أود في البداية أن أشير إلى أن هذا المقال هو ليس بالضرورة ردا على ما جاء في مقال الأخ ماء العينين محمد الإمام بقدر ما هو توضيح لبعض الأشياء التي جاء بها كاتب المقال والتي لا تهم، في عمقها، قبيلة أهل الشيخ ماء العينين بقدر ما تهم تدبير قضية الصحراء بشكل عام، على اعتبار أن توظيف العامل القبلي في هذه القضية المصيرية للمغرب عرف بدوره تمييعا واسترزاقا لا مثيل له في أي مجتمع عربي مكون أصلا من قبائل شتى جمعتها، في ظروف تاريخية محددة، وحدة المصير المشترك ووازع الاقتصاد الاجتماعي المتداخل في ما بينه. وعودة إلى المقال آنف الذكر، أجدني مضطرا، كأحد أبناء الصحراء وتحديدا مدينة العيون، إلى طرح سؤال جوهري حول مدى انعكاس التوظيف القبلي من طرف الدولة منذ قبول المغرب إجراء استفتاء بالأقاليم الصحراوية وكيف تم توظيف هذا المعطى بعد ذلك في الصراع الاجتماعي والسياسي، وخصوصا منه ذاك المتعلق بجميع المحطات الانتخابية المشكوك في نزاهتها التي عرفتها مدن الصحراء، يليه كذلك المنطق المشوب بالغموض في توظيف هذا المعطى القبلي المتجاوز في التعيينات التي همت مجموعة من الأسماء كعمال أو كسفراء أو في مختلف المناصب الحكومية. لا أظن أن الأخ ماء العينين أو أي صحراوي آخر يجادل في أن من بين أخطر التوظيفات الاجتماعية التي تم اعتمادها في التدبير السياسي لقضية الصحراء هناك التوظيف القبلي بمبرر كان يشار إليه آنذاك والمتمثل في كون عملية تحديد هويات المؤهلين للمشاركة في الاستفتاء يمر عبر بوابة هاته القبيلة أو تلك، الشيء الذي جعل المجتمع الصحراوي يختزل هويته الانتمائية إلى نوع محصى، وهو المدرج في قوائم الإحصاء الإسباني لسنة 1974، وإلى نوع آخر يبحث عن شهادة اعتراف من طرف المينورسو، وهو رهين قبول أحد شيوخ هذا الطرف أو ذاك. أما القول إن التهميش طال هذه القبيلة أو تلك، فأعتقد جازما بأن هذا المنطق هو من مخلفات تلك الحقبة التي يعرفها جميع الصحراويين عندما كان عامل إقليمالعيون صالح زمراك، غفر له الله، يستدعي هذه القبيلة ويثني عليها بالمديح ويستدعي القبيلة الأخرى ويحذرها من الأولى مرتكبا بذلك أبشع صور الشقاق، الشيء الذي تمخض عنه بروز النفاق السياسي والمقايضة بالوطنية والوشايات الكاذبة التي كانت سببا في اعتقال معظم معتقلي قلعة مكونة وأكدز. أجدني لا أفهم مثقفا في القرن الواحد والعشرين يتحدث بهذا المنطق القبلي الشوفيني على اعتبار أن القبائل الحقيقية المتواجدة حاليا في الصحراء هي قبيلة البورجوازية الهجينة صنيعة الإدارة وتجارة الحرب ومحترفي الهمزة والانتخابات، وأفراد هذا الصنف موجودون في جميع القبائل التقليدية لساكنة الصحراء. هؤلاء لا يهمهم وليس في مصلحتهم أن تنتهي قضية الصحراء لأن باستمرار الصراع يضمنون استمراريتهم وتواجدهم على اعتبار أنهم مفروضون بقوتهم المادية وليس الرمزية أو المعنوية في انتمائهم إلى مصطلح الأعيان أهل العقد والحل. والغريب في الأمر أنك تجد منهم مثقفين وجامعيين كانوا بالأمس القريب، في حلقات النقاش سواء بجامعة مراكش أو بالرباط، ينددون ويستنكرون هذا الوضع، فإذا بهم يصبحون حواريي هاته الفصيلة الغريبة عن المجتمع الصحراوي والتي أنتجها تدبير سياسي واقتصادي للمنطقة طيلة 30 سنة خلت. أما القبيلة الثانية فإنها قبيلة الطبقة المتوسطة من أهل الصحراء والمتكونة من أغلبية شرائح القبائل التقليدية للصحراء والتي كان أفرادها في عهد الاستعمار الإسباني إما عمال بشركة فوس بوكراع أو في مختلف المهن الخدماتية أو الصنف الذي ولج الوظيفة العمومية عند استرجاع الأقاليم الصحراوية. وتعتبر هذه القبيلة الشاسعة المحرك الرئيسي للاقتصاد المناول بأقاليم الصحراء، كما يمكن اعتبارها خزانا من الطاقات الشبابية في مختلف المجالات ومقياسا لمدى الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي الذي تعرفه هذه المنطقة على طول السنة والذي وجب التعامل معه بمنطق استثماره في الاتجاه الصحيح بدل استحضار الهاجس الأمني والتشكيك المسبق في أي تحرك يروم لفت الانتباه إلى قضية ما أو خلل ما. أما القبيلة الثالثة والأخيرة، فإنها قبيلة المحرومين والمستضعفين والتي تمثل السواد الأعظم في التركيبة البشرية لجميع القبائل التقليدية الصحراوية، كما أنها تمثل أيضا احتياطيا انتخابيا عودته التجارب السابقة على أن لا شيء يعلو على سلطة المال والنفوذ ورضى السلطات المحلية.خلاصة القول أن القبيلة الحقيقية اليوم بالصحراء هي القبيلة الاجتماعية، والتصنيف الاجتماعي الذي خضع له المجتمع الصحراوي لم يكن وليد تطور طبيعي خضع لمعايير التحول وفق تنافس اقتصاد عادي أفرز طبقات اجتماعية معينة، بل إن هذا التصنيف لعبت فيه الإدارة المحلية دورا محوريا ضرب في العمق معايير المجتمع الصحراوي المتمثل في ما يصطلح عليه ب(الخيام الكبرات) وأعاد إنتاج لوبيات اقتصادية اكتسبت عقلية مافيوزية في بناء الثروة والسيطرة على مواردها. والغريب في المقال سالف الذكر للأخ محمد الإمام هو طرحه المتمثل في ضرورة تجريب وصفة المقاربة الروحية والصوفية، حيث يلمح بصورة غير مباشرة إلى استعداد قبيلة أهل الشيخ ماء العينين لعب هذا الدور له، وهو طرح يتماهى مع نظرية العرق الأسمى التي لا نجد لها مثيلا سوى في العهد النازي البائد. إن الحل الأمثل لقضية الصحراء والمقاربة الأشمل رغم محاولة التشكيك في جدواها هو الخيار الديمقراطي، فبالديمقراطية يمكن تحصين الوحدة الترابية والوطنية وربح رهان قضية الصحراء. نعم باعتماد آلية الديمقراطية في انتخاب أي هيئة سواء كانت مجلسا ملكيا أو شعبيا، وبالديمقراطية يمكن ترجمة الإجماع الوطني حول قضية الصحراء إلى قيمة مضافة تستثمر بشكل متواصل في بناء الوطن المتجدد بدل توظيف هذا الإجماع وفق هوى وزارة الداخلية والخارجية بشكل مناسباتي، فالديمقراطية أولا والديمقراطية أخيرا هي الكفيلة والإطار المناسب لهذا التنوع القبلي والثقافي والسياسي الذي تزخر به هذه البلاد.