بين تقرير البنك الدولي لسنة 1995 وتقرير ماكينزي لسنة 2005 مسيرة عشر سنوات، شهدت تحولات كثيرة، حالت دون انزلاق المغرب نحو مهاوي اللاستقرار واللأمن، لكنها لم تدفعه للخروج من مأزق المراوحة في المكان والعجز عن تحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنموي المنشود. في تقرير البنك الدولي لسنة ,1995 كان الاقتصاد المغربي في المرتبة الأخيرة ضمن 13 بلدا ذات البنية المتشابهة والموصوفة بذات الإمكانيات الضعيفة للإقلاع أو إعادة الإقلاع الاقتصادي، ليؤكد التقرير على أن مخاطر استمرار بنية اقتصادية مثقلة بالديون ومفتقدة للموارد البشرية المؤهلة ومحاطة ببينة قضائية وإدارية متخلفة ينذر بكوارث مستقبلية، واستعمل ذلك لتأسيس حركية سياسية جديدة في المغرب، فمن جهة اعتبر المرتكز الموضوعي الذي اعتمدته المعارضة اليسارية آنذاك بقوة غير مسبوقة في تأطير الاحتجاج والإحراج معا، كما شكل الأرضية التي اختار الحكم الوقوف عليها لدق ناقوس الخطر ورفع الشعار المشهور من أن المغرب مهدد ب السكتة القلبية ، وهو الشعار الذي مهد الطريق أمام المعارضة للمشاركة في الحكومة بل ورئاستها في ,1998 وشكل الأداة المبررة لعدد من المواقف الحكومية طيلة تجربة التناوب. واليوم نحن إزاء تقرير جديد صادر عن مكتب دراسات أجنبي وقدم تشخيصا متشائما لمستقبل المغرب الاقتصادي، دفعت البعض للحديث عن السكتة الدماغية ، ثم تلت التقرير مؤشرات خطيرة من قبيل ارتفاع سعر البترول والغاز في الأسواق العالمية مكلفا الميزانية الحالية للدولة عجزا يقدر بأكثر من سبعة ملايير درهم (2,7 مليار درهم ) ينظاف للعجز المترتب عن دعم كل من السكر والزيت والمقدر بحوالي أربعة ملايير درهم ونصبح أمام عجز يصل إلى أكثر من إحدى عشر مليار درهم دون الحديث عن مخلفات الديون القديمة، بما يعني عودة محتملة لمسلسل رفع الأسعار والتي انطلقت برفع أسعار البنزين، أو اللجوء إلى الدين الخارجي وهي في حالتنا كمن يستجير من الرمضاء بالنار. أما ثاني المؤشرات فبرز مع تداعيات اكتساح السلع الصينية للسوق الأوربية وضعف التنافسية المميزة للسلع الوطنية، والتي شكلت التطورات الأخيرة لقطاع النسيج مؤشرا استباقيا للاحتمالات التي تنتظر باقي القطاعات مع حلول سنة ,2010 حيث يقف المغرب أمام خطر فقدان حوالي 000,95 منصب شغل أي زهاء النصف من عدد المشتغلين في القطاع، والأفكار التي طرحت لمواجهة الزحف الصيني دعت إلى دعم التنافسية الاقتصادية للمقاولة المغربية وخوض مخاطرة التخفيض من قيمة الدرهم أو التخفيض من الأجور وهما خياران يحملان انعكاسات خطيرة وضخمة على المستوى الاجتماعي، هذا مع العلم أنه لا يفصلنا عن سنة 2010 إلا خمس سنوات، والتي تحمل معها مخاطر تعميم حالة النسيج على غيره من القطاعات، وخاصة منها القطاع الفلاحي. لقد أظهرت الدراسة التشخيصية للقطاع الصناعي بالمغرب ، والتي قام بها مكتب ماكينزي للدراسات ضعف التنافسية الاقتصادية للمغرب حتى مقارنة مع دول نامية كمصر وتونس وتركيا والفلبين، وأن المعطيات الحالية تشير إلى مخاطر إفلاس العديد من القطاعات إذا ما استمرت الوضعية على ما هي عليه، كما أصبح المغرب يحتل المرتبة 56 ضمن دليل الفقر البشري من 95 بلدا ناميا ، والمرتبة 125 ضمن الترتيب العالمي للتنمية البشرية والرتبة 15 ضمن الدول العربية، ونبهت الدراسة إلى أنه في حالة عدم القيام بإصلاحات سريعة فإن الآثار السلبية ستشمل معدل النمو والميزان التجاري وسوق الشغل بالدرجة الأولى . قد يوظف البعض هذه المعطيات لبث نفسية التشاؤم إزاء المستقبل وتعزيز اليأس وهو اختيار أقل ما يقال عنه أنه اختيار القاعد السلبي، أما اختيار الإنسان الإيجابي فهو الوعي بخطورة المرحلة والاستعداد للمشاركة في تحمل المسؤولية ومواجهة تحديات العشر السنوات المقبلة، فالسكتة الدماغية أخطر من السكتة القلبية، وأقل ما فيها أنهال تفقد المرء بوصلة الرؤية السليمة. خسن بويخف