مما لاشك فيه أن التحذير الذي وجهه والي بنك المغرب إلى الحكومة حول عدم الرفع من كلفة الحوار الاجتماعي، سيؤثر على سير بشكل سلبي على الحوار الاجتماعي وسوف تستغله الحكومة، التي لم تستطع إلى حد الساعة إقناع النقابات بقراراتها الانفرادية، لتجعل منه مبررا إضافيا لكي تحاور النقابات من ورائه. "" وبذلك يكون والي بنك المغرب قد اختار، سواء عن قصد أو عن غير قصد، الانحياز إلى صف الحكومة التي لازالت ترفع شعار "لا للحفاظ على الأوضاع المعيشية للأجراء" في حوارها الاجتماعي مع النقابات. ولكن يبدو أن مصطلحات من قبيل "التوازن الاجتماعي" قد تم حذفها من القاموس الاقتصادي لبنك المغرب الذي كان عليه إذا ما كانت له الرغبة الحقيقية فعلا في الحفاظ على توازنات الاقتصادية والمالية أن يكون أكثر موضوعية في تحذيره، ليطلب من الحكومة الرفع من مداخيل الخزينة العامة من خلال محاربة التهرب والتملص الضريبين والإعفاءات الضريبية أو ما يسميها رجال الاقتصاد ب"المصاريف الضريبية". أما إذا كان يفضل الحلول السهلة، فكان على بنك المغرب، أن يطلب عدم الرفع من النفقات العمومية بشكل عام التي تتضمن بالإضافة (نفقات التسيير) بما فيها أجور الموظفين، نفقات الاستثمار وبما فيها نفقات استثمار المؤسسات العمومية الأخرى. وأن يتم التركيز كذلك على مراجعة هذه النفقات الأخيرة التي وصل مبلغها الإجمالي سنة 2009 إلى 135 مليار درهم. وليس معنى ذلك أننا ضد الاستثمار في البنيات التحتية وتأهيل الاقتصاد والمجتمع، ولكننا ضد تلك الاستثمارات التي تذهب إلى مكاتب الدراسات "النظرية" الأجنبية ومنها ماكينزي وبوزالين وإكوترا... وغيرهم. أو بمعنى آخر يجب التخلص من تلك الاستثمارات المشبوهة من أجل مواجهة الإكراهات الاقتصادية، التي من شأنها تحسين الأوضاع المعيشية للأجراء. ومهما يكن من أمر، فالعقلية الحسابية التي تتعامل بها الحكومة مع الملفات الاجتماعية ليست بالشيء الجديد سواء كان ذلك صادرا عن وزارة المالية أو عن غيرها من المؤسسات. ونحن كنقابيين ألفنا مثل هذه السلوك الحكومي في التعاطي مع الملفات الاجتماعية. فدائما كانت الحكومة تحاور النقابات من وراء ستار الإكراهات الاقتصادية والمالية. وكل الحكومات المتعاقبة منذ سنة 1983 تاريخ اعتماد سياسة التقويم الهيكلي بأمر من المؤسسات النقدية الدولية، كانت تلهت وراء تحسين المؤشرات الاقتصادية التي ليست إلا كائنات إحصائية مجردة، والهدف بطبيعة الحال هو الظهور بمظهر التلميذ المطيع في أعين تلك المؤسسات النقدية الدولية. وعلى الدوام كان الملف الاجتماعي في آخر لائحة اهتمامات الحكومة. وكأن الحكومة بمؤسساتها لا تشتغل إلا من أجل تحسين هذه المؤشرات وتطويع الإنسان المغربي لخدمة هذه المؤشرات أو بمعنى أدق لخدمة الاقتصاد بمعناه الحصري الذي لايستفيد من ثماره في بلدنا إلا الباطرونا والنخب السياسية والبيروقراطية، كل بطريقته الخاصة. وهو نهج خاطيء بطبيعة الحال ومناقض للمنطق الإنساني لأن الصحيح هو أن يكون الاقتصاد في خدمة الإنسان. لكن يبقى التوازن الاقتصادي هو الأهم بالنسبة للحكومة، أما التوازن الاجتماعي فتلك مهمة وزارة الداخلية ولا يهم الطريقة التي يتم بها فرض هذا التوازن.