إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    للمرة الثانية في أقل من شهر.. المغرب يرفض دخول برلمانيين أوروبيين داعمين لجبهة البوليساريو    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    ترامب: لا أفرض خطتي لتهجير الفلسطينيين.. ومصر والأردن فاجأوني برفضها    مواجهات بين كبار أوروبا أفرزتها قرعة الدوري الأوروبي    في ندوة منظمة النساء الاتحاديات حول الخبرة الجينية وإثبات النسب .. الدعوة إلى ضرورة التزام المغرب بالتوصيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    لماذا تسارع استهداف المغرب من طرف الإرهاب؟    ولد الرشيد يجري مباحثات بالهندوراس    تصريحات وهبي تغضب "نادي القضاة"    الحسيمة.. توقيف شخص يشتبه في ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار في البشر    طقس بارد وأمطار وزخات رعدية متوقعة غدًا السبت بالمملكة    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    مصرع ستيني في حادث سير بطنجة بعد تعرضه للدهس    الكاتب العام لعمالة طنجة أصيلة يترأس اجتماعا للمصادقة على مشاريع "المبادرة الوطنية"    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    قافلة صحية متعددة التخصصات وحملة للتحسيس بمخاطر بوحمرون بإقليم ورزازات    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المحكمة الإدارية بالرباط ترفض التصريح بتأسيس "حزب التجديد والتقدم"    الملك محمد السادس يهنئ عاهل مملكة النرويج بمناسبة عيد ميلاده    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    منع مشجعي الرجاء البيضاوي من حضور مباراة فريقههم أمام الجيش الملكي    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران تكسب «جولة جنيف»
نشر في المساء يوم 04 - 10 - 2009

اللقاء الثنائي المغلق الذي انعقد الخميس بين الدكتور سعيد جليلي، رئيس وفد المفاوضات الإيراني، ووليم بارنز، نائب وزير الخارجية الأمريكية، على هامش اجتماعات جنيف بين إيران والدول الست الكبرى، يذكرنا بلقاء مماثل، وفي المدينة نفسها، بين السيد طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي الأسبق، ونظيره الأمريكي جيمس بيكر، قبل شهر من بدء الحرب على العراق، لإخراج القوات العراقية من الكويت في يناير عام 1991.
لا شك أن هناك نقاط تشابه ونقاط اختلاف بين اللقاءين، ولكن القاسم المشترك واحد، وهو الولايات المتحدة الأمريكية وقيادتها لتحرك دولي ضد البلدين، رغم الفارق الزمني الذي يزيد على تسعة عشر عاما.
في اللقاء الأول، أراد بيكر استفزاز نظيره العراقي من خلال لغة التهديد والوعيد، وبشكل متعمد، لدفعه إلى رفض الانسحاب من الكويت وتبرير اللجوء إلى الخيار العسكري بالتالي، وفق المخطط المرسوم. فأكثر من نصف مليون جندي أمريكي كانوا موجودين في أرض المعركة بعتادهم المتقدم في انتظار الضوء الأخضر لبدء الحرب.
في اللقاء الثاني، تعمدت الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مندوبها بارنز، التلويح بفرض العقوبات الاقتصادية الخانقة، ربما كمقدمة لعمل عسكري، في حال رفض إيران لتجميد عمليات تخصيب اليورانيوم وفتح منشآتها النووية، دون شروط، أمام المفتشين الدوليين، «أي تجميد التخصيب مقابل تجميد العقوبات».
الإيرانيون خرجوا فائزين (حتى الآن) من لقاء جنيف، لأنهم نجحوا بجدارة في ممارسة فن المناورة لكسب الوقت، الذي أجادوه طوال السنوات الماضية، من حيث التوصل إلى اتفاق بعقد لقاءات ثانية قبل نهاية الشهر الحالي. والأهم من ذلك حصولهم على منبر إعلامي دولي لشرح وجهات نظرهم بشكل سياسي ذكي حول العديد من القضايا، أبرزها ضرورة معالجة مسألة أسلحة الدمار الشامل على مستوى العالم بأسره، وجعل هذا العالم خاليا من الأسلحة النووية تماما، في إشارة واضحة إلى إسرائيل ورؤوسها النووية.
الدكتور جليلي حرص في مؤتمره الصحافي، الذي عقده في ختام الاجتماع، على تقديم إيران كضحية، تعاني من «إرهاب إعلامي دولي» يضخّم أخطارها، «رغم أنها تمارس حقا مشروعا في امتلاك الطاقة الذرية للاستخدامات السلمية، ولم تقدم على أي اختراق لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، بشهادة الدكتور محمد البرادعي، رئيس الوكالة الدولية».
