى إصدار بلاغ قال بأن انسحاب أحزاب المعارضة من اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب «ينطوي على منطق بالغ الخطورة، ما يجعلها تتحمل المسؤولية كاملة في السير نحو إفراغ الفعل المؤسساتي من كل معنى»، وقال البلاغ ذاته إن تغليب روح الحوار واعتماد المقاربة التشاركية والمنهجية التوافقية، لا يعني أن تفرض المعارضة رأيها على الأغلبية، وترهن المؤسسات الدستورية بأساليب ابتزازية». ويبدو أن لغة الوعيد والتهديد التي طغت على عدد من الرسائل التي تحاول المعارضة بعثها من خلال أكثر من مستوى، جعلت مفعولها يرتد بشكل عكسي، ومنها التهديد بمقاطعة الانتخابات الذي رأى فيه شقير نوعا من التسخينات الانتخابية المرتبطة بشكل كبير بطبيعة الشخصيات والقيادات التي تتحكم في بعض أحزاب المعارضة، والتي قال عنها إنها «شخصيات شعبوية رصيدها الأساسي هو المزايدة وتعاني من غياب البرنامج السياسي والبدائل، مثل ما هو حاصل في حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي»، وأضاف بأن الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات ستشهد المزيد من التحركات النابعة من المنطق نفسه. ويبدو أيضا أن بعض رسائل المعارضة أخطأت العنوان، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات، بحكم أن الدولة حرصت على ترك مسافة بينها وبين المجال الانتخابي، وتركته للمكونات الانتخابية، بعد أن وجدت أن من مصلحتها محاولة رفع يدها ما أمكن، لتترك الصراع مفتوحا بين المكونات الانتخابية، وهو أمر يؤرق بعض الأحزاب التي أفلست شعبيا، وفي هذا السياق قال شقير إن بعض المكونات الحزبية وخاصة من المعارضة «تحاول التغطية على الضعف وغياب الجدية والقوة، من خلال الإفراط في لغة المزايدات والتهديد ما يجعلها مجرد ظاهرة صوتية بحكم أن الموعد حسم والرهانات حددت».