جمال الزعيم يسرد التفاصيل الدقيقة لعملية احتجاز ضابطين مسؤولين في ثكنة عسكرية بوجدة سنة 2002، رفقة صديقه ابراهيم الجلطي، وكيف انتهت العملية، التي كانا يريان فيها طريقا للقاء الملك محمد السادس، بإلقاء القبض عليهما وإحالتهما على أكثر من محطة للتحقيق معهما في ملابسات هذا الاحتجاز، وما يملكانه من وثائق وأشرطة وصور تتحدث عن الفساد داخل الجيش، قبل أن يصدر في حقهما حكمان بالسجن بالمحكمة العسكرية بالرباط، الحكم الأول قضى بالسجن سبع سنوات في حق الضابط إبراهيم الجلطي، بينما الحكم الثاني قضى بثماني سنوات في حق الضابط جمال الزعيم. وهو يسرد تفاصيل هذه العملية، يقف جمال الزعيم، الذي غادر السجن، في يوليوز الماضي، عند محطة اعتقاله ويتحدث عن مسؤولي المؤسسات السجنية التي مر منها وما تعرفه من اختلالات، كما يتحول بين الفينة والأخرى إلى محلل سياسي يبدي مواقفه من أهم القضايا الوطنية. - لنعد إلى تفاصيل اعتقال الضابطين؟ > بمجرد أن أخبرت الكابتان بأن السيد الكولونيل يريده في مكتبه وأجابني بالإيجاب حتى عدت على الفور إلى مركز الحراسة حيث كان ابراهيم جالطي هو رئيس فرقة الحراسة ذلك اليوم بتاريخ14 مارس 2002 حيث تسلمت سلاحي، وما إن اجتمع الضابطان في مكتب واحد حوالي الساعة العاشرة صباحا حتى اقتحم عليهما إبراهيم المكتب بسرعة وفي رمشة عين، ثم طلب منهما الهدوء والالتزام بأماكنهما وأن أي مقاومة منهما ستكلفهما حياتهما، أخبرهما هكذا بلهجة صارمة وحادة حتى يبدو وكأنه يتكلم بجد وأنه قادر على إطلاق الرصاص عليهما في حالة تمردهما، وفعلا لقد التزما بالهدوء والانضباط، ثم أخبرهما أن الهدف من اعتقالهما هو الوصول إلى الملك لفضح خروقات رئيس الثكنة فقط وهنا تنفس هذان الضابطان الصعداء بل وبدآ في سرد مساوئ وخروقات رئيس الثكنة لإبراهيم وكأنهما يقولان له عندما تصل إلى الملك قل له هذه الخروقات أيضا، لقد كان مستغرقا معهم في الحديث والدردشة دون أن يغفل حراستهما والحذر منهما طبعا. - هل كبلتموهما؟ > لا أبدا بل تعامل معهما إبراهيم بكل احترام لكرامتهما لأنه كان هدفنا هو أن تهان كرامتهما بالقانون. - وأنت ماذا كنت تفعل ؟ > في هذه اللحظة كنت أحرس المكتب من الخارج كي لا يتم اقتحامه من طرف الجنود أو أفراد الدرك الملكي الذين كنا ننتظر قدومهم، وهذا ما حصل بالفعل لكن قبل هذا طلبت من جميع الجنود إخلاء الثكنة ثم أغلقت بابها الرئيسي. لقد أصبحت الثكنة تحت سيطرتنا في رمشة عين، فهل بمثل هؤلاء الجنود سنحمي الوطن؟ جنود يفرون بمجرد أن تصوب اتجاههم سلاحا ناريا بل ويدهس بعضهم البعض. أنا لا ألوم هؤلاء الجنود بل ألوم المسؤولين عنهم. ألومهم لأنهم لم يزرعوا فيهم روح التضحية والمغامرة. لقد زرعوا في أنفسهم الخوف والرعب. الرعب من نياشينهم والخوف على مصيرهم، هل تعرف أنه كان هناك جنود يتبولون في سراويلهم العسكرية بمجرد أن يخاطبهم جنرال بصرامة؟ هل بهذا الجندي المهتز نفسيا سنحمي الوطن؟ لقد اتضح لي هذا بشكل جلي عندما رأيت حالهم وهم يفرون ويدهسون بعضهم البعض خوفا من المصير المجهول. - بعد أن أغلقت باب الثكنة، ماذا حصل؟ > عندما سيطرت على الموقف خارج المكتب وسيطر عليه إبراهيم داخله ظهر على مسافة بعيدة مني رئيس الثكنة. لقد جاء ليتفاوض معي من بعيد فطلبت منه الاقتراب أكثر ولا خوف عليه إن هو التزم الهدوء، حتى بقي بيني وبينه حوالي عشرة أمتار فأخبرته بضرورة الاتصال مباشرة بالقيادة العليا للجيش بالرباط وإبلاغها بطلبنا لمقابلة القائد الأعلى للجيش، وأن طلبنا هذا إذا لم ينفذ في ظرف ساعتين عن طريق حضور شخصية مدنية معروفة في الديوان الملكي بواسطة وسيلة نقل جوية لنقلنا إلى الملك فإننا سنقوم بتصفية هذين الضابطين، ثم سنقوم بالانتحار وستنتهي هذه القصة بهذا الشكل. عندما أخبرته بهذا، ارتبك وبدأ يتلعثم في الكلام سائلا إياي عن السبب، فأخبرته أننا نريد مقابلة الملك لنسلمه هذين الضابطين الفاسدين فقط، وبدأ في محاولة إقناعي بالعدول عن هذه الفكرة وإطلاق سراح الضابطين وأنه سينفذ لي كل طلباتي. لقد ظن المسكين أننا نريد الوصول إلى الملك للحصول على امتيازات أو ترقيات، في حين نسي أني في تلك اللحظة كنت أتوقع الموت، لقد تعامل معي في بداية الأمر بمعيار مادي. لقد حاول إغرائي مقابل حصر هذه الفضيحة داخل أسوار الثكنة، لكنه عندما لمس أن الأمور كلها حزم وجدية وبعد مرور نصف ساعة من المفاوضات أو لنقل من الإغراءات، ذهب إلى مكتبه ليخبر القيادة العليا وبعدها اقتحمت الثكنة فرقة من التدخل السريع التابعة للقيادة الجهوية للدرك الملكي بوجدة. لقد قدموا على متن عدد كبير من السيارات المصفحة وكان عددهم يتعدى الثلاثين فردا ومدججين بالأسلحة الرشاشة وقاذفات القنابل المسيلة للدموع وبلباس أسود يغطي وجوههم ولابسين الصدريات الواقية من الرصاص. - من أين دخلوا وأنت قلت إنك أغلقت باب الثكنة؟ > لهذه الثكنة وكما لجميع الثكنات باب رئيسي وأبواب فرعية وهم اقتحموها من الباب الخلفي الذي كان بعيدا عني، وما إن وصلوا حتى بدؤوا يقفزون من السيارات التي تقلهم. فمنهم من كان يأخذ وضعية الرماية منبطحا على بطنه ومنهم من يأخذها واقفا على ركبتيه ومنهم من أخذ وضعية إطلاق النار واقفا، لكنهم كلهم وجهوا فوهات رشاشاتهم تجاه صدري وبطلقة واحدة منهم كان صدري سيتحول إلى ما يشبه الغربال، كان من الممكن أن أنهار فقط من الدهشة والارتباك لهذا المنظر الذي لا يمكن مشاهدته سوى في أفلام الحركة، كانوا وكأنهم يريدون القبض على عناصر إرهابية خطيرة تشكل خطرا على النظام في حين أننا كنا مجرد عسكريين بسيطين نريد أن نجعل وطننا قويا بتخليصه من أشخاص قذرين ووسخين، أشخاص يمتصون خيرات الوطن ودم مواطنيه وجنوده، لكن المهم بالنسبة إلي هو أنهم لم يستطيعوا الإحاطة بي وبالمكتب من كل الجوانب لأن هناك حواجز أجبرتهم على الاصطفاف أمامي على شكل نصف دائرة مما جعل مسألة مراقبتي لهم سهلة، لكن المأزق الذي وضعت فيه هو أن أفراد هذه القوة بدؤوا يتقدمون نحوي بخطوات بطيئة في محاولة للانقضاض علي واعتقالي وأسلحتهم الرشاشة موجهة نحو صدري وأصابعهم على الزناد في حالة حذر شديد ظنا منهم أني قد أطلق النار عليهم فجأة. - وماذا فعلت أنت في هذه اللحظة ؟ > في هذه اللحظة كان علي أن أستخدم دهائي ومكري لإرغامهم على التراجع للوراء فما كان مني إلا أن وجهت فوهت سلاحي نحو صدر رئيسهم الكولونيل الذي كان يشغل آنذاك منصب القائد الجهوي للدرك الملكي بوجدة، لقد صوبت سلاحي نحوه وأقسمت له كذبا وعلامات القسوة والجدية تتطاير من وجهي بأنه إن زاد هو أو رجاله خطوة واحدة نحوي فسأكون مضطرا لإطلاق النار عليه مباشرة وقلت له: عندما سيطلق رجالك النار علي سيصفي صديقي إبراهيم جالطي الضابطين الموجودين معه داخل المكتب بطلقتي نار ويصفي نفسه معهما بطلقة ثالثة. هذا هو الكلام الذي وجهته إليه بلغة التهديد والصرامة، في هذه اللحظة لازلت أتذكر