شخصيا لم أستغرب كثيرا خبر سحب الوفد الفلسطيني، برئاسة إبراهيم خريشة، مشروع قرار التصويت في اجتماع مجلس حقوق الإنسان العالمي بشأن تقرير القاضي اليهودي «الصهيوني» ريتشارد غولدستون، الذي يدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية أثناء عدوانها على قطاع غزة. فالرجل، كما قال وصرح في وسائل الإعلام، «عبد المأمور»، يفعل ما يمليه عليه محمود عباس، وعباس بدوره عبد مأمور من أوباما، وإذا عرفنا من له كلمة مسموعة بل ومطاعة لدى هرم السلطة الأمريكي، فلا عجب أن يقوم الوفد الفلسطيني بهذه الخطوة. لكن ما أثار دهشتي هو هذا الهجوم الكاسح والمدمر في الإعلام العربي على عباس وزمرته، فما إن سُحب القرار حتى أرغت الصحف العربية وأزبدت تطالب برأس عباس بسبب هذه الخيانة العظيمة لآمال الشعب الفلسطيني والخطيئة التي لا تغتفر والمتاجرة بدماء الفلسطينيين، وكأننا نفيق على أولى خطايا عباس وما أكثرها!.. أنا هنا لا أدافع عن عباس ولكني أستغرب ردة الفعل العنيفة لبعض الكتاب والصحافيين على عدم التشبث بتقرير أقل ما يقال عنه إنه لن يعيد حقا ولن يشفي جرحا وإِنْ تم تبنيه! على مدى واحد وستين عاما من الصراع العربي الإسرائيلي، قام مجلس الأمن بإصدار 28 قرارا تدين الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين. أين هي تلك القرارات اليوم؟ إنها حبيسة الأدراج والردهات، حتى إن أحدا لم يعد يتذكرها. ولنعد إلى الوراء قليلا ولنتذكر مجزرة جنين وتقرير الأسقف ديزموند توتو، الذي عرض على مجلس حقوق الإنسان العالمي (يا للمصادفة) والذي وصف الاعتداءات الإسرائيلية على المخيم بكونها «جريمة حرب». ماذا حدث لهذا التقرير؟ نعم... لم يحدث شيء! نُسي التقرير كما نسيت مئات التقارير غيره وضل طريقه بين ردهات الأممالمتحدة. ولعل أكثر شيء مثير للضحك قرأته - ممزوج بالحسرة طبعا - وأنا أتابع هذه القضية هو أن عباس ضيع على الشعب الفلسطيني فرصة تاريخية لإحراج العدو الصهيوني أخلاقيا... «إيوا أحرجناه أخلاقيا... وبعد؟» هل نحتاج فعلا لإحراج إسرائيل أخلاقيا وسياسيا؟ وهل لا يمكن أن تحرج إسرائيل أخلاقيا وسياسيا إلا بتقرير يخطه قاض «صهيوني» يعتبر صواريخ حماس المقاومة جريمة حرب أيضا؟ إن احد أهم المحاور التي يجب محاسبة عباس عليها ليس سحبه لمشروع قرار سوف يظل حبرا على ورق، وإنما تمسكه بهذه الوسائل العبثية في المفاوضات والمساومات على حساب قمع المقاومة وإخمادها وتعميق الخلاف الفلسطيني الفلسطيني. إن من يطالبون بمحاكمة عباس وزمرته في سلطة وهمية على استجابته لأمر سخيف وضئيل مثل سحب مشروع القرار، إنما يجب أن يحاكموه على إقبار المقاومة واعتقال المقاومين وتعذيبهم في سجونه وتحويل الفلسطينيين في الضفة إلى فئتين إما مرتشية فاسدة أو معتقلة مقموعة مصادرة السلاح. إن من يريد محاكمة عباس يجب أن يحاكمه على اتهامات خطيرة وجهت له بالتورط في اغتيال الرئيس الراحل عرفات، رئيس كان كل ذنبه أنه لم يكن عبد المأمور ولم يلق سلاح المقاومة.