مضت 31 سنة على وفاة جاك بريل، الذي توفي في التاسع من أكتوبر 1978 . وبعد كل هذه السنوات يبقي بريل حيا في أذهان محبيه، بأغنياته الخالدة التي لا تزال تشد أذهان المستمعين وقلوبهم بقوة نبرتها وبعدها الإنساني الخالص الذي يتخطى الزمان والمكان، أغان سيسترجعها الجمهور البيضاوي الذي سيحضر الحفل الذي ستحييه أسماء فنية لامعة بالمركب الثقافي «ميكاراما» في يوم ذكرى وفاته تكريما له، وليردد معهم الجمهور «عندما لا نملك سوى الحب». ينظم الحفل من طرف وكالة اتصال حديثة أسستها ثلاث نسوة تحمل اسم «Com’Attitude» وتستند السهرة على عرض فني أنجز سنة 2004 ودام على خشبات المسارح الباريسية: (طمبورغ رويال، لاكوميديا..) مدة 16 شهرا، ونظمت له مجموعة من الجولات الفنية في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا واليابان، ولازالت مستمرة. يرصد العرض، الذي هو في نفس الآن تكريم لبريل، مساره الفني، شغفه، آلامه، أحزانه أحلامه. وباعتباره رجل تحديات، سافر من الأولمبياد إلى المسارح السنيمائية، من دون كيشوط إلى جزر الماركيز، عابرا البحار على متن باخرته، محلقا في السماوات عبر طائرته الخاصه باحثا دائما عن الحلم المستحيل. من الأسماء التي ستحيي حفل التكريم أندري ميرمان، وهو اسم عالمي، كوميدي ومخرج، لعب أدوارا كثيرة في المسرح الكلاسيكي والحداثي (شكسبيبر، موليير، سارتر، كولوديل إلخ)، كما قام بإخراج مجموعة من الحفلات الموسيقية منها: «احكي لي يا باريس» و«الشاعر المسافر». غنى لجاك بريل في مقطوعة «جاك بريل أو الحلم المستحيل»، وعرضت في روسيا، فرنساوالولاياتالمتحدة، على مدى ستة أشهر. وإلى جانب أندري، هناك سامويل غارسيا، عازف آلة أكورديون، حاصل على جوائز عدة، وشارك في برامج تلفزية كثيرة أوربية وأمريكية، وهو في ذات الوقت ملحن ويعد من الشباب الموهوبين في العزف على هذه الآلة. وفي العزف على آلة البيانو لوران كلير جو، خريج معهد تكوين الأساتدة الموسيقيين بباريس، درس الموسيقى في عدة معاهد ونظم مجموعة من الأوراش للأغنية الفرنسية بمعهد «إتريشي» سنة 1999. من عناوين الباقة التي ستقدم خلال هذا الحفل: «رقصة بألف أزمنة»، «مادلين»، «ميناء أمستردام»،» لا تتركيني». ولد جاك رومان جورج بريل في الثامن من أبريل 1929 في شاربيك، من عائلة بورجوازية ببروكسل. وبعد بلوغه العشرين، تخلى عن العمل في مصنع الكرتون العائلي ليبدأ حياته الفنية بالغناء في الحانات الليلية. بدأ العمل في حانة «لا روز نوار» (الوردة السوداء) عام 1952 ثم سجل أسطوانه في شركة فيليبس -بروكسل. وبعدما استمع إليه المنتج الباريسي جاك كانيتي عام 1953، نصحه بالمشاركة في مهرجان كنوك- لو-زوت، حيث حل في المرتبة الأخيرة. وسنحت الفرصة مجددا لبريل حين ألف أغنية للمغنية جوليات غريكو. وفي يوليو 1954 أدى القسم الأول من حفل موسيقي لبيلي إكستين في مسرح الأولمبيا الباريسي. وعلق أحد النقاد آنذاك: «إنه يؤلف أغاني جميلة، لكن المؤسف أنه مصر على أدائها بنفسه». وفي شتنبر 1956، صدرت له أغنية «حين لا نملك سوى الحب» (كان تونا كو لامور) التي نالت إعجابا كبيرا وكانت أول نجاح موسيقي حقيقي له. وفي شتنبر 1959، أصدر أسطوانة تضمنت ثلاثاً من أشهر أغانيه، وفي نهاية السنة نفسها أحيا حفلا موسيقيا في مسرح بوبينو الشهير. وقضى بريل الستينيات