جمال الزعيم يسرد التفاصيل الدقيقة لعملية احتجاز ضابطين مسؤولين في ثكنة عسكرية بوجدة سنة 2002، رفقة صديقه ابراهيم الجلطي، وكيف انتهت العملية، التي كانا يريان فيها طريقا للقاء الملك محمد السادس، بإلقاء القبض عليهما وإحالتهما على أكثر من محطة للتحقيق معهما في ملابسات هذا الاحتجاز، وما يملكانه من وثائق وأشرطة وصور تتحدث عن الفساد داخل الجيش، قبل أن يصدر في حقهما حكمان بالسجن بالمحكمة العسكرية بالرباط، الحكم الأول قضى بالسجن سبع سنوات في حق الضابط إبراهيم الجلطي، بينما الحكم الثاني قضى بثماني سنوات في حق الضابط جمال الزعيم. وهو يسرد تفاصيل هذه العملية، يقف جمال الزعيم، الذي غادر السجن، في يوليوز الماضي، عند محطة اعتقاله ويتحدث عن مسؤولي المؤسسات السجنية التي مر منها وما تعرفه من اختلالات، كما يتحول بين الفينة والأخرى إلى محلل سياسي يبدي مواقفه من أهم القضايا الوطنية. -بعد زيارة الملك لسجن وزان في 2006 ماذا حدث؟ > عند زيارة الملك لسجن وزان وجد في استقباله مجموعة من الأشخاص، سلموا عليه، وهم قبلوا يده. هكذا يلعب الجانب السيكولوجي في إبراز شخصية المنافقين الخائنين للأمانة، شخصية هشة مبنية على الجبن والخوف، وبالمناسبة سأعطيك وأعطي لكل من يقرأ كلامي هذا وصفة سحرية ليعرف بها هل هذا الشخص ناهب للمال العام ومرتش أم نزيه في المسؤولية الملقاة على عاتقه، وقد جربتها بنفسي على مجموعة من الضباط الكبار في الجيش قبل اعتقالي، وعلى مجموعة من المدراء والمسؤولين بمندوبية السجن، ويمكن تعميم نتائجها على باقي القطاعات الوزارية وهي مراقبة طريقة سلام المسؤول على الملك أثناء استقباله له فإذا قبل يد الملك بحرارة من كلا الجانبين وكرر التقبيل وأطال في الانحناء فكن متأكدا من أنه من أكبر المرتشين، وأكثرهم نهبا للمال العام وما طريقة تقبيله لليد سوى وسيلة يظن أنه بها سيحظى بعطف ورضى الملك، في حين أن العطف والرضى كان عليه أن يكسبهما بالاحترام لشخص الملك وبالنسبة لي فاحترام الملك يكمن في الوفاء والالتزام بالأمانة والمسؤولية الملقاة على كل مواطن مهما كبر أو صغر منصبه، الاحترام هنا يكمن في الإخلاص لا في تقبيل اليدين نفاقا ومجاملة. -لنعد إلى موضوع زيارة الملك إلى سجن وزان؟ > قلت لقد وجد في استقباله مجموعة من الأشخاص قبلوا يده خوفا وليس احتراما، ثم قدموا له مجموعة من السجناء اعتبروا ضمن المتفوقين والمنضبطين الذين أبانوا عن رغبة في الاندماج، وإذا استثنينا ثلاثة أو أربعة سجناء من هؤلاء الذين قدموا إلى الملك سنجد أن الملك قد وجد أمامه دون أن يدري أشخاصا قدموا أموالا طائلة للسلام عليه بل منهم من كان آنذاك مروجا للحشيش داخل السجن وقدم إلى الملك على أساس أنه سجين نموذجي، بعد ذلك دشن الملك مركزا للتكوين المهني وقدمت إليه الشروحات الكافية والأهداف المستقبلية لهذا المركز وعدد السجناء الذين سيستفيدون منه مستقبلا، في هذه الأثناء التي كان أحدهم يشرح للملك الخطوط العريضة لهذا المشروع كان قلب السيدة أسية الوديع، عضوة المجلس الإداري لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء يخفق بقوة وكادت أن تصاب بسكتة قلبية. -لماذا؟ > خوفا من الفضيحة أمام الملك، لأن المقاول الذي كلف ببناء مقر التكوين المهني غش في البناء وسلم لهم المركز كله عيوب، وبالطبع لايمكنك أن تقنعني بأن هذا المقاول تحايل على المكلفين بالمراقبة وسلمهم المركز بعيوبه دون أن ينتبهوا إلى ذلك، ومن سوء حظ المكلفين بالزيارة الملكية أن يوم الزيارة كان ممطرا مما جعل الماء يتسرب على شكل قطرات من سقف المركز، وبالأخص في طابقه العلوي، وكانت إحدى القطرات تتساقط فوق المكان الذي سيقف فيه الملك ليستمع إلى بعض الشروحات، مما يعني أن قطرات الماء ستتساقط فوق رأسه الأمر الذي سيجعل كل من له المسؤولية في هذا الغش أمام مهب الريح وسخط الملك، هنا تدخلت أسية الوديع لتنقذ الموقف. إذ في الوقت الذي كان فيه الملك يقوم بجولة في الطابق السفلي صعدت بنفسها إلى الطابق العلوي، وعدت الثواني التي تفصل بين تساقط القطرة والقطرة فوجدتها حوالي دقيقة ثم أمرت بقصبة طويلة وضعوا في رأسها قطعت قماش وسلمتها لأحد حراس السجن وطلبت منه أن يمسح قطرة الماء في السقف بمجرد أن تعطيه الإشارة، ويخبئ القصبة في مكان خفي كي لا يراها الملك، وبالطبع تم هذا بالتنسيق مع حراس الملك، ثم طلبت من المكلف بإعطاء الشروحات للملك أن يكون موجزا في شرحه كي يغادر الملك مكان القطرة في أقصر مدة ثم وقفت الوديع أمام باب القاعة. وبمجرد ما أن اقترب الملك من الباب حتى أعطت أمرها للحارس بتنشيف مكان تسرب قطرات الماء، وهذا ما قام به بخفة ثم اختصر المكلف بتقديم الشروحات في شرحه للملك وما إن غادر الملك المكان بثوان حتى تساقطت قطرة الماء التي كانت ستوقف قلب أسية الوديع ومستقبل الكثير من المفسدين الذين كانوا السبب في تسرب هذه القطرة وقطرات أخرى. وهنا أتساءل لماذا قامت السيدة أسية الوديع بكل هذا المجهود وبهذه الطريقة لتجنب الملك قطرة الماء؟ -وماذا كان عليها أن تفعل في نظرك هل كان عليها أن تتركها تسقط فوق رأس الملك؟ > لا، كان عليها أن تنبه الملك وتقول له: جلالتكم لا تقفوا في هذا المكان لأن قطرات الماء تتساقط فوقه. عندها سيقف بعيدا وبعد ذلك سيطلب بفتح تحقيق في هذا الغش، هذه هي الطريقة الشفافة التي كان عليها التعامل بها في هذا الموقف، أما أن تعمد إلى إخفاء الأمر عن الملك والتستر على الفاعلين فهذا يعطيني ويعطي للجميع حق القول إن هذه السيدة متورطة في هذه القضية. وقد تبدو لك حكاية قطرة الماء بسيطة ولا تستحق كل هذا الكلام لكنها فقط قطرة من بئر إن صح التعبير. بعد أن دشن الملك هذا المركز ورحل عنه تحول إلى خراب في خراب. لقد تحول من مكان لتكوين السجناء إلى مكان لتعذيبهم وتعليقهم على شكل صليب، وهذا ليس كلاما أطلقه على عواهنه وإنما هو واقع، نعم هذا المركز أصبح الآن مكانا مفضلا لمدير السجن وحراسه للتنكيل بالسجناء لأنه جاء في مكان لا يسمح فيه لآهات وصراخ السجناء الذين يكونون تحت نار التعذيب من الوصول إلى آذان السجناء داخل المعقل. أليس هذا شكلا من أشكال الاحتيال والنصب على الملك؟ إنهم يقدمون له برامج على أساس أنها ستطبق بحذافرها، لكن ما أن يغادر مكان التدشين حتى يتحول إلى خراب. لقد ذكرت لك قصة تدشين مركز التكوين المهني بسجن وزان كمثال فقط في حين أن هناك أمثلة كثيرة أخرى أكثر فظاعة.