تعد الوثيقة الحكومية التي تحمل عنوان رؤية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمغرب ,2020 التي انفردت التجديد بها، واحدة من بين الدراسات التي أنجزها مكتب دراسات أجنبي لصالح المغرب، إذ سبقتها العديد من الدراسات التي موّلتها الحكومات المغربية، وأعدتها مكاتب للدراسات والاستشارات الدولية مثل ماكينزي أو مؤسسات دولية كالبنك الدولي، وأخرى أعدتها مؤسسات وطنية مثل المندوبية السامية للتخطيط، حول عدد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وأثارت نقاشا عموميا مهما. البرنامج الحكومي يطابق الوثيقة في عناوين كثيرة من بينها تحديث الإدارة ومحاربة الرشوة وإصلاح نظام الحكامة وتطوير وتوسيع نظام اللامركزية واللاتمركز والجهوية المثير في الوثيقة المشار إليها هي كونها جاءت بطلب من حكومة ادريس جطو في آخر ولايته الحكومية، وهو ما جعلها عبارة عن دراسة تقييمية لمنجزات تلك الحكومة، بنجاحاتها وإخفاقاتها، وبمثابة برنامج حكومي مقبل، ومن هنا نجدها تتقاطع في بعض مضامينها مع البرنامج الحكومي الذي أعلن عنه الوزير الأول الحالي أمام البرلمان في أكتوبر الماضي، بعد توليه مسؤولية الوزارة الأولى خلفا لادريس جطو، وبالتالي قيادة الفريق الحكومي الحالي. كما أن الوثيقة ذاتها تثير أكثر من إشكال في هذا الباب، ويتعلق الأمر بإشكالية التخطيط الوطني ومرجعيته، حيث تم اللجوء إلى مؤسسات ومكاتب دراسات دولية في الوقت الذي توجد مؤسسات دستورية ووطنية كالمندوبية السامية للتخطيط ولم يقع تفعبا دورها بالشكل المطلوب، كما أن تعدد تلك الدراسات، القطاعية في أغلبها، يطرح إشكالا آخر يتعلق بالرهانات السياسية المتوخاة منها. في سياق الوثيقة ومضمونها قبل الانتخابات التشريعية ل 7 شتنبر الماضي، بثلاثة أشهر تقريبا، كان مكتب الدراسات والاستشارات الدولية مونيتور كروب قد انتهى من إعداد الدراسة التي كلفه بها ادريس جطو الوزير الأول المغربي، المشار إلى عنوانها أعلاه، الدراسة كما أكد للتجديد مصدر مطلع، أُعدت بمشاركة لجنة مغربية تضم خبراء ووزراء، واستهدفت وضع استراتيجية شاملة لمغرب ,2020 تكون ناظمة للاستراتيجيات القطاعية التي باشرت وضعها قطاعات معينة، بمعزل عن قطاعات أخرى، وهو ما يصيب الأداء الحكومي بعدم التوازن في أدائه، وهو ما أقرته الوثيقة واعتبرته من الاختلالات التي تجب معالجتها. تؤكد الوثيقة أن هناك ثلاثة متطلبات لمغرب العقد القادم، تتمثل في ثلاثية الديمقراطية والعدالة والازدهار، لكون ذلك يعد الطريق الأقصر نحو تحقيق مغرب قوي في عالم مفتوح، قادر على مواجهة الأخطار التي يمكن أن تهدد مسيرته، وفي الوقت ذاته مغرب جدير بكل أبنائه. وأكدت الوثيقة أن الطريق نحو تحقيق هذه الحاجيات، تمر عبر التقدم في 6 أقطاب ومحاور أساسية، تتمثل في بناء اقتصاد تنافسي وقوي ومندمج في السوق العالمية، والنهوض بمنظومة التربية والتكوين، ومواجهة مشاكل الفقر واللامساواة في الوسطين الحضري والقروي، وتعميم الخدمات الاجتماعية وتحسين جودتها، وتحديث الإدارة وتقريب خدماتها من المواطنين، والتدبير المسؤول