في الألبوم الجديد لسلوى الشاودري، تفعل هذه الفنانة نفس ما فعلته في عدد من ألبوماتها السابقة. إنها تفاجئ مستمعيها ومحبي صوتها بقدرتها الكبيرة على التجديد. إنها تقوم بعملين متوازيين يصبان في هدف واحد. الأول أنها لا تغني فقط بل تطرب لأنها فنانة بصوت عذب. والثاني هو أنها تضع فنها في خدمة الخير والأعمال الاجتماعية النبيلة. وعندما يعبر الكثيرون عن إعجابهم بفنها، فإنها تقول لهم «إن الفن يجب أن يكون له هدف أو لا يكون». في ألبوم الشاودري الجديد، والذي يحمل اسم «كل القلوب إلى الحبيب تميل»، هناك مقاطع غنائية تتزاوج فيها موسيقى راقية مع صوت شجي ولحن على قدر كبير من النضج وكلمات لشعراء كبار وقصائد عتيدة تعيد إلى الأذهان رقي الفن الذي يريد له الكثيرون اليوم أن يتحول إلى مجرد ضجيج. تقول كلمات قطعة غنائية في الألبوم الجديد «ليتك تحلو والحياة مريرة...» مع تقاسيم عود يمارس كبرياءه الموسيقي في نقاء فني واضح. وتقول كلمات مقطوعة أخرى «نوح الحمام على الغصون شجاني.. ورأى العذول صبابتي فبكاني»، هذه كلمات اشتاق إليها كثيرا عشاق الطرب الأصيل، خصوصا وسط إنتاج فتي ضحل أصبح يعتمد، أكثر من أي وقت مضى، على الابتذال في اللحن والكلمات والصورة. الذين سيستمعون للألبوم الجديد لسلوى الشاودري، الذي وزعته «شركة النجاح للإنتاج والنشر والتوزيع»، سيكتشفون أمرا أساسيا، وهو أن الفن الجيد ليس لازما بالضرورة أن يأتي من مركز الرباطالدارالبيضاء، أو من عواصم عربية تعودت أن تفرض قوانينها الفنية على الآخرين، بل إنه من تطوان أيضا يأتي فن على درجة كبيرة من الرقي والاحترافية. سيكتشف مستمعو الألبوم الجديد أيضا أن الفن ليس هو الذي يظهر فقط في التلفزيون باستمرار، والفنانات لسن فقط أولئك النساء المتغنجات اللواتي يبرزن نصف صدورهن وهن يقفن أمام أضواء الكاميرات لكي يغطين على رداءة أصواتهن. استطاعت الشاودري أن تكتسب الكثير من الخبرة الفنية منذ طفولتها، حين كانت تختفي عن أنظار أسرتها وتصدح لوحدها بمقطوعة «أراك عصي الدمع شيمتك الصبر». ومع مرور الأيام، اكتشفت في نفسها موهبة تكبر وتنضج. هكذا حاولت، مثل غيرها، أن تحلق في هذا العالم الرحب الذي اسمه الفن، وسافرت إلى القاهرة، عاصمة الشهرة والانطلاق، لكنها اكتشفت أن الطريق الذي تريده لنفسها ولفنها لا يجب أن يمر حتما عبر القاهرة، ولا حتى عبر الرباط أو الدارالبيضاء، لأن الفن لا وطن ولا مدينة له. «رحماك ربي إني بشر.. يزلني اللسان والنظر».. هذا ما تؤديه الشاودري في أحد مقاطعها الغنائية في ألبومها الجديد، وعلى ذلك النمط الجميل تسير باقي القصائد المغناة في الألبوم التي تعتبر من روائع ما أُنشِد، وهي لكبار المنشدين الصوفيين الذين وضعوا فيها عصارة تجاربهم وسُمُوهِم الروحي. يبدأ الألبوم بقصيدة «أيها الناظر» لأبي الحسن الششتري، وتتلوه مقطوعة «أماطت عن محاسنها الخمار» للشيخ محمد الحراق، ثم «صورة العشق» و«رحماك ربي» للطاهر الكنيزي، و«نوح الحمام» و«كل القلوب إلى الحبيب تميل» لأبي الحسن الشاذلي، و«تصاعد أنفاسي» لرمز المتصوفات رابعة العدوية. ومن بين سبع مقطوعات في الألبوم، لحنت سلوى الشاودري المقطوعات الأربع الأولى والمقطوعة السابعة، ولحّن هارون مصطفى الخامسة والسادسة. المجموعة الموسيقية التي أدت هذه الألحان سر آخر من أسرار النجاح. نبيل أقبيب يسحر بالكمان، ورشدي المفرح بالقانون، ويونس فخري بالعود، ونور الدين عشا بالناي، والتوزيع الموسيقي لمصطفى هارون ونبيل أقبيب. إنها مجموعة سبق أن أبهرت بأدائها مطربين عربا كبارا، على رأسهم المطرب السوري صباح فخري، الذي سبق أن عبر عن إعجاب كبير بهذه المجموعة خلال زيارات سابقة له إلى المغرب.