عندما قررت وزارة الداخلية، مؤخرا، منع عدد من المرشحين في طنجة من تقديم ملفاتهم لاجتياز انتخابات مجلس المستشارين، فإن تاريخا طويلا من المنع والقبول قفز إلى أذهان الناس، وأصبح الأمر كما لو أنه فيلم سينمائي له بداية، لكنه بلا نهاية. وقبل بضعة أيام، لم يتم قبول ملفات مرشحين كبار، بينهم محمد بوهريز ومحمد أقبيب وإبراهيم الذهبي، كانوا يريدون الترشح إلى عضوية الغرفة الثانية، بحجة أن ملفاتهم لم تستوف الشروط القانونية لذلك، من بينها ضرورة تقديم نسخة من «حسن السيرة» عوض السجل العدلي، غير أن هذه الذريعة لم تكن تخفي وراءها سوى لعبة مملة من حلقات الرسوم المتحركة «طوم وجيري»، وهي لعبة طالت أكثر من اللازم وأصبحت تصيب بالضجر. وقبل أن تمنع سلطات الداخلية في طنجة هؤلاء المرشحين من الترشح، فإن الأمن اعتقل، أيام عيد الفطر، محمد بوكير، المعروف بلقب «السوماتي»، عندما كان يريد تقديم ملفه للترشح إلى الغرفة الثانية، وظل الرجل رهن الاعتقال لمدة ثلاثة أيام، قبل أن يطلق سراحه نصف ساعة فقط بعد انصرام الأجل القانوني للترشح، بدعوى وجود خلط في الأسماء، وهو ما يشير إلى أن الاعتقال تم فقط من أجل المنع من الترشح، وأن السلطات لم تحاول أبدا الكشف عن الأسباب الصريحة للمنع، سواء في ما يتعلق ببوكير أو بغيره. المنع الأخير أعاد إلى الذاكرة بداية لعبة مسلسل المنع والقبول، وهو مسلسل بدأ بشكل رسمي مع الانتخابات الجماعية لسنة 2003، ولازال مستمرا إلى اليوم بنفس الطريقة التي بدأ بها، أي وسط الضبابية والغموض، وهو غموض يجعل كبار الأعيان والمسؤولين الجماعيين في طنجة مجرد مشبوهين يتم القبض عليهم في أي وقت. ففي سنة 2003، وبينما كانت طنجة تستعد للانتخابات الجماعية، على غرار باقي مناطق المغرب، سرى خبر عن منع أسماء كبيرة من الترشح، وكان الأمر يتعلق بأسماء وازنة تعودت على الفوز في كل الانتخابات، وعلى رأسها أفراد عائلة الأربعين، وأشخاص مثل محمد الزموري ومحمد بوهريز ومحمد أقبيب والادريسي وآخرين. وعلى الرغم من أن القرار لم يكن رسميا، فإنهم امتثلوا لذلك من دون أن يسألوا عن السبب، ربما لأنهم يعرفون السبب. وقتها كان من المرتقب أن يكتسح حزب العدالة والتنمية مقاعد طنجة، لكن حدث أن انكمش هذا الحزب على نفسه بفعل تفجيرات الدارالبيضاء، بعد أن وجهت إليه اتهامات قوية بالمسؤولية المعنوية عما جرى، وعرفت طنجة لأول مرة في تاريخها انتخابات لم ينشطها أباطرة الانتخابات ولا إسلاميو العدالة والتنمية. لكن الغريب أن الأشخاص الذين تم منعهم من خوض تلك الانتخابات، كان عدد منهم قد فازوا، سنة واحدة من قبل، بعضوية البرلمان في انتخابات 2002، وبذلك وجد السكان أنفسهم أمام حالة تناقض غريبة، وهي أن برلمانيين وأعضاء في الغرفة الثانية منعوا من خوض الانتخابات الجماعية بتهم الفساد، بينما هم يمثلون طنجة في أعلى المؤسسات التشريعية في البلاد. منذ ذلك الوقت، بدأ العبث الذي لم ينته إلى حد الآن. بعد ذلك المنع، تغيرت الخارطة الانتخابية قليلا في طنجة، وتم تعيين عمدة للمدينة خرج لتوه من المشرحة السياسية التي دخلها قبل سنوات طويلة، وهو دحمان الدرهم، الذي كان الجميع يعتقدون أنه مات سياسيا، فأصبح أول عمدة