والجيد للموارد الطبيعية. وتقترح الوثيقة على الحكومة المغربية إطلاق 7 مبادرات كبرى لتحقيق مغرب الديمقراطية والعدالة والازدهار في أفق ,2020 انطلاقا من المحاور والأقطاب السابقة، حيث تقترح الدراسة فيما يخص بناء اقتصاد تنافسي وقوي ومندمج في السوق العالمية، إطلاق مبادرات تهدف إلى التسريع من وتيرة التنمية المستدامة انطلاقا من الإمكانيات والقدرات الوطنية، بحيث يجب تحقيق نسبة للنمو في السنوات المقبلة تصل إلى 6% سنويا، وتحسين من مستوى العيش بنحو 2% سنويا، وجلب المزيد من الاستثمارات الخارجية على أساس أن تساهم ب 3 إلى 6% في خلق الثروة الوطنية سنويا، مع دفع مقاولات المغربية للاستثمار وذلك بأن تساهم هذه الأخيرة ب 10 إلى 15% سنويا. أما فيما يخص النهوض بالتربية والتكوين، فأكدت الدراسة على ضرورة ضمان التعليم الأساسي للجميع، وتعميم التمدرس للأطفال ما بين 6 و15 سنة، والتغلب على مشكلة الهدر المدرسي، ودعم المساواة في النوع في برامج الدراسية، إضافة إلى تحسين جودة التعليم. وفيما يخص القطب المتعلق بمواجهة الفقر واللامساواة، توصي الوثيقة الحكومة المغربية بإطلاق مبادرات في اتجاه العمل من أجل تعميم الماء الصالح للشرب والكهرباء وشبكة الطرق على جميع الأسر المغربية في الأفق المذكور، وضمان التعليم المدرسي لجميع الأطفال البالغين 16 سنة أو تيسير ولوجهم للتكوين المهني، وتوفير الشغل ل 50% من الساكنة النشيطة في العالم القروي خارج القطاع الفلاحي، على أساس أن جميع العاملين في هذا القطاع يجب أن يحصلوا على أكثر من 50 درهم يوميا. محاكمة حصيلة جطو لكنه بجانب هذه التوجهات والأهداف، وقفت الوثيقة عند حصيلة حكومة ادريس جطو، إذ أكدت أنه بالرغم من بعض النجاحات القطاعية، السياحة أساسا، فإن الاقتصاد المغربي، تؤكد الوثيقة، يعاني من ضعف التنافسية في السوق الدولية، ذلك أن هناك قطاعات قليلة منتجة وموجهة نحو التصدير، إضافة إلى أن الحركية التي يعرفها النسيج الاقتصاد الوطني معنية بها بعض الجهات دون غيرها، وهو ما يشير إلى شريحة واسعة من الساكنة المغربية غير معبأة من أجل ربح رهان التنمية الوطنية. ومن جهة أخرى، تشير الوثيقة، إلى أن الاستثمارات الخارجية التي جلبها المغرب بقيت مقتصرة على قطاع الخدمات وقطاع البناء والأشغال العمومية دون غيرها. وتؤكد الوثيقة إلى أن المغرب لم يستطع تعبئة الموارد البشرية التي يتوفر عليها، حيث البطالة ترتفع إلى 19 في المائة في صفوف حاملي الشهادات العليا، كما أن التنمية الجهوية في المغرب متفاوتة، فهناك ست جهات ظلت فيهم فرص الشغل المتوفرة مستقرة منذ ,2004 بينما استطاعت 4 جهات أن تخلق 70% من مناصب الشغل خلال الفترة ذاتها. أكبر من ذلك، تنبه الوثيقة، إلى أن المقاولات المغربية يبقى دورها سلبيا إزاء الاستثمار والتنمية الوطنية، بحيث أن المغرب صنف في الرتبة 59 من أصل 66 دولة تمت دراستها. وتطرقت الوثيقة أيضا إلى قضية التربية والتكوين باعتبارها من بين الرهانات لكسب تحدي التنمية، إذ تمثل ميزانيتها نحو 26% من الميزانية العامة للدولة، ومن بين أبرز تحدياتها