فند السيد محمد ماء العينين، سفير جلالة الملك المعتمد في أستراليا مغالطات تاريخية حول تشابه مزعوم بين تاريخ نزاع الصحراء وتيمور الشرقية، جاءت في مقال نشر أخيرا في صحيفة استرالية يحمل توقيع رئيس تيمور الشرقية خوسي راموس هورتا، على هامش عرض مهرجان ملبورن لوثائقي استرالي فضح ظاهرة الرق في مخيمات تندوف، مثيرا بذلك حملة تشويش يقودها أنصار جبهة البوليساريو في استراليا منذ عرضه في يونيو الماضي بمهرجان سيدني. وبعث السفير ماء العينين برد يحمل عنوان "حتى رئيس دولة بارز يمكن خداعه أحيانا" إلى رئيس تحرير صحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" التي نشرت بتاريخ 22 يوليو الجاري مقال الرئيس خوسي راموس هورتا بعنوان: "علاقة تيمور بصراع صحراوي" ، أبرز فيه نقاط الاختلاف بين قضية تيمور الشرقية التي قادت إلى استقلالها عن أندونيسيا وبين قضية الصحراء التي لم تكن ذات يوم جزءا منفصلا عن الامتداد الجغرافي والتاريخي للمغرب عبر مر القرون. ودعا السفير المغربي في رسالته المجتمع الاسترالي إلى البحث عن حقيقة نزاع الصحراء، بعيدا عن الدعاية المضللة التي تمارسها جبهة البوليساريو مستغلة معاناة السكان الصحراويين المحاصرين في مخيمات تندوف، لخداع "زوارها، ومن ضمنهم يمكن أن نجد أحيانا رؤساء دول مثل فخامة الرئيس راموس هورتا". وفي ما يلي نص رسالة السفير محمد ماء العينين: من سفارة المملكة المغربية كانبيرا استراليا حتى رئيس دولة بارز يمكن خداعه أحيانا بقلم : محمد ماء العينين سفير المملكة المغربية في أستراليا إلى رئيس تحرير صحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" سيدي العزيز رئيس التحرير، لقد قرأت بعناية عمود "مقال الرأي" المنشور في صحيفتكم بتاريخ 22 يوليو الجاري بتوقيع فخامة الرئيس خوسي راموس هورتا، رئيس تيمور الشرقية، بعنوان: " علاقة تيمور بصراع صحراوي". ومع كل الاحترام الواجب إزاء الشخصية المميزة لفخامة الرئيس راموس هورتا، لا يخفى أن الكثير من النقاط الأساسية في رأيه هي أقرب إلى الموقف المنحاز الذي تراكم لدى فخامته في سياق كفاحه من أجل استقلال تيمور الشرقية، بجانب دعاة استقلال الصحراء الغربية منذ عام 1975 في الجزائر، منها إلى الحقيقة التاريخية التي حاول إبرازها عبر مقال الرأي الذي كتبه. لقد اغتنم معاليه فرصة عرض الفيلم الوثائقي " Stolen" (سطولن سُرقوا) في ملبورن للتعبير عن وجهة نظره حول عمق نزاع الصحراء الغربية. أنا اتفق معه على أن النظر إلى هذا الفيلم يجب أن يكون أبعد من مسألة الرق المثارة فيه. وأود أن أشير بشكل عابر أن الرق هو ممارسة محظورة من جانب المجتمع الدولي، ومخزية، وتستحق أن تدان بجميع أشكالها. إنها ممارسة لا يمكن التسامح معها في أي مكان، ولا من طرف أي شخص، فما بالك من قبل حركة تحررية، أو حركة انفصالية! اكتشاف ممارسة الرق في مخيمات البوليساريو في تندوف بالأراضي الجزائرية تم بشكل عرضي بحسب مخرجي فيلم "سطولن". وعندما تبينا وجود هذه الظاهرة، فضّلا الكشف عنها للرأي العام، بدلا من التستر عليها. لقد اعتقدا أن إخفاء الحقيقة بدافع التعاطف مع ما يدعى حركة تحررية يورطهما في موقف التواطؤ الذي سيجلب لهما الندم أخلاقيا