أثر تقرير أصدره البنك الدولي قبل أيام حول التنمية في العالم سنة 2009 حفيظة عدد من المسؤولين والاقتصاديين المغاربة، حيث يربط بين تحقيق الرفاهية والازدهار وبين التوجه نحو تكثيف تمركز النشاط الاقتصادي في المدن الكبرى، في حين أن المغرب والعديد من بلدان العالم اتخذت قرارا استراتيجيا بالاتجاه نحو اللامركزية واللاتمركز إداريا واقتصاديا للتغلب على الفوارق الجهوية التي تعاني منها. فالتقرير، الذي اختار موضوع «إعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية»، يقدم بعض النماذج الناجحة في المعمور التي تحقق لها هذا النجاح لأنها شجعت على حدوث تغييرات في جغرافيتها الاقتصادية في اتجاه إحداث أكبر قدر من التمركز والكثافة الاقتصادية في المدن الكبرى، والعمل على جعل المسافة بين هذه المدن وباقي المناطق قصيرة بما يساعد على هجرة العاملين إلى مؤسسات العمل، والتقليل من عوامل الانقسام التي تتجلى في الحواجز الحدودية والحواجز الأخرى التي تحول دون الاندماج في الأسواق العالمية. وعرفت الندوة التي عقدها البنك الدولي في الرباط الجمعة الماضية انتقادات لبعض الخلاصات التي ذهب إليها التقرير، سيما ما يتعلق بالكثافة والتمركز الاقتصادي، فقد صرح محمد شفيقي مدير الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة المالية أنه لا يتفق مع فكرة التمركز الاقتصادي، لأن المؤهلات الكامنة للمغرب مثلا بدأت تظهر في الشمال مع الميناء العالمي طنجة المتوسط، أكثر من مؤهلات المحور التقليدي للتمركز الاقتصادي الدارالبيضاءالقنيطرة. وأضاف المسؤول خلال الندوة أن تعميم الاستفادة من ثمار التنمية على الجميع يمر بالضرورة عبر إخضاع هذه التنمية للمنطق الترابي، وفك الارتباط بسياسة التركيز والتمركز في اتخاذ القرارات، مشيرا إلى أن تنفيذ المشاريع والسياسات بقرارات بيروقراطية مركزية كان مصيره مواجهة المشاكل والفشل. وانتقد شفيقي الإشارة إلى أن التنمية والاندماج الاقتصادي تحقق في بلدان أوربا الغربية لأن الحدود فيما بينها اختفت أو تكاد، في حين أن هناك حاجزا كبيرا أمام البلدان الإفريقية، واعتبر أن في ذلك إشارة إلى أن وضع القارة كان أحسن عندما كانت مستعمرة ولا تفصل بينها حدود قطرية، في حين أن هذه الحدود يقول مسؤول وزارة المالية – عنوان على الاستقلال الوطني وتحمل كل بلد مسؤوليته في تحقيق التنمية دون انتظار مساعدة الآخرين. وفي الاتجاه النقدي دائما، رأى المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي في تصريح ل «المساء» أن مؤاخذته على تقرير البنك الدولي تتجلى في اقتصاره على النماذج الجيدة للتمركز الاقتصادي، وعدم تطرقه للنماذج السيئة لمدن كبرى في العالم كان تركيز الأنشطة الاقتصادية فيها وبالاً على التوازن البيئي، وسببا لغلاء المعيشة والعقار وازدياد الإجرام... وأضاف بنعلي أن التقرير يتحدث مثلا عن مدينة «كانو» في نيجيريا كنموذج ناجح لمدينة كبيرة يسعى سكان البوادي للهجرة إليها بحثا عن فرص اقتصادية هناك، ولم يشر بالمقابل إلى العاصمة النيجيرية «لاغوس» التي تعيش أوضاعا كارثية بفعل الكثافة السكانية الناتجة عن كثافة النشاط الاقتصادي الموجود فيها.