بعد ست سنوات من اعتقاله، على خلفية تفجيرات الدارالبيضاء عام 2003، أعلن الفرنسي روبير ريشار أنطوان، المحكوم عليه بالسجن المؤبد، تراجعه عن الإسلام الذي اعتنقه عام 1992، ورجوعه إلى المسيحية، إثر الصدمة التي عاشها بسبب الاعتقال. ويعد روبير مثالا بارزا للمواطنين الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام والتحقوا بصفوف التيارات الإسلامية المتطرفة، إذ يشكل حالة فريدة من نوعها في شبكات التطرف العالمية جديرة بالدراسة. كتاب «سلفي فرنسي في المغرب: رحلة روبير ريشار أنطوان من بيشاور إلى طنجة» يناقش مسار هذا الفرنسي وطريقة تحوله إلى الإسلام، ويحلل الوثيقة التي كتبها بخط يده ويعرض فيها توبته من السلفية الجهادية ويحاوره في أهم القضايا. الكتاب هو الثاني من نوعه في موضوع الفرنسيين الذين التحقوا بالفكر الجهادي، بعد كتاب الباحث إيراني الأصل فرنسي الجنسية فرخاد خوسروخافار «عندما تتكلم القاعدة: شهادات من وراء الأسوار». - بعد ذلك دخلت المغرب لإتمام إجراءات الزواج؟ < لا، عدت إلى فرنسا لكي أعد الوثائق، ثم سافرت إلى المغرب حيث ذهبت إلى بيتها وقابلت أسرتها والتقينا وتعارفنا؛ وقد كان لقاء جيدا والحمد لله، ووالدها وافق على الزواج، وبدأت في اتخاذ إجراءات الزواج التي استغرقت مني سبعة أشهر. - كانت تلك المرة الأولى التي تقيم فيها بالمغرب كل هذه المدة؟ < لا، بل كنت أسافر إلى فرنسا وأرجع، وهنا حصلت لي بعض المشاكل، لأنني خلال إقامتي بالمغرب تعرفت على بعض الشباب المغاربة، ومنهم أتباع السلفية الجهادية، وحدثوني عن مسألة النقاب بالنسبة إلى زوجتي التي كانت تضع الحجاب بشكل عادي، وقالوا لي إن هذا اللباس يعتبر تبرجا وبالتالي فإنه يجب عليها أن ترتدي النقاب. وعندما ناقشت الأمر مع زوجتي غضبت، وقالت: أنا أعرف ديني، وهذا الأمر ليس واجبا علي. ظننت ساعتها أنها لا تريد ذلك لأسباب معينة فضغطت عليها وحصلت بيننا مشاكل. - هل كنت، أنت، مقتنعا بالمسألة عندما ضغطت عليها؟ < أنا كنت مقتنعا، وفي الحقيقة أنا بحثت في الموضوع الآن، في السجن، ووجدت أن النقاب كان قبل الإسلام وكان عادة عند العرب. المهم، وصلنا إلى بداية 1998 فرجعنا إلى فرنسا، زوجتي وأنا. - بعد حفل الزفاف في المغرب؟ < في الحقيقة وقعت مشاكل أخرى في هذا الموضوع، حيث قال لي هؤلاء إن الزفاف وفق التقاليد المغربية حرام، وإنه لا ينبغي أن يكون هناك اختلاط ولا موسيقى ولا شخص يصور زوجتك، مضيفين أنه يمكن بعد ذلك أن تقع الصور في أيدي الناس، فحصلت خصومة بيني وبين الزوجة لأنها أرادت أن تقيم حفل الزواج وفق التقاليد المغربية، لكنني قلت لها: إذا أردت إقامة حفل الزفاف فلا أريد مصورا ولا غناء، ملتزما في ذلك بتطبيق ما قيل لي، فغضبت هي غضبا شديدا، والحقيقة أنني ظلمت زوجتي في الكثير من الأمور بسبب جهلي واتباعي لنصائح الناس. - من هم هؤلاء الناس الذين تتحدث عنهم، هل التقيت مثلا بأحد مشايخ السلفية الجهادية في هذه المرحلة؟ < لا أريد أن أذكر الأسماء، ولكن هناك أمر مهم لا بد أن يعرفه الناس، وهو أن التكفيريين إذا خالفتهم في أمور معينة فهم لا يستمرون في التعامل معك بصدق. مثلا؟ مثلا، هناك شخص تخاصم مع شخص آخر في السجن فأراد أن يقتله، فذهب الأخير إلى الحراس الذين قدموا إليه عشاء وطلبوا منه أن يصبر إلى الصباح لكي يقابل المدير، ونقلوه إلى غرفة أخرى (كاشو– زنزانة انفرادية) لحمايته، وفي الصباح قال له المدير إنك أخطأت، وسامحه. وبعد ستة أشهر، وجه هذا الشخص نفسه رسالة إلى الصحف يرفع فيها شكوى ضد الحارس الذي ساعده، قال فيها إن هذا الحارس أخرجه من غرفته وربطه إلى حاجز وصب عليه الماء وضربه، وهكذا رد عمل الخير الذي تصرف به الحارس معه بالشر، لكن ليس جميع المعتقلين هكذا، بل التكفيريون منهم فقط، ولا أريد أن أذكر أيا منهم بالاسم. نعود إلى مدينة طنجة، هل الأشخاص الذين كنت تلتقي بهم هم من التكفيريين؟ < لا، ليسوا من التفكيريين، بل من السلفية الجهادية، فهناك أتباع ما يسمى بالهجرة والتكفير الذين يكفرون النظام والمجتمع، أما السلفيون الجهاديون فهم يكفرون النظام فقط ومن يسير في فلكه، مثل رجال الشرطة والأمن، لكن في الواقع ليس هناك فرق كبير بين هؤلاء وأولئك، فالأولون يكفرون الشعب والآخرون لا يكفرونه، هذا هو الفرق فقط. المهم أننا سافرنا إلى فرنسا، زوجتي وأنا، وأقمنا عند والديّ حيث أعطيانا الطابق السلفي من البيت وأقاما هما في الطابق العلوي، وهناك وقعت لي مشاكل كذلك مع زوجتي، لأن السلفيين علموني أن المرأة لا ينبغي أن تخرج من البيت بمفردها وأنه يجب عليها أن تنتظر زوجها حتى يعود من العمل، فكنت أفرض عليها ذلك، وفي بعض الأحيان كنت آخذها إلى المركز الإسلامي في سانت إتيان حيث تعقد الأخوات السلفيات اجتماعات، لكن هذا كان يحدث نادرا، مرة أو مرتين في الشهر.