حسنا فعلت وزارة التربية الوطنية حين ألصقت صفة «الاستعجال» بمُخّططِها الهادف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذُه في المنظومة التعليمية العاجزة والمريضة واخّا اللّي عْطا اللّه عْطاهْ. حسنا فعلت الوزارة حين استنجدت بالمصطلح الطّبي الذي يَفي بغرض الإيضاح. إنه اعتراف ضمني بأن التعليم دخلَ غرفة الإنعاش المركّز، وهي غرفة الداخل إليها مفقود والخارج منها تُكتب له حياة وعمر جديدان، إلى كان عَندُو شِي زهر. وكان أصحاب القرار قد نفضوا أيديهم منذ زمن طويل من قطاع التّعليم وآفاته، وتساءلوا بصراحة يحسدون عليها: «ماذا سنصنع بتعليم لا يصلح في أحسن الأحوال سوى لتفريخ المعارضين والرافضين»؟. هذا السؤال ينتمي إلى عهد السبعينيات والثمانينّيات من القرن الماضي. يكتفي التعليم اليوم بصنع حشود من العاطلين إلى درجة أن الأطفال الذين التحقوا هذه الأيام ببنايات متهالكة يقولون لهم إنها مدارس تعاني من التكديس والزْحامْ وبؤس الإمكانيات، يتساءلون في براءة كيف سيكون مصيرهم، وهل سيكون نسخة طبق الأصل من مصير الأجيال السابقة. إنها المأساة في أبهى أيامها. الاعتراف الرسمي بإفلاس المنظومة التعليمية فضيلة نادرة في هذا الزّمن الموبوء بالوعود المغشوشة وبسياسات التجميل والترقيع ووضع المساحيق على وجه هذه المنظومة التعليمية المحتضرة. وهذا ما اكتشفه بعض التلاميذ الصّغار الذين اندهشوا من تَزْويدِ بعض المدارس بأجهزة الاستقبال التلفزي المهداة لها من قبل المصيبة الأخرى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. (تشبّث غريق بغَرِيقْ) التي تخلصت من خردتها بما فيها أجهزة «تي إن تي» TNT التي انفجرت كساداً، وتحاول اليوم إغراق المدارس بها بعد أن رفضها الكبار وعزفوا عن اقتنائها. ما بغاها حَدّْ، فابور وْغَاليَة. فهل يوافق أصحاب «المخطط الاستعجالي» على خطوة كهاته لن تساهم سوى في إلهاء التلاميذ الصغار عن تحصيلهم، مع أن اللِّي حَاصَلْ بالمعقول هو منظومة التعليم في هذا البلد، حيث يتم تسميم عقول التلاميذ ببرامج رسمية فاسدة ومواد تلفزية مائعة على مستوى الجودة والفحوى والمضمون. كنا في المقابل نتوقع أن تتحالف وزارة المالية مع وزارة التربية الوطنية من أجل الرفع من مستوى الأداء التعليمي، والبحث العلمي في المعاهد والجامعات، وأن يعمل الجميع على تحسين ظروف المعلم المادية والمعنوية، لا أن تتطفل «شركة» تلفزية إعلامية مُفْلِسة على قطاع تعليمي مُفلس، وهو ما سيؤدي لا محالة إلى تلقين أبناء الفقراء مبادئ الإفلاس، فيما أبناؤهم يتلقون في جامعات ومعاهد الخارج الراقية مبادئ المستقبل المضمون.