المفاوض الإيراني، مثلما تبين من وقائع المؤتمر الصحافي وتصريحات خافيير سولانا، رئيس مجموعة الدول الست، «خدع» الولايات المتحدة وحلفاءها الأوربيين مرة أخرى عندما رحب بفتح المفاعل الثاني الجديد في «قم» أمام مفتشي الوكالة الدولية في غضون أسبوعين، فالمفاعل الجديد لن يبدأ العمل قبل عام ونصف عام، أي أنه ليس هناك ما يمكن تفتيشه في الوقت الراهن، ولن يجد المفتشون دخان البندقية الذي يبحثون عنه لإدانة إيران بانتهاك القانون الدولي، وتبرير الحصار بالتالي.
بمعنى آخر، نجح الإيرانيون في استخدام المفاعل الجديد في «قم» لتحويل الأنظار عن المفاعل الأهم «نطنز» الذي يحتوي على حوالي ستة آلاف وحدة طرد مركزي لتحويل اليورانيوم، ونجح حتى الآن -حسب التقديرات الغربية- في إنتاج حوالي 1250 كيلو من اليورانيوم ضعيف التخصيب، الذي يمكن في حال معالجته الحصول على 35 كيلو من اليورانيوم عالي التخصيب الكافي لبناء قنبلة نووية.
الإدارة الأمريكية تجد نفسها حاليا أمام مأزق كبير خلقته لنفسها، وأكبر خطأ ارتكبته أنها أشركت الدول الست في المفاوضات الجارية في جنيف، لأن هؤلاء باتوا شهوداً على الرغبة الإيرانية «المرنة» في التعاون مع وكالة الطاقة الذرية وفتح مفاعل «قم» أمام التفتيش الدولي، أي أن إدارة أوباما لم تعد قادرة على اتخاذ قرار العقوبات أو الحرب بمفردها، مثلما كان عليه الحال في إدارتي بوش الأب عام1991، وبوش الابن عام 2003 ضد العراق.
الإيرانيون نجحوا مرة ثالثة في تنفيس الجهود الأمريكية الجبارة التي بذلت من أجل حشد تأييد دولي للعقوبات الاقتصادية ضد إيران، مثل إلغاء مشروع الدرع الصاروخي في أوربا لإرضاء موسكو، وإبعادها عن طهران، وتجييش الدول العربية المعتدلة لاستخدام عضلاتها الاقتصادية والنفطية، وفوائضها المالية الضخمة لشراء أسلحة وتقديم عقود تجارية مغرية إلى الصين وروسيا للهدف نفسه.
ومن المفارقة أن الدكتور جليلي، المفاوض الإيراني، حقق هدفاً كبيراً في مرمى هذه الأنظمة العربية المعتدلة، عندما تجاهل، في مؤتمره الصحافي، الإجابة عن سؤال لمندوب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية حول تصريحات الرئيس أحمدي نجاد بمحو إسرائيل عن الخريطة ومدى استعداده لطمأنة الإسرائيليين، الأمر الذي دفع الصحافي الإسرائيلي إلى الانسحاب خجلاً أو غضباً. وعندما أعادت صحافية أوربية تكرار السؤال، قدم مداخلة هادئة ومفحمة حول أسباب عدم إقدام الغرب على حل هذه القضية طوال السنوات الستين الماضية، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة على أرضه، وفي إطار حل عادل لقضيته.
وهكذا، تبين أن لقاء جنيف لم يكن اللقاء الحاسم، أو «لقاء الفرصة الأخيرة» بالنسبة إلى إيران، مثلما صورته معظم الصحف الغربية نقلاً عن مسؤولين غربيين، كما أن الدول الغربية لم توجه تهديداً أو تحدد جدولاً زمنياً لإيران حتى نهاية هذا العام للامتثال لمطالبها بوقف التخصيب كلياً والرضوخ لشروط وكالة الطاقة الذرية في فيينا بفتح مفاعلاتها للتفتيش دون أي عوائق.
عمليات التخصيب ستستمر، وكذلك المفاوضات في جنيف حتى نهاية الشهر الحالي، وربما يجري التمديد لها لنهاية الشهر المقبل أيضا، فإيران تحتاج إلى وقت ل»دراسة المقترحات والحوافز التي عُرضت عليها في جنيف»، ومن ثم إعداد الردود الملائمة عليها في لقاءات مستقبلية.
أين نحن كعرب من كل ذلك؟.. مجرد «شهود زور» ننتظر التعليمات من واشنطن للبدء في تطبيق العقوبات إذا تقرر فرضها، وفتح أجوائنا للطائرات الحربية، إسرائيلية أو أمريكية، إذا ما تقرر إعطاء الضوء الأخضر للهجوم الجوي لتدمير المفاعلات النووية والبنى التحتية الاقتصادية الإيرانية.
المفاوض الإيراني، وباختصار شديد، أعاد الكرة إلى الملعب الأمريكي مرة أخرى، وبات يفرك يديه فرحاً بكسب الجولة الأولى من المفاوضات في جنيف، للحصول على بعض الوقت لمواصلة جهوده لتحييد الحكومتين الصينية والروسية في ما يتعلق بالحصار، وتصعيب مهمة إدارة أوباما في أفغانستان والعراق، فجعبة الساحر الإيراني لا تخلو من المفاجآت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.