لطنجة. ولكي تتأكد حكاية المنع، فإن الأشخاص المغضوب عليهم حرموا تماما من حضور الأنشطة الرسمية والحكومية. وهكذا كانت حفلات عيد العرش التي يقيمها الملك محمد السادس في طنجة، تجري بدون حضور وجوه تعودت، على مدى عقود، على حضور الحفلات الرسمية، واعتقد الناس بعد ذلك أن قرار المنع جاء مباشرة من عند الملك، وأن تلك الوجوه دفنت إلى الأبد. وبعد أن اقتربت الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007، عاد الحديث مجددا عن استمرار منع أباطرة الانتخابات، غير أن ذلك لم يحدث بالمرة، وعاد كل الممنوعين السابقين، وترشحوا وفاز أغلبهم، وبذلك انتهت حكاية المنع السابقة. مصادر مقربة من السلطة تقول إن السماح بعودة الأباطرة كانت من أجل تطويق الاكتساح المرتقب للعدالة والتنمية، وهو حزب يعتبر طنجة قلعة من قلاعه، وذلك كان صحيحا إلى حد كبير، حيث استطاعت سلطة المال في انتخابات 2007 أن تحجم دور الحزب الأصولي، الذي اكتفى بتقاسم الخريطة الانتخابية مع أشخاص ظل يصفهم بأنهم «رموز الفساد» وأباطرة الانتخابات الموبوؤون» و«الأشخاص الذين نزلوا بطنجة إلى الحضيض». لعبة المنع والقبول ستستمر سنتين بعد ذلك، أي خلال انتخابات 12 يونيو الماضي، حث عاد الحديث مجددا عن المنع، لكن المنع هذه المرة جاء بشكل جزئي، حيث تم إيصال رسائل غير مباشرة إلى عدد من كبار المرشحين بعدم التقدم كوكلاءَ للوائحهم، وذلك من أجل منع ترشحهم لمنصب العمودية، الذي كان يهيأ على طبق من ذهب لدحمان الدرهم، قبل أن يسقط هو ولائحته في حفرة العتبة.. وما أدراك ما العتبة. لكن الغريب أنه بعد ظهور نتائج انتخابات 12 يونيو الماضي، تشكلت خرائط انتخابية سوريالية في المدينة، وتحالف حزب العدالة والتنمية مع من كان يصفهم برموز الفساد، ووقع معهم مواثيق الشرف، وهو شرف لم يدم طويلا قبل أن تهزه رياح الملفات السرية، حيث انسحب حلفاؤه من تحالف قوي كان سيجعل العدالة والتنمية شريكا أساسيا في عمودية طنجة، قبل أن تتدخل «جهات ما» وتصب الماء على هذا التحالف وكأنه لم يكن، فأصدر «العدالة والتنمية بيانا يتهم حلفاءه بالخيانة»، ثم عاد بعد وقت قصير ليتحالف مع من أسماهم ب«الخونة» في تشكيل مجالس المقاطعات واللجان. بعد الانتخابات الجماعية ليونيو الماضي، ها هو المنع يشمل من جديد منتخبين سبق أن منعوا في انتخابات 2003، وسمح لهم بالترشح في انتخابات 2007، ثم منعوا من الترشح وكلاء للوائحهم في انتخابات 2009، وها هو المنع يطالهم مرة أخرى في انتخابات مجلس المستشارين. هكذا تستمر لعبة المنع والقبول في طنجة، كما يلعب القط والفأر، بينما الناس يتساءلون لماذا لا تتدخل وزارة الداخلية وتكشف للناس بوضوح أسباب المنع وأسباب القبول، خصوصا وأن الجميع يعرفون كل التفاصيل في طنجة، ويعرفون أسماء بعينها تم ذكرها في تقارير دولية، أو أسماء عرفت على مدى عقود بالفساد الانتخابي وتوظيف المال المشبوه، ويعرفون أن السلطة هي التي دفعت بأغلب هؤلاء إلى الواجهة وأكسبتهم المال والنفوذ، بينما عدد من الممنوعين الذين يمتلكون بعض الشجاعة لا يتورعون عن مطالبة السلطة بمواجهتهم بالملفات التي تقول إنها تملكها، أو تقدمهم للمحاكمة إذا كان في مسيرتهم ما يوجب ذلك.