مشكل الهدر المدرسي، حيث انقطع نحو 000,390 تلميذ قبل الحصول على البكالوريا سنة 87 ,2004 ألف منهم فقط من توجهوا إلى التكوين المهني، فضلا عن إشكالية جودة التدريس، حيث تشير الوثيقة إلى أن السبب وراء ذلك هو غياب آليات للمتابعة وقياس الجودة من جهة، وكذا مشكلة غياب الأساتذة وانعدام تحفيزهم من جهة ثانية، خاصة في الوسط القروي، كما تعد بطالة حاملي الشهادات تحديا آخر، إذ بالرغم من تحسن مستوى إدماج الخريجين في سوق الشغل في السنوات الأخيرة، تؤكد الوثيقة، فإن ذلك يبقى ضعيفا جدا مقارنة مع نسبة الخريجين، وتكمن المفارقة، طبقا للوثيقة، في كون أن هناك قطاعات اقتصادية تعرف دينامية وبحاجة إلى يد عاملة كفأة كما هو الحال بالنسبة لقطاع السياحة والبناء، إلا أن النظام التعليمي لا يواكب حاجيات سوق الشغل.وفيما يخص مكافحة الفقر واللامساواة أكدت الدراسة أن 22% من الساكنة تعيش بمستوى دخل أدنى لا يتعدى 1745 درهم للأسرة في الشهر، وتشتغل نحو 79% من الساكنة النشيطة في العالم القروي في قطاع الفلاحة والصيد حسب إحصاء ,2005 في حين بلغت وفيات المواليد في العالم القروي 53 في المائة سنة ,2006 بينما وصلت 28 في المائة بالوسط الحضري. ووصفت الدراسة الفقر في الوسط الحضري حيث تكدس السكان المعوزين وحيث البطالة مرتفعة، والسكن غير لائق، ووسائل نقل مهترئة، ووضع معيشي متدهور، دون شبكة للصرف الصحي، وهو وضع مألوف تقول الدراسة في أكثر من 50% من الجهات حيث البطالة الحضرية تفوق 20%. أما المحور المتعلق بتعميم الخدمات الاجتماعية تحسين جودتها، فتسجل الوثيقة وجود 30% من المغاربة لا زالوا يقطنون في سكن غير لائق، مشيرة إلى أن تحدي السكن مرشح للارتفاع مع هجرة نحو 200 ألف سنويا من السكان إلى المدينة، بالإضافة إلى ارتفاع النمو الديمغرافي، أما الخدمات الصحية فنبهت الوثيقة إلى استمرار الأمراض المزمنة بشكل مستفحل مثل السرطان والسكري والأمراض العقلية وأمراض القلب والشرايين، إضافة إلى ضعف الموارد البشرية والبنيات التحتية، وأكدت أن الاستثمار في القطاع الصحي يبقى ضعيفا، ناهيك عن التفاوت بين الجهات، حيث يتمركز الأطباء والممرضون في جهات محددة وقليلة دون أخرى. هذه الاختلالات التي طالت جميع المحاور 6 التي اعتبرتها الوثيقة طريقا نحو التقدم، طالبت بالمقابل بتسريع الإصلاحات بشأنها في السنوات المقبلة، ودعت إلى إطلاق مبادرات كبرى في كل محور، مما جعلها تتقاطع ومضمون التصريح الحكومي الذي قدمه عباس الفاسي بعد تنصيبه وزيرا أولا. الوثيقة والبرنامج الحكومي بين بنية الوثيقة والبرنامج الحكومي ثمة تشابه كبير، وإن كان هذا الأخير لا يرقى من حيث منهجيته إلى الوثيقة المحكمة الإعداد، إذ أن هذه الأخيرة محكمة من حيث بنيتها وفرضياتها والتشخيص الذي تقدمه للواقع الاقتصادي والاجتماعي، والتحديات التي يجب رفعها، والحلول التي تقدم معالمها الكبرى، وكذا في المدى الزمني لكل منهما، إذ يتحدث البرنامج الحكومي عن أفق 2012 بينما جعلت الوثيقة 2020 أفقا لها، غير أن ثمة مشترك في أكثر من محور. تعتبر الوثيقة أنه خلال 5 سنوات