متنقلا من مسرح إلى مسرح، فأحيا معدل 250 إلى 300 حفلة موسيقية في السنة، وكان يختم جميع حفلاته مغادرا القاعة بدون العودة لإهداء أغنية أخيرة للجمهور. ولم يخالف هذه القاعدة سوى مرة واحدة في موسكو حين قيل له إن الجمهور سيعتبر رفضه الاستجابة لتصفيقه إهانة. وفي صيف 1966، اتخذ قرارا بوقف الموسيقى غير أنه لم يعلن ذلك إلا في ختام آخر حفل أحياه في مسرح الأولمبيا في الأول من نونبر. وكان مولعا بالسفن والطائرات، كما عمل في السينما كممثل حيث برع في فيلم «لاميردور» (المزعج) للمخرج إدوار مولينارو مع النجم الإيطالي لينو فنتورا عام 1973 وكمخرج لفيلمين هما «فرانتز» و«لو فار وست» (الغرب الأقصى). ولم يعد إلى المسرح بعد قراره وقف الغناء إلا في الرابع من أكتوبر 1968 في بروكسل ليمثل دور دون كيشوت في المسرحية الموسيقية «رجل لامنشا» التي قُدِّمت بعدَها في باريس. وفي خريف 1974، وفيما كان يقوم برحلة عبر الأطلسي في سفينة، شخص الأطباء لديه إصابة بالسرطان قاومها أربع سنوات قبل أن تقضي عليه. ووري الثرى في 14 أكتوبر 1978 في مدفن أتوونا في المركيز على مقربة من ضريح الرسام بول غوغان. بدأت شهرة جاك بريل مع أغنية «عندما لا نملك سوى الحب» ورددها مئات الآلاف من شبيبة الخمسينيات من القرن الماضي، بل وصلت أصداؤها إلى الفرنسيين المقيمين في أمريكا وإلى كل الناطقين بالفرنسية في إفريقيا والشرق. ثم جاءت أغنية «لا تتركيني» التي كرسته نجما من نجوم الأغنية الفرنسية، وبيعت منها ملايين الأسطوانات، وما زالت تطلب بكثرة وتتردد في الإذاعات حتى اليوم. جاءته الشهرة والثروة وهو في الثالثة والثلاثين. وانشغل بالرحلات الفنية وتزوج وأنجب ثلاث بنات فلم يعد يجد الوقت لتأليف الأغاني. وفي عام 1967 قرر اعتزال الحفلات العامة، وودع جمهوره على أحد مسارح «روبيه» قائلا ببساطة «أشكركم». في سنواته الأخيرة، بعد انفصاله عن أم بناته وإصابته بالسرطان، اعتزل بريل مع صديقته خلاسيه في إحدى جزر الكاريبي، وانتظر أن تحين الساعة وهو يواجه البحر والريح، بعيدا عن الأعين المشفقة، وحيدا مع أصداء أغنياته ومع حبه الأخير. يذكر أنه في السنة الماضية، وبمناسبة مرور ربع قرن على غياب الفنان البلجيكي المولد، هرع آلاف الفرنسيين إلى محلات بيع التسجيلات لشراء مجموعة الأعمال الكاملة للمغني جاك بريل التي صدرت عن شركة يونيفرسال. ويأتي الاهتمام الاستثنائي بهذه المجموعة لأنها تضم خمس أغنيات لم تذع من قبل لصاحب الأغنية الخالدة «لا تتركيني» التي تحولت إلى نشيد للعشاق على مر الأجيال. وأثار صدور هذه الأغنيات اعتراض بعض أصدقاء المغني الراحل، وبالأخص منتج أسطواناته إيدي باركلي الذي رأى أن إذاعتها تشكل انتهاكا لرغبة صاحبها و«نبشا في مخلفاته لأسباب تجارية بحتة». وسجل بريل في باريس آخر أسطواناته عام 1977، ثم طلب من باركلي استبعاد خمس أغنيات لأنه اعتبرها «غير مكتملة فنيا»، على أمل إعادة تسجيلها وأدائها بشكل أفضل في ما بعد. كما أوصى المنتج بعدم إذاعة الأغنيات بدون موافقته. والذي حصل هو أن المرض الخبيث أودى بجاك بريل وهو دون الخمسين من العمر، بعد أسابيع من نزول أسطواناته الأخيرة إلى الأسواق. وبوفاة المغني، قرر باركلي حفظ الأغنيات المستبعدة وعدم نشرها احتراما لرغبة بريل الذي حال المرض بينه وبين أدائها بالشكل اللائق.