لعل التقرير الصادر عن البنك الدولي حول التعليم في المغرب، والذي اعتبر فيه أن وضعية التعليم في قطاع غزة أفضل حالا من وضعية التعليم في المغرب، وصنف بمقتضى ذلك المغرب في المرتبة الثالثة ما قبل الأخير في قائمة الدول العربية جميعا. وحصل على المرتبة الأخيرة بين دول المغرب العربي. بقدر ما يسائل المغرب حول فشل سياسة إصلاح التعليم التي أقرها في ميثاق التربية والتكوين فإنه يسائل البنك الدولي أيضا الذي كان له الدور الكبير في بلورة السياسة التعليمية. بدأ تدخل البنك الدولي في السياسة التعليمية منذ الثمانينات من القرن الماضي، ويعتبر ادريس قصوري، أستاذ جامعي، أن تدخلات البنك الدولي اتسمت بالتناقض في مجملها، وانتهت إلى الفشل غالبا، وأكد قصوري أن توجيهات البنك الدولي في البداية كانت تدفع باتجاه تقليص في دعم القطاعات الاجتماعية، ومن تم التقليص من النفقات على التعليم، في أفق أن يستقل قطاع التعليم بذاته، عن طريق دخول القطاع الخاص له، والاستثمار فيه، وقال قصوري إن هذه السياسية الليبرالية الهادفة إلى ضرب ما هو اجتماعي، لم تكن تراعي مستوى المغرب الاقتصادي والتنموي، كما لم تعبأ باستقرارها الاجتماعي؛ بدون مراعاة لشروطها الاقتصادية والاجتماعية. وقال قصوري إن الرجوع إلى تقارير البنك الدولي في تلك الفترة يجد أنها كانت تشدد على مؤشرات تنافسية تعتبر التحكم فيها ضروريا؛ من قبيل تقليص المنحة والأحياء الجامعية والتقليص من الوجبات الغذائية، بل وصل الأمر إلى تشتيت الجامعات وتفكيكها. وهذه التوجيهات على المدى القريب، تم إردافها بأخرى اعتبرها البنك استراتيجية، عبر عنها في تقرير 1995, والتوجهات التي عبر عنها البنك ودعا من خلالها إلى إصلاح التعليم على نحو شمولي هو ما تم إقراره بعد ذلك في ميثاق التربية والتكوين الذي وضعته لجنة ملكية. وأكد قصوري أن الإصلاح الذي تقررت توجهاته في الميثاق كانت غاياته تعميق الخيار الليبرالي في التعليم، وفتح المجال أمام الفاعلين في القطاع الخاص من الداخل والخارج. وأبرز قصوري أنه بعد نحو 8 سنوات على تطبيق الإصلاح، خلص تقرير المجلس الأعلى للتعليم إلى أن الإصلاح فشل في تحقيق أهدافه. ثم أقر البنك الدولي في تقرير له سنة 2008 أيضا أن إصلاح التعليم انتهى إلى الفشل، ولام المغرب على ذلك. والحقيقة أن الذي فشل هو البنك الدولي وتوصياته، يقول قصوري، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار الشروط الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية لهذا المغرب، ويقر توصياته في تجاهل تام لخصوصيات المغرب، واعتبره المتحدث أن الذي يتحمل مسؤولية فشل التعليم هو البنك الدولي أولا، والحكومة المغربية ثانيا، لأنها لم تجتهد في بلورة سياسة تعليمية خاصة بها دون ارتهان للبنك الدولي.