ومهنيا. لقد أنصتا إلى صوت ضميرهما، وهذا ما كلفهما اعتراضات دعاة الحركة سالفة الذكر. لا خوف! من الأفضل التعرض للانتقادات بسبب الكشف عن حقيقة بطريق الصدفة في سياق التحقيق الذي أجرياه في الميدان، من الوقوع فريسة مؤامرة الصمت خوفا أو تعاطفا. العديد من الحقائق العلمية اكتشفت عن طريق الصدفة من قبل باحثين أصبحوا في وقت لاحق يتمتعون بشهرة عالمية. التاريخ يحفل بأسماء كبار المفكرين الذين تمت تصفيتهم بسبب كشفهم أمام الملأ عن نتائج اكتشافاتهم. اليوم، يتعرض مخرجا "سطولن" لهجوم عشوائي. البعض لم يبخل ببذل كل ما يتطلبه جلب "فاطيم" وزوجها لأجل أن يقوما بنفي شهادتيهما وشهادات ذويهما، من دون الإفصاح، رغم ذلك، عن كون أطفالهما وأقاربهما ظلا رهائن تحت مراقبة مشددة في المخيمات حيث اكتشفت الظاهرة المخزية. لقد كنت في غاية الاندهاش عندما قال فخامة الرئيس راموس هورتا في بداية مقاله: " التقيت بالعديد من الصحراويين، وزرت مخيمات تندوف مرتين، ولم ألاحظ أي شكل من أشكال العبودية في المخيمات"!!. هذا التأكيد الدقيق والبسيط موضوع بشكل يتيح إخفاء الحقيقة! فخامته بصفته رئيسا لدولة صديقة، يحيطه أمن البلد الصديق، الجزائر، وميليشيات البوليساريو الستالينية، فقط تخيلوا معي، ماذا سيكون مصير كل من يجرؤ على القول له: "صاحب الفخامة، أنا أعامل كعبد من قبل أصدقائك الذين أتيت لمساندتهم، رجاء، ساعدني على استعادة حريتي! " في الفقرة التالية يتناول فخامته جهل الشعب الاسترالي بقضية الصحراء مقارنة بشعب تيمور الذي يعرف كل شيء عن القضية! وعلى استراليا أن تتقبل بالنسبة له دروس التاريخ على يد هذا الجزء من العالم، من تيمور الشرقية... ثم يبدأ الدرس : "كل من تيمور والصحراء الغربية كانتا محتلتين من قبل القوى الإيبيرية اسبانيا والبرتغال..."، لكنه أغفل القول إن إسبانيا احتلت ضمن نفس النظام الاستعماري مناطق أخرى من المغرب. وقد تمت استعادة كل منطقة في تاريخ مختلف، وهي: -- مجموع المنطقة الشمالية بالمغرب، من إقليمتطوان إلى الناظور عام 1956 -- منطقة طرفاية التي كانت جزءا من الصحراء الغربية عام 1958 -- منطقة سيدي إيفني عام 1969 -- مدينتا سبتة ومليلة المغربيتين لا تزالا تحت الاستعمار الاسباني كما تجاهل فخامته أن المغرب الذي قام بمفاوضات ناجحة لاسترداد المناطق المذكورة أعلاه من إسبانيا كل منطقة على حدة، كان دولة مستقلة قبل صعود نجم الاستعمار في القرنين 18 و19. بطبيعة الحال، شهد المغرب عهد الحماية الفرنسية والاسبانية في الفترة من 1912 وحتى 2 مارس 1956. ولكن بعد ذلك بوقت قصير، وضع المغرب أمام منظمة الأممالمتحدة مطالبه لاسترجاع مجموع أراضيه التي لم يتخل عنها الاستعمار في مارس 1956، بما فيها منطقة الصحراء الغربية. أغفل الرئيس راموس هورتا في درسه التاريخي أنه منذ عام 1956 حتى عام 1974، كان المغرب يواجه وحيدا إسبانيا في الأممالمتحدة حول الصحراء الغربية. وقد تجاهل أيضا أن هذا النزاع تم طرحها أمام محكمة العدل الدولية فقط من طرف "دولتين معنيتين": المغرب الذي طالب بأراضيه، وإسبانيا كدولة مستعمرة. حاولت الجزائر وموريتانيا التدخل في النزاع أمام محكمة العدل الدولية، لكن تم قبولها فقط بصفة "الأطراف المعنية"، وذلك بسبب وجود حدود مشتركة بينهما وبين الصحراء الغربية (انظر الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975). في ذلك الوقت، كانت البوليساريو قد ظهرت إلى الوجود على الأراضي الجزائرية، ولم يكن لها وجود على الساحة الدولية. الرئيس هورتا لم يقل كذلك إن السؤال الذي وضعته الجمعية العامة للأمم المتحدة على محكمة العدل الدولية كان: " هل كانت الصحراء الغربية خلال فترة استعمارها من قبل إسبانيا أرضا خلاء؟ وفي حال لم تكن أرضا خلاء: ما هي الروابط القانونية التي كانت بينها وبين المملكة المغربية؟ " فخامته، بطبيعة الحال تجاهل رد محكمة العدل الدولية: " خلال استعمارها من قبل اسبانيا كانت الصحراء الغربية لم تكن أرضا خلاء ( بلا مالك)" " كانت هناك روابط قانونية للبيعة بين هذه الأراضي والمملكة المغربية". وأود التذكير هنا أن تاريخ سيادة المغرب على جميع أراضيه لأكثر من 12 قرنا من وجوده كدولة مستقلة يقوم على أساس مبدأ البيعة المقدس (المغرب دولة منذ 788م، وهو أول بلد اعترف باستقلال الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما جاء في خطاب الرئيس أوباما في القاهرة في 04 يونيو 2009)، والذي شكل أيضا جوهر مطالب المغرب أمام محكمة العدل الدولية. وبالتالي، فإن أي مقارنة بين تاريخ تيمور والصحراء الغربية هي لاغية وباطلة. إن محاولات الرئيس راموس هورتا للقيام بهذه المقارنة تسعى في المقام الأول إلى التشويش على استراليا والاستراليين لكسب الدعم الذي قدموه لكفاح شعب تيمور. كما تسعى إلى الاستفادة من هالة الفائز بجائزة نوبل الرئيس راموس هورتا الذي هرول إليه منتقدو فيلم "سطولن". لقد ترك مسؤولياته كرئيس للدولة للمشاركة في مهرجان ملبورن السينمائي لأجل إعطاء المزيد من المصداقية على مطالب أولئك الذين يؤيدهم. إنها مساندة في النضال! كل شيء مباح في الحب والحرب! لكل ما تقدم، ولعدة أسباب تاريخية لا يسمح مجال هذا الرد باحتوائها، لا يسعني إلا أن أقول إنه على الرغم من معارضتي لأفكار الرئيس راموس هورتا حول الصحراء الغربية، فإنني أتفق معه تماما حينما يقول: أدعو جميع الاستراليين لأخذ وقت لفهم كل القضايا المحيطة بمسألة الصحراء الغربية. أناشد الجميع للبحث عن الحقيقة بيقظة والتزام، خشية أن تصبح الأكاذيب قائمة، وأن تجد المصالح الضيقة لبعض القوى طريقها سلسة إلى الأفكار والسلطة" إلا أن نداءه إلى بقية العالم لدعم انفصال الصحراء الغربية عن المغرب، فإن هذا السلوك تتعارض مع الحقائق التاريخية والجغرافية لشعب الصحراء الذي يعيش في إطار مؤسسات منتخبة ديمقراطيا تمثله في البرلمان والحكومة المغربية. أشعر ببالغ الألم إزاء معاناة الصحراويين في مخيمات اللاجئين التي يدافع عنها الرئيس. إن هذه المعاناة سببها أولئك الذين يحاصرونهم في المخيمات ضد إرادتهم، تحت حراسة مشددة وسط الصحراء، لتقديمهم، كما في عرض مسرحي درامي، للزوار المنخدعين بالدعاية الكاذبة المحبوكة من قبل البوليساريو وأسيادهم. وقد يجد المرء ضمن هؤلاء أحيانا رؤساء دول مثل فخامة الرئيس راموس هورتا. وأنا آسف من أعماق قلبي أنه تكبد مشقة مثل هذا الدعم الذي سيثبت التاريخ بلا شك خطأه. المصدر: كوركاس