جمال الزعيم يسرد التفاصيل الدقيقة لعملية احتجاز ضابطين مسؤولين في ثكنة عسكرية بوجدة سنة 2002، رفقة صديقه ابراهيم الجلطي، وكيف انتهت العملية، التي كانا يريان فيها طريقا للقاء الملك محمد السادس، بإلقاء القبض عليهما وإحالتهما على أكثر من محطة للتحقيق معهما في ملابسات هذا الاحتجاز، وما يملكانه من وثائق وأشرطة وصور تتحدث عن الفساد داخل الجيش، قبل أن يصدر في حقهما حكمان بالسجن بالمحكمة العسكرية بالرباط، الحكم الأول قضى بالسجن سبع سنوات في حق الضابط إبراهيم الجلطي، بينما الحكم الثاني قضى بثماني سنوات في حق الضابط جمال الزعيم. وهو يسرد تفاصيل هذه العملية، يقف جمال الزعيم، الذي غادر السجن، في يوليوز الماضي، عند محطة اعتقاله ويتحدث عن مسؤولي المؤسسات السجنية التي مر منها وما تعرفه من اختلالات، كما يتحول بين الفينة والأخرى إلى محلل سياسي يبدي مواقفه من أهم القضايا الوطنية. - غادرت مؤخرا المؤسسة السجنية بعد قضائك ثماني سنوات بتهمة احتجاز ضابطين عسكريين بإحدى ثكنات وجدة كيف قضيت هذه المدة في السجن؟ > أول ما أود التنبيه إليه قبل الإجابة عن سؤالك هو أني أتحفظ عن كلمة احتجاز، وإن كنت لا أنفي أنه سبق لي أن صرحت في مناسبات سابقة بأن ما قمنا به هو احتجاز ضابطين عسكريين كوسيلة للوصول إلى الملك محمد السادس باعتباره القائد الأعلى للجيش لتسليمه دلائل تثبت تورط ضباط سامين في القوات المسلحة الملكية في عمليات فساد ورشوة، سواء في بعض الثكنات العسكرية أو في الحدود المغربية الجزائرية. إني لا أنفي هذا، لكن بعد دراستي للقانون في كلية الحقوق بسلا أصبحت أرى أن هذا الفعل الذي قمت به رفقة إبراهيم جالطي في حق هاذين الضابطين لا يمكن من الناحية القانونية تكييفه كعملية احتجاز ومن الصعب القول بذلك. ما قمنا به هو اعتقال مسؤولين عسكريين وسط مكان هو عبارة عن ثكنة عسكرية تابعة لسلطة الدولة، وقد طالبنا بتسليمهما في أقرب وقت ممكن إلى أعلى سلطة في هذا البلد دون شروط مسبقة منا أو مطالبتنا بفدية أو ما شابه ذلك، وكل ما قلناه للذين جاؤوا لمفاوضتنا أن شرطنا الوحيد هو أن تذهبوا بنا جميعا، نحن وهذين الضابطين، لنقف أمام القائد الأعلى للجيش فهو الذي نثق فيه. إذن هل يصح أن نسمي هذا احتجازا؟ لا أظن ذلك، وأترك الكلمة لأهل الاختصاص من القانونيين ليكيفوا هذا الفعل قانونيا هل هو احتجاز أم اعتقال؟ أما من ناحية ظروف اعتقالي، فمجمل القول، وبكل صراحة وأنتم تعرفون أوضاع السجون المغربية أنها كانت ظروفا صعبة، خاصة في السنوات الأولى من اعتقالي حيث تعرضت لكل أشكال المضايقات سواء النفسية أو الجسدية. - وما هي هذه المضايقات؟ > إنها مضايقات مست في بداية الأمر أفراد أسرتي الذين كانوا يأتون لزيارتي، حيث كانوا يتعرضون استثناء لعمليات تفتيش مهينة تمس كرامتهم وخاصة بسجن سلا، كما سبق لمدير هذا السجن آنذاك أن احتجز أخي وخالتي لمدة من الوقت بمكتبه بالسجن، وهددهما بالاعتقال، فقط، لأنه وجد بحوزة أخي رسالة كنت قد طلبت منه تعميمها على بعض الجرائد الوطنية. - ما محتوى هذه الرسالة؟ > رسالة كنت قد تطرقت فيها إلى قضيتنا وإلى محنتنا داخل سجن سلا المظلم. - لنعد إلى ظروف اعتقالك > نعم. كما قلت لك سابقا إن ظروف اعتقالي كانت مثلها مثل ظروف اعتقال أبناء هذا الوطن الذين وجدوا أنفسهم فجأة وسط زنازن المملكة الباردة. لقد تم إيداعي بالسجن المحلي بسلا ليلة 10/05/2002 حيث تم وضعي بزنزانة مكتظة بالسجناء دون أفرشة، ولازلت أتذكر أنني في تلك الليلة افترشت الأرض وكان حذائي العسكري هو وسادتي. - وهل نقلت مباشرة بعد اعتقالك من الثكنة العسكرية إلى السجن؟ > نعم إلى الجناح العسكري، حيث في سجن سلا هناك جناح خاص بالسجناء العسكريين الذين لم يحاكموا بعد، يسمى بالجناح العسكري، ويوجد حاليا بحي ألف في طابقه السفلي، وهنا لابد أن أفتح قوسا لأحكي معاناة هؤلاء العسكريين المعتقلين بهذا الجناح، فللأسف الشديد تنتهك بهذا الحي كرامة وآدمية الجنود ولازالوا لم يجدوا بعد من ينصفهم ويخرجهم من محنتهم. - ما هي أنواع هذه الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء العسكريون؟ > هذه الانتهاكات عديدة، لكن يمكن حصر مجملها في الاكتظاظ وسوء التغذية وانعدام النظافة والغياب التام للشروط الصحية للزنازن، والمعاملة القاسية والمهينة التي يتلقونها من طرف مجموعة من الحراس، بل والأكثر من ذلك هو أن هذا الجناح يضم أيضا المعتقلين المدنيين، حيث تم تكديس هؤلاء الجنود في خمس زنازن، إذ إن كل زنزانة تضم حوالي 60 عسكريا في حين خصصت باقي الزنازن، والبالغ عددها حوالي ثلاثين زنزانة للمدنيين الميسورين، إذ لا يتعدى عددهم 20 سجينا في الزنزانة، وهؤلاء الجنود المعتقلون تفرض عليهم الخدمة الأسبوعية لصالح السجناء المدنيين، حيث يكلف هؤلاء الجنود بتنظيف أجنحة المدنيين كل يوم أحد. وقد فرضت علي رفقة إبراهيم جالطي هذه الخدمة عندما كنت بهذا الجناح قبل أن نحتج ونمتنع عن القيام بهذا العمل المهين لكرامتنا. - هل تعتقد أن هذه الانتهاكات التي تحدثت عنها هي بسابق إصرار لإهانة العسكريين الموجودين داخل السجن؟ > وإن كنت أتحفظ على أن هناك نية سبق إصرار، لأني لا أملك دلائل تثبت هذا، فإن الواقع يثبت لي أن هناك نوعا من التواطؤ، ستقول لي كيف هو هذا التواطؤ؟ - نعم كيف هو؟ > هناك لجان عسكرية تزور هذا الجناح بين الفينة والأخرى، ومنها لجنة من المحكمة العسكرية تزور هذا السجن مرة في الشهر تقريبا، حيث تطلع على ظروف اعتقال العسكريين المهينة، وتتلقى شكاياتهم الشفوية والكتابية حول ظروفهم المزرية وتدون هذه الملاحظات، لكن في نهاية المطاف تبقى الأمور كما هي عليه، بل تزداد سوءا بين الفينة والأخرى، إذن ما سبب ذلك غير التواطؤ؟ فلو أرادوا تحسين ظروف اعتقال هؤلاء لفعلوا، لكن يبدو أن هناك إرادة لتمريغ كرامة هؤلاء في التراب، لكن وكما يقال فإن الضغط يولد الانفجار، وهذا ما حصل فعلا، حيث قام هؤلاء العسكريون مؤخرا بخطوة احتجاجية للمطالبة بتحسين ظروف اعتقالهم بخوضهم إضرابا عن الطعام، فكان رد السلطات العسكرية أن قامت بترحيلهم بشكل جماعي في اتجاه سجون مختلفة، وبدأت تروج في الآونة الأخيرة أخبارا تتحدث عن عزم هذه السلطات بناء سجن عسكري خاص بالجنود، وفي حال ما تم بناء هذا السجن سيكون المغرب قد خطا خطوة بمسافة ميل إلى الوراء، لأن مثل هذا السجن كان موجودا أصلا بمدينة القنيطرة ونظرا إلى الانتهاكات الجسيمة التي كانت ترتكب فيه في حق الجنود، وما خلف ذلك من انتقادات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، قرر الملك الراحل الحسن الثاني إغلاقه ولا أرى أن على الملك محمد السادس إعادة فتحه من جديد لأنه سيكون مكانا تمارس فيه الديكتاتورية العسكرية في حق جنود بسطاء. ثم من جهة أخرى كيف يعقل أن جنديا من جنودنا ارتكب خطأ أدخله السجن، وغالبا ما تكون أخطاء الجنود بسيطة لا تتعدى عقوبتها شهرين، تمارس عليه كل هذه الإهانات؟ ثم عندما يكمل عقوبته نعيده إلى الثكنة لإكمال خدمته العسكرية، فهل تظن أن هذا الجندي سيقوم بمهمته على أحسن ما يرام؟ هل تضمن لي أنه سيبقى متحليا بالروح الوطنية ومتشبثا بمبادئ وطنه؟ أول شيء هو أنه سيغادر السجن حاقدا على وطنه أو بالأحرى على المسؤولين الذين وضعوه في تلك الظروف، وإن كان الوطن أسمى قيمة من المسؤولين. لقد تعمدت طرح معاناة هؤلاء الجنود أملا في أن تتدخل جهات عليا لتجد لهم حلا ومخرجا، وهنا لا أقصد بكلامي جنرالات الجيش لأني لا أنتظر منهم خيرا في هذا الملف، بل إن ندائي أوجهه إلى القائد الأعلى للجيش الملك محمد السادس كي يجد حلا يصون به كرامة جنوده المعتقلين.