الأخيرة، استطاعت حكومة (ادريس جطو)، أن تحقق عدة مكتسبات على عدة جبهات، بالرغم من الاختلالات الموجودة، ولذلك فالمطلوب من الحكومة (المقبلة) تسريع الإصلاحات لكسب التحديات والرهانات، ومن أجل ذلك تقترح الوثيقة 7 مبادرات كبرى، تتمثل في تسريع وتيرة النمو واستثمار كافة الإمكانيات لكسب رهان التنافسية، وتحقيق رهان مدرسة الجودة، وفتح آفاق جديدة للتنمية في العالم القروي، إضافة إلى مواجهة مشاكل الفقر والتهميش في الوسط الحضري، وتحسين آليات الحماية الاجتماعية ومستوى العيش، وتعزيز إدارة القرب لتكون في خدمة المواطن، والتدبير الجيد الموارد الطبيعية. هذه التوجهات تحدثت عنها الوثيقة، بشكل أكثر تفصيلا وتدقيقا من حيث الأهداف ووسائل الإنجاز، بينما وردت في البرنامج الحكومي بطريقة متسرعة جدا، وإن كانت أحيانا بعناوين واحدة، مثل تحديث الإدارة ومحاربة الرشوة وإصلاح نظام الحكامة وتطوير وتوسيع نظام اللامركزية واللاتمركز والجهوية، ويبرز التطابق أكثر في المؤشرات الرقمية، كما حصل ذلك بالنسبة لنسبة النمو التي حددها التصريح الحكومي في 6% في أفق ,2012 بينما اعتبرتها الوثيقة هدفا ضروريا كل سنة لمغرب ,2020 مغرب الديمقراطية والعدالة والازدهار، وهي الثلاثية ذاتها التي تحدث عنها التصريح واعتبرها أفقا له، أخدا بعين الاعتبار أن البرنامج الحكومي كان ضعيفا من حيث مؤشراته الرقمية. فقدان الرؤية أم العجز عن التخطيط؟ إلى ذلك، ثمة إشكال تطرحه مثل هذه الدراسات ويتعلق بإشكالية التخطيط الوطني ومرجعيته، حيث قال عبد العزيز رباح مستشار سابق بالوزارة الأولى إن الدولة المغربية أثبتت لحد الآن أنها عاجزة عن الدخول إلى عهد التخطيط الشامل، بحيث يصبح للمغرب رؤية استراتيجية شاملة لإمكانياته وقدراته والتحديات التي تواجهه، تتفرع عنها باقي الخطط الاستراتيجية الحكومية والقطاعية، وكذا على المستوى الجهوي والمحلي، وأضاف رباح في تصريح لالتجديد أن المغرب اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى، إلى رؤية شاملة يشارك فيها جميع الفاعلين وتخضع إلى الأساليب العلمية المعروفة، تحدد للمغرب الإصلاحات الضرورية التي يجب إنجازها، وكذا الأهداف والمتطلبات والتحديات، والتي منها تستخرج مخططات قطاعية وأخرى جهوية ومحلية.واستدل رباح على الأثر السلبي لغياب رؤية استرتيجية حاكمة وضابطة للجميع، بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي اعتبرها مجرد برنامج يحصد التراجعات والفشل أكثر من النجاح، في إشارة إلى تراجع المغرب في سلم التنمية البشرية أخيرا، وأكد المسؤول الحزبي أنه في غياب الإصلاحات الضرورية والأساسية، المبنية على رؤية شاملة وطويلة الأمد، تبقى البرامج مجرد ترقيعات معرضة للفشل.إن الحاجة إلى إنتاج التقارير الاستراتيجية وتوحيد الرهان حولها، وبلورة رؤية استرتيجية شاملة تعد حاجة ماسة لأي تقدم منشود، وهو ما يفترض تطوير مؤسسات وطنية للتخطيط والتوقع، وتفعيل دور المؤسسات الدستورية في هذا المجال، بدل الارتهان للمؤسسات الأجنبية التي يمكن أن تكون لها مخاطر على الأمن القومي المغربي.