لكثرة ما سمعنا ونسمع عن أحداث اغتصاب الفتيات، والتحرش بالنساء وجلدهن لأتفه الأسباب باتت هذه الحوادث والقصص -التي لا تحصل في الغالب الأعم إلا في البلدان العربية والإسلامية- لا تدهشنا رغم همجيتها وكثرتها وتنوعها. لا شك أنه في مقابل وجود رجل يسعى إلى ظلم المرأة واعتبارها بهتانا، «ناقصة عقل ودين»، فإن هناك في هذا المجتمع رجالاً مدركين لدورها الحقيقي الذي لا تغيب بصمته في مسيرة نماء هذا الوطن ورقيه وتحضره، ويفخرون بما سجلت من نجاحات عايشناها ونحن أطفال في المجالات الوطنية والنضالية وعايشناه ونحن فتيان يافعون، في المجالات الثقافية والفنية والعلمية والطبية والاقتصادية، وها نحن ننبهر بما وصلت إليه في دنيا السياسة وتسيير الشأن العام إحساسا وفكرا، ونحن كبار. لكن رغم كل هذا، فقد بدت حظوظ المرأة اليوم وكأنه لم يطرأ عليها تحول يُعتَدُّ به أو يعتمد عليه في إحداث نقلة لافتة وإحداث تغيير مهم، إنْ على مستوى مزاج الناخب وتوجهاته واختياراته، أو على مستوى أداء وحراك المنتخبين والجمعيات الديمقراطية المدنية التي لم تقطع معظمها إن لم يكن مجملها «الحبل السري» الذي ما زال عالقا ومتعلقا ب«مشيمة» الكثير من السلوكيات المهينة للمرأة التي تجرعت شتى أنواع الجور والظلم الذكوري وعانت طويلا مع الاضطهاد والإكراه والتمييز، على مر العصور، تقريباً. ورغم أن المتعارف عليه بين المتحضرين أن أسلوب الإكراه والإجبار سلوك خاطئ وغير حضاري في التعامل مع أي إنسان يورث من الكراهية الدفينة والعقد النفسية المستعصية، فقد ذاقت من اغتصاب وتحرش وانتهاك، حتى غدا الاغتصاب، بكل أنواعه وجها لعملة فكرية إيديولوجية ذكورية واحدة وحسابات سياسية وخلافات فكرية، حسب مصالح المشروع السياسي المهيمن. وخطأً، يميل البعض إلى الاعتقاد بأن الإساءة ليست إلا في الاعتداء الجسدي فقط، في حين أن الإساءة النفسية هي الأصعب والأطول والأخطر من الاعتداء الجسدي، لأنها لا تُبقي للإنسان من كرامة إن هو منع من حريته وأُهينت كرامته.. وجرى قمعه وإذلاله بين الناس. إن المطالبين ببقاء المرأة في منزلها، بحجة الاحتشام، وبذريعة أن هذا هو الوظيفة الأزلية للأنثى التي يجب أن تبقى محل فخر لها واحترام، باعتبارها «عورة» لا يسترها إلا بيت زوجها. خرجة كانت، رغم غرابتها، اعترافا ضمنيا منهم بامتلاك المرأة لمهارة تضايقهم. لو حدث مثل ما وقع عندنا لدى غيرنا من الأمم التي تحترم إنسانية المرأة وتجل قدرها وتحفظ مقدارها، لتحولت إلى قضايا رأي عام، ولخرج الناس مطالبين بوقف الذين يستخفون بقدرات النساء عند حدودهم. لكنها كانت قضية عادية وعابرة عند من ألفوا سلب المرأة إرادتها وحريتها، وتحديد اتجاهاتها وتوجهاتها. ولو كان هؤلاء الذين يشككون في قدرات المرأة، عموماً، ويعتبرون توليها للشأن العام، خصوصاً، مخالفة للشريعة وسننها، على قدر، ولو بسيط، من الوعي والمعرفة بمدى عمق وخطورة أعمالهم تجاه المرأة ولو أنهم كانوا واعين ومتفهمين لخطورة دور المرأة، لما أقدموا على أعمال تسيء إلى المجتمع وتخربه، قبل أن تسيء إلى المرأة.