يتحدد مفهوم العنف وفق تصورات معينة. وإذا اختلف البعض في تعريف المفهوم فإنهم لا يختلفون حول نتائجه الكارثية، سواء على الفرد أو المجموعة أو الدولة بمقوماتها. فالعنف، كقيمة، يتوزع امتلاكها حسب الأفراد من منطلق فكري أو منطلق ضروري من أجل الحياة، لذلك نجد طريقة تصريفه تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر. ولا شك أن ما يعرفه أفراد المجتمع بالمغرب من عنف مرتبط أساسا بأشخاص يعتبرون في خانة المجرمين أو أصحاب السلطة لدليل قاطع على عدم الأمان النفسي والمعنوي الجسدي وكذا الرهبة التي يمكن أن تغير من سلوك الفرد وحتى من فكره في بعض الأوقات. ففي المغرب مثلا يظهر جليا تأثير العنف واستعماله كوسيلة لحل الخلافات في أماكن وأوقات متعددة مثل بداية الانتخابات وطيلة مسيرتها. فهذه السنة لم تخل من عنف جسدي أو معنوي أصيب خلاله العشرات من المواطنين في مختلف المناطق في المغرب، ولم يسلم أصحاب السلطة من عنف مورس عليهم من خلال ملفاتهم السوداء التي صنعوها بأيديهم. كما أن العنف حاضر بقوة في الجامعة، وهو يستعمل أيضا كوسيلة لخل الخلافات والصراعات الفكرية التي يمكن أن تواجه الفصائل في ما بينها أو الفصائل والطلبة من ناحية أخرى، وهذه السنة أيضا، كما سنوات سبقت، لم تسلم الجامعات من العنف، سواء بمراكش أو وجدة، حيث وقعت مواجهات أصيب خلالها العديد من الطلبة، ناهيك عن الارهاب النفسي الذي يتعرض له أغلب الطلبة اللامنتمين. ومن ناحية أخرى، تستعمل الدولة العنف كوسيلة لحل خلافاتها مع الشعب ومن أجل قمع جميع الحركات الاحتجاجية التي تطالب بحقها في عيش كريم. وتستعمله لقمع المعطلين الذين يطالبون بحقهم في التشغيل، ولم تخل هذه السنة من التمثلات المشار إليها سابقا في البرلمان أو سيدي إفني أو صفرو. فالعنف. كما ذكرت، يحضر كقيمة داخل المجتمع يستعمله كل من الأفراد والدولة من أجل تحقيق مصالح معينة، والمتضرر الأول والأخير الذي يمارس عليه هذا العنف النفسي أو المعنوي هم أبناء الشعب من الطبقة الفقيرة والمتوسطة. إن استعمال العنف يدل على ضعف في شخصية من يمارسه، فهو لا يستطيع أن يحل المشاكل ولو بشكل جزئي ربما لأنه يعتبر ذلك ليس من شأنه أو لأنه يريد إبقاء وضع معين على ما هو عليه لأنه يخدم مصلحته بشكل أساسي. أليس من الطبيعي أن تحل المشاكل والصراعات الفكرية والإديولوجية بشكل سلمي عقلاني يخدم مصالح الشعب؟ ألايمكن أن نكون أفضل حالا في مغربنا لو تغيرت سياسة القمع والتهميش التي تتبعها الحكومة وأجهزتها. أم أن ما نفكر فيه رهين بمتعلمين، نخبة أو مثقفين شغلهم الشاغل تحسين وضعية المجتمع والدولة بما يرضاه الجميع؟..