أن الخطوة التي كان ينوي التقدم بها نحوي أرجعها إلى الوراء وطلب من رجاله التراجع قليلا لكني طلبت منه بإشارة من سلاحي التراجع أكثر فأكثر إلى أن طلبت منه الوقوف هو ورجاله بعيدا، عندها أخبرته بطلبنا وقلت له: إن كنت قد أتيت لاعتقالنا فكن متأكدا من أنك سترتكب حماقة بتصرفك هذا لأن حياة الضابطين وحياتنا وحياتك متوقفة على درجة حكمتك وتصرفك. أخبرته أننا لسنا بمجرمين خطرين أو إرهابيين حتى تواجهنا بكل هذه القوة، فنحن ببساطة مواطنان شريفان نريد مقابلة الملك لنسلمه هذين الضابطين، أخبرته أن الحل الوحيد والسلمي لهذه القضية هو أن نكون بين يدي الملك. ولن نقبل بأقل من هذا ولا نريد مفاوضات ثم قبلت صورة الملك والراية الوطنية، هنا بدأ يتفاوض معي لدقائق طالبا مني نزع صورة الملك عن صدري وكذا راية الوطن، ربما كان هدفه من نزعهما هو أن يعطي أوامره لرجاله بإطلاق النار علي لأن هذا كان يتعذر عليه القيام به وأنا حامل لهما لكني رفضت ذلك. - بعدها دخلتما معهم في مفاوضات ؟ > لم تكن هناك مفاوضات بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل كانت مجرد وعود بمقابلة الملك فارغة من أسلوب الإقناع. وبالمناسبة لابد أن أفتح هنا قوسا لأخبرك أن هذه التجربة جعلتني أستنتج أن المسؤولين المغاربة لا يعرفون طريقة وفن التفاوض. وربما هذا هو سبب فشلهم في الوصول إلى حل في المفاوضات مع جبهة البوليزاريو، هم ألفوا توجيه الأوامر إلينا كمواطنين سواء في مكاتبهم أو في الشارع أو حتى في منازلهم حتى غابت عنهم لغة الحوار واستعملوا مكانها لغة الأوامر، وعندما يريدون ترطيب كلامهم ليبدوا وكأنهم يتحاورون ويتفاوضون فإنهم ينطقون كلاما لن يصدقه أحد، وهذا ما حصل معنا فعندما لم تنفعهم معنا لغة الأوامر والتهديد والتخويف أرادوا أن يستعملوا معنا لغة الإغراء وعندما لم يفلحوا انتقلوا إلى التفاوض والوعود بكلام كان علينا أن نكون بلداء لنصدقه. لقد اتصل بنا ضابط سام من القيادة العليا للجيش بالرباط برتبة كولونيل ماجور وكان آنذاك يشغل منصب مفتش الخيالة وعرض علينا حلا يكمن في تسليمنا للضابطين لأفراد الدرك الملكي ثم أن نتجه مباشرة نحو المحطة لنستقل القطار نحو الرباط حيث سنجده في انتظارنا ومن ثم سيحملنا نحو القصر الملكي بالرباط حيث ينتظرنا الملك، لقد أشفقت على حال هذا المسؤول العسكري الكبير وعلى سذاجته عندما ظن أني سأصدقه. - ولماذا لم تصدقه؟ > لنترك حكاية القطار ومحطته التي لا يمكن لعاقل تصديقها، فالملك في تلك اللحظة لم يكن بالرباط كما ادعى هذا المسؤول، وإنما كان بمدينة أكادير يدشن بعض المشاريع. وبالتالي كان عليه أن يصحح معلوماته قبل أن يقترح علينا هذا الحل البليد. - وكم دامت مدة احتجازكما لهذين الضابطين؟ > (يضحك) للأسف الشديد عدت لذكر كلمة احتجاز، وهذا يعني أني لم أستطع إقناعك بأنه اعتقال وليس احتجاز وربما لن أستطيع إقناع عدد كبير من القراء لأنهم ألفوا كلمة احتجاز، وتأكد لو أني كنت لازلت مقتنعا أن ما قمنا به هو احتجاز لسميته احتجازا لأنه ليس لدي ما أخسره فقد سميته احتجازا أثناء محاكمتي وهو المكان الذي كان علي أن أتشبث فيه بأنه اعتقال. المهم لنعد لمدة اعتقالنا للضابطين، لقد انتهت الساعتان اللتان منحناهما لهم كمهلة لتحقيق طلبنا دون أن يحققوه وقد جاء وقت تنفيذ تهديدنا بتصفية الضابطين وتصفية أنفسنا كما سبق وأعلنا، لكن هل تظن أننا سنقدم على ارتكاب هذه الحماقة؟ بالطبع لا.